مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة: قراءة في التعديلات من أجل الاستقلالية وتكريس الديمقراطية

يتواصل الجدل تحت قبة البرلمان المغربي حول مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة، في ظل مشاركة محتشمة من فرق الأغلبية الحكومية التي لم تتقدم سوى بـ13 تعديلاً من أصل 249، في مقابل تحركات نشطة ومفصلة من قبل فرق المعارضة والمستقلين، تهدف هذه القراءة الى تحليل هذه التعديلات .

أولاً: مرتكزات التنظيم الذاتي وحرية التعبير في مشروع القانون وتعديلاته:

1. تعريفات أساسية ومقومات التنظيم الذاتي:

    ◦ يحدد مشروع القانون وتعديلاته كيانات أساسية في مجال الصحافة والنشر، مثل “المجلس الوطني للصحافة” (المجلس)، و”لجنة الإشراف” المعنية بانتخاب أعضاء المجلس وانتدابهم.

    ◦ تعرف “المنظمة المهنية” بأنها كل جمعية تضم ناشري الصحف. وتقترح بعض التعديلات إضافة شرط أن تتوفر هذه المنظمات على تمثيلية فعلية على الصعيد الوطني.

    ◦ يعرف “الناشر” بأنه كل مؤسسة صحافية كما هي معرفة بموجب التشريع المتعلق بالصحافة والنشر. ويفصّل أحد التعديلات في تعريف الناشر ليتضمن “كل شخص ذاتي أو اعتباري ينشر بصفة منتظمة مطبوعاً دورياً متعلقاً بالصحافة والنشر، أو وسيلة إعلام إلكترونية”.

    ◦ أحد التعديلات المهمة يقترح إضافة تعريف لـ المنظمة النقابية كـ “كل تنظيم نقابي يضم الصحافيين المهنيين”، مع تبرير ذلك بكونها “مكوناً أساسياً في الجسم الصحافي”. كما يقترح تعديل آخر ضرورة تحديد مفهوم الصحافي بأنه “كل صحافي منهي يزاول مهنة الصحافة بصفة رئيسية ومنتظمة، ويتوفر على بطاقة الصحافة المهنية وفقاً للقانون”، أو وفق تعريف القانون المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين.

    ◦ تعديل بالغ الأهمية هو إضافة تعريف لـ أخلاقيات المهنة بأنها “مجموعة من القواعد والمبادئ المهنية التي تنظم سلوك الصحافي وتحمي استقلاليته ومصداقيته وتضمن حق المواطن في إعلام حر ومستقل ونزيه”. ويعتبر هذا التعديل ضرورياً لتدارك إغفال تشريعي، واعتبار أخلاقيات المهنة “حجر الزاوية في مجال ممارسة المهنة”.

    ◦ الرأي الحقوقي: هذه التعريفات تضع أساساً متيناً للتنظيم الذاتي، حيث تشمل أطرافاً رئيسية في المنظومة الإعلامية (الصحافيون، الناشرون، المنظمات المهنية والنقابية). الربط الصريح بين أخلاقيات المهنة وحق المواطن في إعلام مستقل ونزيه هو خطوة إيجابية جداً من منظور حقوق الإنسان، لأنه يؤكد أن التنظيم الذاتي لا يهدف فقط إلى تنظيم المهنة داخلياً، بل يخدم أيضاً مصلحة الجمهور وحقه في المعلومة.

2. طبيعة المجلس واستقلاليته ومهامه:

    ◦ المشروع الأساسي ينص على أن المجلس الوطني للصحافة هو “شخص اعتباري يتمتع بالاستقلال المالي”.

    ◦ يقترح تعديل من “المعارضة الاتحادية – الفريق الاشتراكي” تحديد دقيق للطبيعة القانونية للمجلس بإضافة عبارة من أشخاص القانون العام، تبريراً لإشكالات واجهها المجلس في تعامله مع مؤسسات تتساءل عن طبيعته القانونية.

    ◦ أما “المجموعة النيابية للعدالة والتنمية”، فتقترح إضافة وصف هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والمالية، مع تعليل ذلك بأنه “تأكيد على الطبيعة المهنية المستقلة للمجلس الوطني؛ وذلك حتى تكون الطبيعة المستقلة وفق صيغة جازمة” لمنع الشك في خضوعه لوصاية الدولة. وتؤكد أن “صفة الاستقلالية تحتاج إلى نص صريح عليها تأكيداً لما تتسم به من سمو على صفة الشخص الاعتباري والاستقلال المالي”.

    ◦ من مهام المجلس الأساسية: التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر، وضع ميثاق لأخلاقيات المهنة، و”تتبع احترام حرية الصحافة“.

    ◦ يقترح “الفريق الحركي” تعديلاً على المادة 2 لتشمل مهام المجلس: ضمان وحماية حق المواطن في إعلام متعدد وحر وصادق ومسؤول ومنهي. ويضيف تعديل آخر من “المجموعة النيابية للعدالة والتنمية” كلمة مستقل لوصف الإعلام، ليصبح “إعلام متعدد وحر ومستقل وصادق ومسؤول ومنهي”، مع تعليل ذلك بأن “خاصية استقلالية المجلس الوطني للصحافة؛ لا تكتمل إلا بأن تكون أولى وأهم مهامه ضمان وحماية حق المواطن في إعلام مستقل أيضاً”.

    ◦ كما يضيف “الفريق الحركي” مهمة تطوير حرية الصحافة والنشر والعمل على الارتقاء بالقطاع و”تطوير الحكامة الذاتية لقطاع الصحافة والنشر بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية”.

    ◦ فيما يتعلق بميثاق أخلاقيات المهنة والنظام الداخلي، يقترح تعديل من “المجموعة النيابية للعدالة والتنمية” أن يتم المصادقة عليهما من طرف الجمعية العامة للمجلس، ثم نشرهما في الجريدة الرسمية. هذا يعزز الديمقراطية الداخلية للمجلس.

    ◦ الرأي الحقوقي: إن التأكيد على استقلالية المجلس كـ “هيئة مستقلة” لا مجرد “شخص اعتباري يتمتع باستقلال مالي” هو جوهري لضمان مصداقية التنظيم الذاتي. الاستقلالية عن الدولة والجهات المؤثرة الأخرى هي حجر الزاوية في أي نظام تنظيم ذاتي فعال يحترم المعايير الدولية. إضافة كلمة “مستقل” لوصف الإعلام الذي يجب على المجلس حمايته، يعكس فهماً عميقاً لأهمية استقلالية الصحافة كحق أساسي للمواطن وليس مجرد ميزة للمهنة. مهام المجلس المقترحة، من وضع الأخلاقيات إلى متابعة حرية الصحافة وتطوير الحكامة الذاتية على أسس ديمقراطية، تعكس بشكل كبير مرتكزات التنظيم الذاتي الحديث.

3. تشكيلة المجلس وعمليات الانتخاب/الانتداب:

    ◦ يتألف المجلس في نصه الأصلي من 19 عضواً موزعين على ثلاث فئات.

    ◦ تقترح “المعارضة الاتحادية –الفريق الاشتراكي” إضافة فئة رابعة وهي فئة الحكماء لتمكين المجلس من الاستفادة من خبرة وكفاءة ذوي العطاء المتميز في قطاع الصحافة والنشر.

    ◦ تعديلات عديدة، أبرزها من “الفريق الحركي” و”المجموعة النيابية للعدالة والتنمية” و”السيدة النائبة فاطمة التامني”، تهدف إلى تغيير “الانتداب” إلى “الانتخاب لممثلي الناشرين .

    ◦ التعليل لهذا التعديل جوهري من منظور حقوقي وديمقراطي، حيث تذكر التعديلات أن الانتداب يجسد ضرباً من التراجع عن الديمقراطية والاستقلالية، و”يتعارض مع الدستور الذي أقر قاعدة عامة دستورية تتمثل في أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي” .  وتؤكد أن “تمييز فئة الصحافيين لإخضاعهم للانتخاب؛ في حين تمتع الناشرين بحق الانتداب؛ يفضى إلى تباين على مستوى المشروعية التمثيلية لهاتين الفئتين داخل نفس المجلس”.

    ◦ كما تقترح تعديلات ضمان تمثيلية نسائية لا تقل عن امرأتين وتمثيلية للصحافة الجهوية والإعلام الأمازيغي.

    ◦ فيما يتعلق بشروط العضوية، يقترح تعديل من “الفريق الحركي” أن يكون العضو متمتعاً بكامل الحقوق المدنية والسياسية وألا يكون قد صدر في حقه حكم نهائي في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو يكون قد صدر باألخالقيات المهنية. كما يقترح ألا يجمع عضو المجلس “بين عضوية المجلس وتولي مهام تمثيلية داخل الهيئات السياسية أو النقابية أو المهنية في قطاع الصحافة، أو مزاولة مهام تتعارض مع مبادئ الحياد والاستقلالية”.

