وجدة، مربيات التعليم الأولي في وجدة: صرخة ضد الهشاشة ودعوة للعدالة التربوية

احمد عاشور، وجدة 17 يوليو 2025
في صباح مشحون بالغضب النبيل والعزيمة الراسخة، رفع مربو ومربيات التعليم الأولي في وجدة أصواتهم أمام مقر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، في وقفة احتجاجية نظمتها النقابة الوطنية لمربيات ومربي التعليم الأولي المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (مكتبي وجدة وجرادة) والجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي (جهة الشرق). هذه الوقفة لم تكن مجرد تجمع، بل كانت صرخة مدوية ضد الهشاشة والتهميش اللذين يكبلان هذه الفئة الحيوية، التي تحمل على عاتقها مسؤولية تأسيس أجيال المستقبل.
مربيات ومربو التعليم الأولي هم اللبنة الأولى في بناء المنظومة التربوية، يهيئون الأطفال نفسيًا وفكريًا لدخول عالم التعليم المدرسي. لكنهم، رغم دورهم الجوهري، يواجهون واقعًا قاسيًا من العقود الهشة، الأجور المتدنية، والتجاهل الممنهج من قبل السلطات. هذا الواقع لا ينتقص فقط من كرامتهم، بل يهدد جودة التعليم الأولي، حجر الزاوية في بناء مجتمع متقدم. فكيف يمكن لمنظومة تربوية أن تزدهر إذا كان أبطالها الأوائل يعيشون في ظل الإهمال؟
تحت شعارات قوية مثل “الإدماج الفوري مطلبنا”، “كرامة المربية لا تُختبر”، و”لا للهشاشة.. نعم للوظيفة العمومية”، صدحت حناجر المحتجين، معبرة عن رفضهم القاطع لسياسات التكوينات المشروطة وامتحانات الكفاءة التي تُفرض دون ضمانات حقيقية. لافتاتهم حملت رسائل واضحة: “لا للتهميش”، “الإدماج حق وليس منحة”، و”مربيات التعليم الأولي: صوت الأطفال وكرامة المهنة”. هذه الشعارات ليست مجرد كلمات، بل هي صرخة وجدانية تنادي بإنصاف فئة تتحمل مسؤولية تربية الأجيال في ظروف لا تليق بمهمتها النبيلة.
شهدت الوقفة حضورًا لافتًا لهيئات سياسية وحقوقية، التي أعلنت تضامنها الكامل مع هذه الفئة المظلومة. هذا التضامن يعكس وعيًا مجتمعيًا متزايدًا بأهمية التعليم الأولي، وبضرورة حماية كرامة من يحملون مشعل هذه المرحلة الحاسمة. فكيف يمكن لمجتمع يطمح إلى التقدم أن يتجاهل من يزرعون بذور المعرفة في عقول أطفاله؟
في كلمتها الختامية، ألقت الأستاذة جميلة حلوان، باسم المحتجين، خطابًا مؤثرًا نوهت فيه بصمود المربيات والمربين، مؤكدة أن معركة الإدماج ليست مجرد مطلب نقابي، بل هي قضية وطنية تهدف إلى إنقاذ المدرسة العمومية من شبح الهشاشة. ونددت بشدة بسياسات التهميش التي تحول بين هذه الفئة وكرامتها المهنية، محذرة من أن استمرار هذا الوضع يهدد مستقبل التعليم الأولي، وبالتالي مستقبل الأجيال القادمة. ودعت إلى حوار جاد وفوري مع السلطات لتلبية المطالب العادلة، مؤكدة أن التكوينات المشروطة لن تكون بديلاً عن الإدماج الكامل في الوظيفة العمومية.
اختتمت الوقفة في أجواء مشحونة بالعزيمة، حيث جدد المحتجون التزامهم بخوض كل الأشكال النضالية، بما في ذلك التصعيد، إذا لم تستجب السلطات لمطالبهم. هذه ليست مجرد تهديدات، بل هي وعد من فئة أثبتت صمودها في وجه الإهمال. فمن غير المقبول أن يُطالب من يزرعون بذور المستقبل بامتحانات مهينة أو تكوينات لا تلبي طموحاتهم، بينما يتمتع آخرون بحقوق مضمونة دون عناء.
إن صرخة مربيات ومربي التعليم الأولي في وجدة هي دعوة إلى المجتمع بأسره للوقوف إلى جانب هؤلاء الأبطال المجهولين. فالتعليم الأولي ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية لبناء أجيال واعية وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل. والسلطات مدعوة، اليوم قبل الغد، إلى فتح حوار جاد يعترف بدور هذه الفئة، ويضمن إدماجها الفوري في الوظيفة العمومية، مع تحسين أوضاعها المادية والقانونية.
إن كرامة المربية هي كرامة المدرسة العمومية، وكرامة المدرسة هي كرامة الوطن.إن استمرار تجاهل هذه المطالب لن يكون مجرد ظلم لفئة، بل خيانة لمستقبل الأجيال.
فهل ستستجيب السلطات لهذا النداء، أم ستظل المربيات تصرخ في الشوارع حتى يُسمع صوتهن؟
الكرة الآن في ملعب المسؤولين، والتاريخ يراقب.