مدارس الريادة: هل هي خطوة إصلاحية حقيقية أم مجرد واجهة تواصلية؟

الرباط – 13 ماي 2025
في عرضه أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، قدم السيد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، حصيلة برنامج “مدارس الريادة”، مع تسليط الضوء على نتائجه وآفاقه. يُعد هذا البرنامج، الذي يستهدف تحسين جودة التعليم في السلكين الابتدائي والإعدادي، محورًا رئيسيًا في خطة الوزارة لإصلاح المنظومة التعليمية.
لكن، وسط أرقام متفائلة ومؤشرات إيجابية، تظل أعطاب التعليم المغربي قائمة، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة هذه المبادرة على تلبية انتظارات المواطنين أو ما إذا كانت مجرد عملية تواصلية تهدف إلى تلميع الصورة.
أعطاب التعليم المغربي: واقع مؤلم يكشف الحاجة إلى إصلاح شامل
تُظهر الأرقام المقدمة في العرض صورة قاتمة للوضع التعليمي قبل إطلاق برنامج “مدارس الريادة”.
ففي التعليم العمومي، كان 30% فقط من التلاميذ يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمال السلك الابتدائي، و10% فقط في السلك الإعدادي.
مستويات التحكم في اللغة العربية (65% ابتدائي، 38% إعدادي)، الفرنسية (27% ابتدائي، 9% إعدادي)، والرياضيات (64% ابتدائي، 49% إعدادي) تكشف عن فجوات كبيرة في الكفايات الأساسية.
هذه الأرقام، المستندة إلى البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات (PNEA 2019)، تعكس تراجعًا خطيرًا في جودة التعليم العمومي، مما يفاقم الهشاشة الاجتماعية ويحد من فرص الشباب في سوق العمل.
إلى جانب ذلك، تُعد ظاهرة الانقطاع المدرسي واحدة من أبرز التحديات. بين 2016 و2022، سُجلت 300,000 حالة انقطاع سنويًا، مع تركيز واضح في السلك الإعدادي (53%)، يليه الثانوي (23%) والابتدائي (25%).
هذه الأرقام تُبرز ضعف قدرة المنظومة على الاحتفاظ بالتلاميذ، خاصة في مرحلة الإعدادي التي تُعتبر مفصلية في المسار التعليمي.
عوامل مثل البيئة الاجتماعية، نقص الموارد، وضعف جاذبية المدرسة تلعب دورًا كبيرًا في هذا الواقع.
في القطاع الخاص، تُظهر الأرقام تفاوتًا في الأداء مقارنة بالتعليم العمومي، لكنها ليست مثالية.
ففي السلك الابتدائي، بلغت نسب التحكم 52% (عربية)، 42% (فرنسية)، و9% (رياضيات)، بينما في الإعدادي كانت 62% (عربية)، 9% (فرنسية)، و9% (رياضيات).
هذه الأرقام، رغم تفوقها في بعض المواد، تكشف عن تحديات مشتركة، خصوصًا في اللغة الفرنسية والرياضيات.
كما أن الزيادات في رسوم التسجيل بالمدارس الخاصة، رغم محاولات التنظيم عبر مشروع القانون 59.21، تثير استياء الأسر وتزيد من الضغط على الطبقات المتوسطة.
مدارس الريادة: إنجازات واعدة أم نتائج محدودة؟
يُقدم برنامج “مدارس الريادة” نفسه كحل مبتكر لمعالجة هذه الأعطاب. في السلك الابتدائي، وصل عدد المدارس الرائدة إلى حوالي 2900 مدرسة في الموسم الدراسي 2024-2025، تضم 322,000 تلميذ (8% من تلاميذ السلك)، بإشراف 10,700 أستاذ و157 مفتشًا.
في السلك الإعدادي، شمل النموذج 232 إعدادية، تستفيد 200,000 تلميذ (10% من السلك)، مع 6000 أستاذ و600 مفتش.
تُظهر نتائج تقييم أثر البرنامج لعام 2023-2024 تحسنًا ملحوظًا في السلك الابتدائي. فقد بلغت نسبة التحكم في المدارس الرائدة 59% (عربية)، 52% (فرنسية)، و67% (رياضيات)، مقارنة بـ47%، 21%، و45% في عينة المراقبة، بفروق +12%، +31%، و+22% على التوالي. الأثر الإجمالي (0.52 انحراف معياري) يُعتبر إيجابيًا مقارنة ببرامج دولية، مما يُبرز نجاحًا أوليًا.
في الإعداديات، ساهمت مقاربة التدريس وفق المستوى الملائم (TaRL) في تحسين القراءة بالعربية، مع زيادة في نسبة التحكم بالكفايات بمعدل 1.6 مرة.
