لماذا يراقب العالم انعقاد “الدورتين” في الصين

 بينما يجتمع المشرعون والمستشارون السياسيون الوطنيون في “الدورتين”، يراقب العالم عن كثب، كيف سيوجه هذا الحدث السياسي السنوي في الصين، ويؤثر على تنمية البلاد للسنوات المقبلة.اجتماع هذا العام، الذي عاد إلى جدوله المعتاد في مارس بعد تأجيله العام الماضي بسبب وباء كوفيد-19، يحظى بأهمية خاصة. فقد أعلنت الصين، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، انتصارها الكامل في القضاء على الفقر المدقع، وستشرع في رحلة جديدة مع الخطة الخمسية المقبلة. خلال “الدورتين”، أي دورة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، ودورة المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، سيناقش المشرعون خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للفترة 2021-2025، وكذلك الأهداف طويلة المدى حتى عام 2035. هذا المخطط الذي سيوجه التنمية في الصين، قد جذب الكثير من الاهتمام العالمي. في السنوات القادمة، ستتحرك الصين بشكل أسرع للمضي قدما بنمط التنمية الجديد الذي يتميز “بالتداول المزدوج”، حيث يمكن للأسواق الداخلية والخارجية أن تعزز بعضها البعض، مع اعتبار السوق المحلية الدعامة الأساسية. في هذه العملية، يتوقع المجتمع الدولي أن الصين بإمكانها فسح المجال كاملا لتلعب سوقها الفائقة الضخامة دورها المميز، والاستمرار في توسيعها من خلال تعزيز الاستهلاك المحلي. التزام بكين الراسخ بانفتاح أكبر يعني المزيد من المحركات الديناميكية والفوائد الدافعة للانتعاش الاقتصادي العالمي والنمو المستدام. الاقتصاد العالمي يعاني من ركود عميق في ظل الوباء. ولأن الفيروس ما زال مستشريا، فإن طريق التعافي سيكون طويلا، وغير مؤكد تماما. الصين سيطرت على الوباء إلى حد كبير، وأصبحت الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي حقق نموا إيجابيا العام الماضي، وهذا سيوفر المزيد من عوامل اليقين والإمكانيات للعالم في هذه اللحظة العاصفة.المستثمرون العالميون صوتوا بالثقة في السوق الصينية. وفقا لتقرير من الأمم المتحدة حول متابعة اتجاهات الاستثمار، صدر في يناير، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي في عام 2020 بنسبة 42 في المائة، مما كان عليه عند 1.5 تريليون دولار أمريكي في عام 2019، بينما شهدت الصين زيادة بنسبة 4 في المائة في هذا المجال في نفس العام.قال كيويوكي سيغوتشي، مدير الأبحاث في معهد كانون الياباني للدراسات العالمية، إن “السوق الأكثر جاذبية بين الأسواق العالمية هي السوق المحلية للصين”، و”هذا إجماع ليس بين الشركات اليابانية، فحسب، بل أيضا بين الشركات العالمية”.ولأن الحرب العالمية ضد الفقر قد عانت أيضا من الوباء، هناك العديد من الدول تتطلع إلى استخلاص الإلهام من الصين في هذا الصدد، ومعرفة المزيد عن خطة الصين للمرحلة التالية من التنمية، من خلال متابعة “الدورتين”.أما الفقر، فقد ظل مشكلة صعبة على العالم، والوباء يجعل حل هذه المشكلة أكثر صعوبة. وفقا لآخر تقرير من الأمم المتحدة عن الأحوال والتوقعات الاقتصادية العالمية، فقد تسبب فقدان الوظائف والدخل، في دفع نحو 131 مليون شخص إلى الفقر في عام 2020.الصين، رغم ذلك، لم تتخل عن الوفاء بوعدها بإنهاء الفقر المدقع في البلاد، حتى في ظل مواجهة الوباء. في العام الماضي، تخلص جميع سكان الريف الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر الحالي، والبالغ عددهم 100 مليون نسمة، من الفقر، بعد جهود دامت ثماني سنوات، الأمر الذي يعني تحقيق هدف الأمم المتحدة لتقليل الفقر، قبل عشر سنوات من الموعد المحدد في أجندة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة لعام 2030.وبقيامها بذلك، شقت الصين طريق الحد من الفقر، وشكلت نظرية لمكافحة الفقر بخصائص صينية. وكانت أيضا قدوة للعديد من البلدان النامية الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة.في السنوات الخمس المقبلة، ستواصل الصين تعزيز التعددية وبناء اقتصاد عالمي منفتح مع شركائها العالميين من أجل تعزيز التنمية المشتركة.في العام الماضي، وقعت الصين اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية للتجارة الحرة، مع 14 دولة أخرى، واختتمت المفاوضات بشأن اتفاقية استثمار مع الاتحاد الأوروبي. هذه الإنجازات لم تتحقق إلا بشق الأنفس، في ظل تفشي الوباء والمد المتصاعد للانعزالية والحمائية.ستظهر “الدورتان” للعالم التزام الصين المتواصل بالمزيد من الانفتاح والتعاون الأوثق على الصعيد العالمي. قال المشرع الصربي، زاركو أوبرادوفيتش، إن الصين ظلت شريكا قيّما، مشيرا إلى أن الصين قد تشاركت الإنجازات التنموية من خلال مبادرة الحزام والطريق، وغيرها.المجتمع العالمي يخيم عليه منذ فترة، الوباء المتطاول الأمد، والتعافي البطيء. ومن المأمول أن أولئك الذين يبحثون عن طرق للوقوف على أقدامهم مرة أخرى، في جميع أنحاء العالم، سيجدون في الصين الثقة والزخم والإلهام الجديدين، من أجل المضي قدما.

نظرة على أهم النقاط البارزة

للدورتين السنويتين للنواب والمستشارين الصينيين عام 2021

ستفتتح الدورة السنوية الرابعة للدورتين السنويتين لنواب والمستشارين الصينيين في بكين يوم 4 و5 مارس على التوالي. وفيما يلي 9 نقاط بارزة في الدورتين هذا العام:

  • أهداف بعيدة المدى : ستقوم الدورتان بمراجعة واعتماد “الخطة الخمسية الرابعة عشرة” ومخطط الأهداف طويلة المدى لعام 2035 ..
  • معيشة الناس : لا تزال قضايا التوظيف والإسكان والرعاية الطبية والاستهلاك والغذاء وغيرها من قضايا المعيشة من الموضوعات الساخنة المثيرة للاهتمام.
  • إنعاش الريف : يجب اتخاذ تدابير لدعم وتوسيع نتائج التخفيف من حدة الفقر، وانتقال مركز العمل تدريجيا الى إنعاش الريف بشكل فعال
  • صحة البيئة :حققت معركة منع التلوث والسيطرة عليه نتائج ملحوظة، وسيتم صياغة سياسات أخرى لتحسين الإدارة البيئية
  • الرعاية الصحية: تفكر الصين في سد الثغرات في نظام الصحة العامة والأمن الطبي بصورة أكثر، وتحسين مستوى الرعاية الطبية والصحية
  • الابتكار التكنولوجي :  زيادة تعزيز القوة العلمية والتكنولوجية الاستراتيجية الوطنية، وتسريع الاعتماد على الذات
  • الإصلاح التنظيمي: تعديلات على القانون الأساسي للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والنظام الداخلي للمجلس الوطني لنواب الشعب
  • مكافحة الفساد : الاستمرار في تعزيز مكافحة الفساد
  • التعايش مع دول العالم :يعتني عدد لا يحصى من شعوب العالم بشأن كيفية تعايش الصين مع العالم في ظل التغيرات المتحولة العالمية، وكيف سيتم بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك بشرية. 

خبراء عرب

أبرز خمس نقاط تحظى بمتابعة الدول العربية عن الدورتين السنويتين الصينيتين

من المقرر أن تفتتح الدورتان السنويتان الصينيتان، التجمع السنوي للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني والمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في الرابع والخامس من شهر مارس الجاري على التوالي. وبصفتهما أعلى هيئة استشارية سياسية وأعلى هيئة تشريعية في الصين، تحظى الدورتان السنويتان بمتابعة كبيرة من دول العالم، بما فيها الدول العربية. وفيما يلي النقاط الخمس الأكثر متابعة من جانب الدول العربية عن الدورتين هذا العام.

— نمو الاقتصاد الصيني وتأثيره على الدول العربية : قال حسين إسماعيل، نائب رئيس تحرير مجلة ((الصين اليوم)) (الطبعة العربية) والخبير بالشأن الصيني، إن الدورتين تتمتعان باهتمام عربي كبير، لأن أي قرار تتخذه الصين أو أي تحول أو تغير في الاقتصاد الصيني يؤثر في الاقتصاد العالمي بشكل عام، ومنه بطبيعة الحال الدول العربية. وأوضح أن الدورتين في عام 2021 لهما أهمية بالغة تميزهما عن السنوات السابقة، فهما تعقدان في موعدهما الطبيعي، إذ تم تأجيل انعقادهما العام الماضي بسبب تفشي كوفيد-19. كما إنه في عام 2021، تحتفل الصين بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وتبدأ تنفيذ الخطة الخمسية الـ14 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أن 2021 هو العام الأول الذي يبدأ بدون أن يكون لدى الصين فقر مدقع، وهذه كلها أسباب موضوعية للاهتمام بالدورتين هذا العام. وأعرب عن اعتقاده بأن المواطن العربي سيكون مهتما بمتابعة كيفية توجه الاستثمارات الصينية في السنوات المقبلة، خاصة وأنها تشهد تزايدا في السنوات الأخيرة بالمنطقة العربية، وكذلك بمعرفة نسبة النمو المستهدف للاقتصاد الصيني ومدى انفتاح الصين، خاصة وأن الصين أكبر شريك تجاري للعديد من الدول العربية ومن بينها مصر، علاوة على اهتمامه بالتعرف على اتجاهات الصين لنقل التكنولوجيا الصينية وتوطينها في الدول العربية باعتبارها من بين الدول النامية التي تهتم الصين بالتعاون معها. أما الدكتور مثنى مشعان المزروعي، الأستاذ المساعد بكلية التربية في جامعة المستنصرية بالعراق، فذكر أن الصين شهدت نموا اقتصاديا يجب أن تتم دراسته من قبل جميع الدول العربية، معربا عن تطلعه إلى أن تناقش الصين وبشكل معمق دعمها للدول العربية، لاسيما وأن الصين دولة فاعلة ومؤثرة في القرارات الدولية.