    ◦ الرأي الحقوقي: التحول من الانتداب إلى الانتخاب هو مطلب ديمقراطي أساسي لضمان شرعية ومصداقية المجلس كهيئة تنظيم ذاتي. أي شكل من أشكال التعيين غير الديمقراطي قد يفتح الباب للتدخلات الحكومية أو تأثيرات المصالح الخاصة، مما يقوض استقلالية التنظيم الذاتي. ضمان تمثيلية متنوعة (جنس، مناطق، أنواع إعلام) يعزز الشمولية ويضمن أن المجلس يمثل فعلاً الطيف الكامل للمهنة. الشروط المقترحة للعضوية (الحقوق المدنية، السجل الأخلاقي، عدم تضارب المصالح) ضرورية للحفاظ على نزاهة واستقلالية أعضاء المجلس، وهذا يتوافق مع أفضل الممارسات الدولية في التنظيم الذاتي الإعلامي.

4. المسطرة التأديبية والعقوبات:

    ◦ تتولى لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية النظر في الشكايات وإصدار قرارات المتابعة أو عدم المتابعة .

    ◦ أحد التعديلات المهمة يقترح أن لا تقبل الشكايات إلا إذا كانت مرفقة بعناصر إثبات أولية. والتعليل هو “لضمان حرية التعبير ولتجنيب الصحافيين الإنهاك الناتج عن شكايات غير جدية؛ مما قد تكون الغاية منه التأثير على حرية الصحافة والتعبير”.

    ◦ فيما يخص العقوبات التأديبية، يتضمن المشروع الأصلي عقوبات مثل التنبيه، الإنذار، التوبيخ، سحب بطاقة الصحافة المهنية لمدة لا تتجاوز سنة (أو ثلاث سنوات في حالة العود)، و”توقيف إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً”.

    ◦ يقترح تعديل من “المجموعة النيابية للعدالة والتنمية” حذف عقوبة “توقيف إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية واستبدالها بغرامة مالية تتراوح ما بين 500 و 3000 درهم. والتعليل لهذا التعديل هو أن هذه العقوبة تمس حرية الصحافة بشكل مباشر، وتتناقض مع مبدأ التناسب في التأديب، ويمكن أن تستعمل كوسيلة للضغط أو التصفية ،. كما تؤكد أنه “لا يجوز اعتماد أي عقوبة إضافية غير العقوبات أعلاه في حق الناشرين أو الصحفيين المهنيين كالحرمان من الدعم العمومي أو المنع من المزاولة أو إيقاف الصدور أو غيرها”.

    ◦ فيما يتعلق بـ “سحب بطاقة الصحافي المهني”، يقترح تعديل من “فريق التقدم والاشتراكية” أن الطعن أمام القضاء يوقف مقرر سحب البطاقة، “إلا في حالة صدور قرار استئنافي بتأييد مقرر سحب البطاقة”. والتعليل هو “لحماية أكبر لحرية الصحافة قضائياً“.

    ◦ الرأي الحقوقي:

        ▪ اشتراط “عناصر إثبات أولية” للشكاوى هو خطوة مهمة لحماية الصحافيين من الشكاوى الكيدية التي تستهدف التضييق على حرية التعبير، وتتوافق مع مبدأ عدم إساءة استخدام الإجراءات القانونية.

        ▪ حذف عقوبة توقيف إصدار المطبوع أو الصحيفة الإلكترونية واستبدالها بغرامة مالية هو تعديل محوري وإيجابي للغاية من منظور حقوق الإنسان. توقيف المطبوعات هو شكل من أشكال الرقابة غير المباشرة ويمكن أن يكون له تأثير تدميري على المؤسسات الإعلامية وعلى الحق في حرية التعبير وتلقي المعلومات. الغرامات، وإن كانت عقوبة، فهي أكثر تناسباً وأقل تأثيراً على جوهر حرية الصحافة.

        ▪ تجميد تنفيذ قرار سحب بطاقة الصحافة المهنية عند الطعن القضائي (ما لم يؤيد قضائياً) هو أيضاً ضمانة حقوقية بالغة الأهمية. هذا الإجراء يحمي الصحافي من حرمان فوري من ممارسة مهنته بناءً على قرار غير نهائي، ويسمح باللجوء إلى القضاء كآلية حماية إضافية للحقوق والحريات.

ثانياً: رأي حقوقي عام في الموضوع:

بشكل عام، تظهر وثيقة التعديلات نقاشاً حيوياً ومحاولات جدية لتعزيز الإطار القانوني للمجلس الوطني للصحافة باتجاه نموذج تنظيم ذاتي يتوافق بشكل أفضل مع المعايير الدولية لحرية التعبير وحقوق الإنسان.

الجوانب الإيجابية من منظور حقوقي:

تعزيز استقلالية المجلس: المقترحات الرامية إلى التأكيد على أن المجلس “هيئة مستقلة” لا مجرد شخص اعتباري، وإبعاد شبهة “وصاية الدولة”، تساهم في بناء ثقة أكبر في قدرة المجلس على أداء دوره الرقابي والمهني بفاعلية وحيادية.

دمقرطة الهيكل الداخلي: التحول المقترح من الانتداب إلى الانتخاب لممثلي الناشرين، وضمان تمثيلية واسعة (المرأة، الإعلام الجهوي والأمازيغي، وأنواع الصحافة المختلفة) ، إضافة إلى إخضاع ميثاق أخلاقيات المهنة والنظام الداخلي لمصادقة الجمعية العامة، كلها خطوات تعزز الديمقراطية الداخلية للمجلس وتمنحه شرعية أكبر من داخل المهنة نفسها.

حماية حرية التعبير من العقوبات القاسية: يعتبر استبدال عقوبة توقيف النشر بالغرامة المالية من أهم التعديلات الإيجابية. هذا يعكس فهماً لمبدأ التناسب في العقوبات التأديبية ويقلل من المخاطر التي قد تهدد وجود المؤسسات الإعلامية واستمرارية عمل الصحافيين.

ضمانات المسطرة التأديبية: اشتراط عناصر إثبات أولية للشكاوى، وتدقيق شروط العزل والفصل (بما في ذلك ربطها بقرارات قضائية نهائية “حائزة لقوة الشيء المقضي به”)، ووقف تنفيذ قرار سحب البطاقة المهنية لحين البت القضائي، كلها ضمانات أساسية للحق في المحاكمة العادلة وحماية الصحافيين من التعسف أو الانتقام.

الشفافية والمساءلة: المقترحات المتعلقة بنشر التقارير السنوية حول وضعية حرية الصحافة وانتهاكاتها، ونشر التقارير المالية، تعزز الشفافية والمساءلة، وهما عنصران حيويان لضمان احترام حقوق الإنسان.

الجوانب التي تحتاج إلى يقظة حقوقية مستمرة:

تحديد السلطات بدقة: رغم التعديلات، يبقى من المهم ضمان أن صلاحيات المجلس لا تتداخل مع صلاحيات السلطة القضائية أو الحكومية بشكل يؤثر على استقلاليته أو حياديته.

مراقبة التطبيق العملي: النصوص القانونية، مهما كانت جيدة، يعتمد نجاحها على تطبيقها العملي. يجب مراقبة كيفية تطبيق هذه التعديلات لضمان أنها تحقق بالفعل الأهداف الحقوقية المنشودة، خاصة في سياق يضمن الحفاظ على الفضاء العام حراً للتعبير والنقاش.

تعريف “الأخطاء المهنية“: على الرغم من تحديد مرجعيات معينة (ميثاق أخلاقيات المهنة، النظام الداخلي)، من الضروري أن تكون هذه المرجعيات واضحة وغير قابلة للتأويلات الواسعة التي قد تستخدم للتضييق على الصحافيين.

خلاصة:

إن وثيقة التعديلات المطروحة تعكس جهوداً لتعزيز الإطار القانوني المنظم لمهنة الصحافة والنشر في اتجاه دعم استقلالية المجلس الوطني للصحافة وديمقراطيته الداخلية، وتوفير حماية أفضل لحرية التعبير للصحافيين والمواطنين على حد سواء. التعديلات المتعلقة بدمقرطة انتخاب الأعضاء، وتخفيف العقوبات التي تمس جوهر حرية النشر، وتعزيز ضمانات المسطرة التأديبية، تمثل مكاسب حقوقية مهمة وتتوافق مع المبادئ الدولية للتنظيم الذاتي الإعلامي.

مصفوفة-التعديلات-مشروع-قانون-رقم-026.25

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!