إلى جانب ذلك، ركزت “إعداديات الريادة” على الأنشطة الموازية والرياضية، حيث يشارك أكثر من 93% من التلاميذ في نشاط موازٍ أو رياضي، مع إقبال كبير على مجالات مثل المسرح، السينما، وريادة الأعمال.
كما تم رصد 37,000 تلميذ معرض للانقطاع (18%) عبر خلايا اليقظة، مما يُظهر جهودًا للحد من هذه الظاهرة.
نقد الخطاب الوزاري: بين الطموح والواقع
رغم هذه الإنجازات، يثير عرض الوزير تساؤلات حول مدى شمولية هذا الإصلاح.
أولًا، الأرقام المقدمة، رغم إيجابيتها، تغطي نسبة محدودة من التلاميذ (8% في الابتدائي، 10% في الإعدادي)، مما يجعل تعميم النموذج تحديًا لوجستيًا وماليًا كبيرًا.
ثانيًا، التركيز على تحسين الكفايات الأساسية، وإن كان ضروريًا، يبدو ناقصًا دون معالجة هيكلية لمشاكل أعمق مثل نقص البنية التحتية، تدني أجور الأساتذة، والفجوة بين المناطق الحضرية والقروية.
ثالثًا، يفتقر العرض إلى خطة واضحة لمعالجة الانقطاع المدرسي على نطاق واسع. رصد 37,000 تلميذ معرض للانقطاع خطوة إيجابية، لكن دون استراتيجية شاملة تشمل تحسين ظروف الدراسة ودعم الأسر الفقيرة، تبقى هذه الجهود محدودة الأثر.
رابعًا، تنظيم التعليم الخاص، رغم التقدم في مشروع القانون 59.21، لا يزال يواجه انتقادات بسبب ارتفاع الرسوم، مما يزيد من التفاوت الاجتماعي.
الأهم من ذلك، يبدو خطاب الوزير موجهًا أكثر نحو إبراز الإنجازات بدلًا من تقديم رؤية طويلة الأمد.
غياب جدول زمني ملزم لتعميم “مدارس الريادة”، أو تفاصيل حول تمويل البرنامج وتكوين الأساتذة، يُضعف مصداقية الخطاب.
مما يثير الشكوك حول ما إذا كان الهدف هو تحقيق إصلاح حقيقي أم تقديم صورة إيجابية للرأي العام.
استشراف مستقبل التعليم: تحديات وفرص
مستقبل التعليم المغربي يتوقف على قدرة الوزارة على تحويل “مدارس الريادة” من تجربة نموذجية إلى إصلاح شامل. النتائج الإيجابية الأولية، مثل تحسن الكفايات والإقبال على الأنشطة الموازية، تُظهر إمكانية النجاح، لكن ذلك يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، تكوين الأساتذة، وتطوير مناهج تربوية حديثة.
كما يجب معالجة الفجوة بين التعليم العمومي والخاص من خلال ضوابط صارمة على الرسوم ودعم الأسر ذات الدخل المحدود.
على صعيد الانقطاع المدرسي، تتطلب المعالجة مقاربة متعددة الأبعاد تشمل برامج دعم اجتماعي، تحسين جاذبية المدرسة، وتعزيز التوجيه المهني. كذلك، ينبغي تعزيز الشفافية في تقييم البرامج التعليمية عبر نشر تقارير دورية وإشراك البرلمان والمجتمع المدني في متابعة النتائج.
هل يلبي تدخل الوزير انتظارات المواطنين؟
توقعات المواطنين من المنظومة التعليمية تتمحور حول تعليم عمومي عادل ومجاني يضمن تكافؤ الفرص ويؤهل الأجيال لمواجهة تحديات العصر.
برنامج “مدارس الريادة”، رغم إيجابياته، يبدو بعيدًا عن تحقيق هذه الطموحات في المدى القصير. التركيز على أرقام ومؤشرات دون خطة واضحة لتعميم النموذج أو معالجة الأعطاب الهيكلية يجعل التدخل الوزاري أقرب إلى عملية تواصلية تهدف إلى تسويق الإنجازات بدلًا من تقديم حلول جذرية.
في الختام، يُعد برنامج “مدارس الريادة” خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه يحتاج إلى رؤية استراتيجية شاملة، تمويل مستدام، وإرادة سياسية قوية لتحويله إلى إصلاح حقيقي. دون ذلك، سيظل التعليم المغربي يعاني من أعطابه، وسيبقى المواطنون في انتظار نظام تعليمي يحقق طموحاتهم ويضمن مستقبلًا أفضل لأبنائهم.