مارين لوبان ممنوعة من الترشح لأي منصب سياسي واذكاء فقدان ثقة الفرنسيين بالسياسة

في 31 مارس 2025، أصدرت محكمة فرنسية حكمًا قضائيًا ضد مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، بتهمة اختلاس أموال الاتحاد الأوروبي خلال فترة عملها كنائبة في البرلمان الأوروبي بين عامي 2004 و2017. وتتعلق القضية باستخدامها أموالاً مخصصة لتوظيف مساعدين برلمانيين في مهام سياسية محلية لصالح حزبها في فرنسا، بدلاً من دعم العمل التشريعي في بروكسل أو ستراسبورغ، وهو ما يُعد انتهاكًا لقوانين الاتحاد الأوروبي. بدأ التحقيق في 2015 بعد تقرير من البرلمان الأوروبي كشف شبهات حول توظيف حوالي 20 مساعدًا بأسماء وهمية أو بمهام غير مرتبطة بالعمل البرلماني، حيث تبين أن هؤلاء كانوا يعملون في مقر الحزب بباريس أو في حملات انتخابية داخلية.

شمل الحكم سجن لوبان لمدة أربع سنوات، مع تعليق سنتين منها بشرط المراقبة باستخدام سوار إلكتروني، مما يعني أنها قد تقضي سنتين فعليًا في السجن إذا فشل استئنافها، ثم تنتقل إلى المراقبة المنزلية. كما فُرض عليها منع من الترشح لأي منصب سياسي لمدة خمس سنوات، وهو ما يهدد طموحاتها لخوض انتخابات 2027 الرئاسية التي كانت مرشحة قوية لها، إلى جانب غرامة مالية كبيرة كتعويض عن الأموال المختلسة وعقوبة رادعة. لم تكن لوبان الوحيدة التي طالتها الإدانة، فقد شمل الحكم قادة آخرين في الحزب مثل والدها جين ماري لوبان وشريكها السابق لوي أليو، بالإضافة إلى مسؤولين ماليين، مما يشير إلى تورط شبكة واسعة داخل الحزب.

دافعَت لوبان عن نفسها بالقول إن هذه الممارسة شائعة بين النواب الأوروبيين، واصفة القضية بأنها “مسيسة” لتشويه سمعتها، لكن الادعاء أثبت إساءة استخدام الموارد. الحكم ليس نهائيًا بعد، إذ أعلنت نيتها الاستئناف، وفي حال نجاحها، قد تتجنب العقوبة، بينما يعني فشل الاستئناف بدء تنفيذ السجن في 2025 أو 2026. قانونيًا، يعزز الحكم سلطة الاتحاد الأوروبي في محاسبة النواب، لكنه يثير تساؤلات حول تساوي المعايير، بينما سياسيًا، قد يُضعف زعامتها أو يزيد تعاطف أنصارها إذا صورته كاضطهاد، مما يجعل تأثيره على مسيرتها معلقًا على الخطوات القادمة.

تأثير هذه القضية على الرأي العام الفرنسي يمكن أن يُقسم إلى عدة جوانب. من ناحية، قد يعزز الحكم من انطباعات منتقدي لوبان الذين يرونها وحزبها كجزء من نظام سياسي فاسد، خاصة أنها بنت خطابها على معارضة النخب والدفاع عن “الشعب”. الاحتجاجات السابقة ضدها، كما حدث في 2022، تظهر وجود قطاع كبير من الفرنسيين يرفضون صعود اليمين المتطرف. من ناحية أخرى، قد يرى أنصارها في الحكم محاولة سياسية لإسكات صوتهم، مما يعزز شعبيتهم كضحايا “المؤسسة”. استطلاعات الرأي قبل الحكم أشارت إلى أن لوبان كانت تحظى بدعم قوي (34-37% من نوايا التصويت)، مما يعكس قاعدة شعبية متينة ربما تزداد تماسكًا إذا رأت في القرار ظلمًا.

تاريخيًا، نجحت لوبان في تحسين صورة حزبها منذ توليها القيادة عام 2011، محاولة التخلص من إرث والدها جان ماري لوبان المثير للجدل. لكن هذه القضية قد تعيد إحياء الشكوك حول نزاهة الحزب. في مناطق مثل “بروي لا بويسيير”، حيث تحولت الأصوات من اليسار إلى دعم لوبان بسبب الإحباط الاقتصادي والهجرة، قد يؤدي الحكم إلى استقطاب أكبر: إما تعاطف معها كمقاومة للنظام، أو رفض لها كسياسية لا تختلف عن غيرها.

الجدل حول تسييس القضاء، كما أشار أنصارها ووزير العدل السابق غيرالد دارمانين، قد يشعل نقاشًا أوسع في فرنسا حول نزاهة المؤسسات. إذا نجح استئنافها، قد تستعيد زخمها السياسي؛ أما إذا فشلت، فقد يفتح ذلك الباب لشخصيات أخرى في اليمين المتطرف، مثل جوردان بارديلا، لقيادة الحركة.

في النهاية، التأثير على الرأي العام سيظل متذبذبًا بين تعزيز الانقسامات القائمة وإعادة تقييم ثقة الفرنسيين بالسياسة ككل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى