مشروع قانون الصحافة: الأغلبية تتراجع والمعارضة تقود النقاش

يشهد مشروع القانون رقم 26.25، المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة، جدلاً سياسياً يكشف عن تفاوت واضح في التعاطي مع قضية تشريعية بالغة الحساسية. ففي الوقت الذي كان يُنتظر من الأغلبية الحكومية، بما تملكه من ثقل برلماني يضم 290 نائباً موزعين على أربع كتل (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، الاتحاد الدستوري)، أن تقود النقاش وتطبع المشروع ببصمتها، جاءت مساهمتها متواضعة للغاية، إذ لم تقدم سوى 13 تعديلاً من أصل 249 أودعتها مختلف الفرق والمجموعات البرلمانية في مجلس النواب.

هذا الأداء الباهت أثار استياء متابعي الشأن التشريعي والإعلامي، الذين اعتبروه مؤشراً على ضعف الاهتمام بقانون يمس جوهر مهنة الصحافة ودورها في المجتمع.

المعارضة في الواجهة: تفاعل نوعي وكمي

في مقابل التقاعس النسبي للأغلبية، برزت فرق المعارضة كفاعل رئيسي في نقاش تعديل مشروع القانون، حيث قدمت مقترحات جريئة ومتنوعة. تصدر الفريق الاشتراكي المشهد بـ64 تعديلاً، تلته مجموعة العدالة والتنمية بـ56 تعديلاً، ثم الفريق الحركي بـ54 تعديلاً، وفريق التقدم والاشتراكية بـ44 تعديلاً.

وفي مفارقة لافتة، تفوقت النائبة فاطمة التامني، المنتمية لفيدرالية اليسار الديمقراطي، والتي تعمل بشكل مستقل دون انتماء لفريق برلماني، على الأغلبية بأكملها، مقدمةً 18 تعديلاً باسمها الشخصي.

هذا التفاوت يكشف عن دينامية سياسية معاكسة، حيث تبدو المعارضة أكثر التزاماً بتطوير إطار قانوني يعزز استقلالية المجلس الوطني للصحافة ويضمن فعاليته.

تعديلات شكلية وغياب الجرأة

تكشف طبيعة التعديلات التي قدمتها الأغلبية عن نهج متحفظ، إذ اقتصرت بعض مقترحاتها على تغييرات شكلية، مثل استبدال كلمة “حكم” بـ”قرار” في مواد متعلقة بمسطرة التحكيم. هذه الخطوة، التي وصفها مراقبون بالهامشية، تعكس غياب رؤية واضحة لمعالجة الإشكاليات الجوهرية في النص القانوني، خاصة تلك المتعلقة بكيفية تعيين ممثلي الناشرين في المجلس، وهي نقطة أثارت جدلاً واسعاً منذ الكشف عن المسودة الأولى للقانون.

فشل الأغلبية في تقديم تعديلات تتناول هذه المسألة يعزز الانطباع بأنها تتجنب المواجهة مع القضايا الخلافية، مفضلةً نهجاً محافظاً لا يتماشى مع أهمية المشروع.

تساؤلات حول الأولويات السياسية

إن التعاطي الضعيف من قبل الأغلبية مع مشروع القانون يثير تساؤلات عميقة حول أولوياتها التشريعية. فالصحافة، كركيزة أساسية للديمقراطية ومؤشر على حرية التعبير، تستحق اهتماماً أكبر من مجرد تعديلات شكلية. غياب مقاربة استباقية من الأغلبية يعكس، بحسب مراقبين، تراجعاً في الالتزام بتعزيز إطار قانوني يدعم مهنة الصحافة ويحمي استقلاليتها.

هذا الوضع يضع الأغلبية أمام تحدي استعادة المبادرة، خاصة مع اقتراب جلسة لجنة التعليم والثقافة والاتصال، المقررة مساء الإثنين 21 يوليو 2025، للتصويت على التعديلات المقترحة.

خاتمة: رهان المصداقية

مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة ليس مجرد نص تشريعي، بل اختبار لمدى جدية الأطراف السياسية في دعم حرية الصحافة واستقلاليتها. تفوق المعارضة في النقاش والتفاعل مع هذا المشروع يعزز مكانتها كقوة اقتراحية، بينما يضع الأغلبية في موقف دفاعي قد يؤثر على مصداقيتها.

مع اقتراب موعد حسم التعديلات، تبقى الأنظار متجهة نحو مجلس النواب لمعرفة ما إذا كانت الأغلبية ستستعيد زمام المبادرة، أم ستترك للمعارضة قيادة هذا الملف الحيوي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!