— التعاون الصيني العربي في مجال لقاحات كوفيد-19 : لم تتوان الصين والدول العربية عن دعم ومساندة بعضها البعض لمواجهة أزمة مرض فيروس كورونا الجديد في عام 2020، ما أظهر قوة ومتانة العلاقات التاريخية بين الجانبين. وفي هذا الصدد، ذكر الدكتور المزروعي أن الصين تميزت كثيرا في مساعدتها لمعظم دول العالم لمواجهة جائحة كوفيد-19 حيث قدمت الكثير من المختبرات المتخصصة لدول العالم ومن بينها العراق، كما قدمت الكثير من العلاجات والمساعدات للكثير من الدول، وشاركت أيضا دول العالم في بروتوكولاتها العلاجية ووضعتها في متناول الجميع. وسلط الضوء على مجال لقاحات كوفيد-19، قائلا إن الصين سعت ولاتزال تسعى لتوفيره وتوزيعه بشكل عادل على الدول التي تحتاجه، وإن هذه المواجهة الحقيقية من قبل الصين للجائحة ومساعدتها لدول العالم كشفت عن وجه الصين الإنساني وحرصها على دعم الدول الفقيرة. علاوة على هذا، ذكر الدكتور ناصر بوشيبة، رئيس جمعية التعاون الإفريقي الصيني للتنمية في المغرب، أن جائحة كوفيد-19 أظهرت أهمية الاستثمار في البحث العلمي والتطوير، منوها إلى أن الصين تمكنت من تصدر الدول التي نجحت في تطوير لقاحات مضادة لكوفيد-19، كما تعمل جاهدة على توفير الكميات اللازمة من هذه اللقاحات لفائدة الدول السائرة في طريق النمو والتي وجدت نفسها غير قادرة على المنافسة مع الدول المتقدمة.

— البناء المشترك للحزام والطريق : مع اكتساب مبادرة الحزام والطريق زخما في جميع أنحاء العالم، قال المزروعي إنه من الضروري أن يكون هناك بناء مشترك بين الدول العربية والصين، خصوصا وأن للصين قدرات اقتصادية وتكنولوجية متميزة يمكن استخدامها في وضع خطط وبرامج اقتصادية مشركة تدخل ضمن مبادرة الحزام والطريق، وتساهم في بناء وتعزيز اقتصادات الدول العربية. كما ذكر حسين إسماعيل أن البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق هو إطار اقتصادي يحقق المنافع للأطراف المشاركة، “وبالتالي يمثل سياجا لحماية العلاقات السياسية وتطويرها”، مشيرا إلى أن البناء المشترك للحزام والطريق بين الصين والدول العربية يعزز العلاقات بين الجانبين، وهذا بالفعل ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية. وأضاف أن البناء المشترك للحزام والطريق بما يحققه من توظيف للمزايا التي يتمتع بها كل طرف، سيحقق في النهاية مصالح مواطني تلك الدول من الجانبين، فلا تكون العلاقات على مستوى رسمي فقط وإنما أيضا على مستوى شعبي قوي ومتين، وبالتالي فإن البناء المشترك للحزام والطريق ينبغي أن يستمر، وأن تشهد معه الفترة القادمة المزيد من التعاون. وأردف قائلا إن “من بين الموضوعات التي ستشغل الرأي العام العربي في اجتماع الدورتين السنويتين، ما اذا كان هناك ملفات جديدة فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق، وهو ملف يهم الكثير من الدول العربية.” وفي نفس الإطار، أشار الدكتور بوشيبة إلى أنه بحكم توفر البلدان العربية على موارد بشرية وطبيعية غنية، تشكل مبادرة الحزام والطريق فرصة ذهبية لهذه الدول من أجل ولوج السوق الصينية وكذلك استقطاب الاستثمارات من أجل تطوير البنية التحتية والقدرات الإنتاجية.

— السياسة الخارجية للصين تجاه الشرق الأوسط .. خلال الدورتين السنويتين، تشكل السياسة الخارجية الصينية، التي تسترشد برؤية مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، دائما موضوعا ساخنا لدى الإعلام الأجنبي.وحول السياسة الخارجية للصين تجاه الشرق الأوسط، قال الدكتور بوشيبة إن ما يميزها هو الاتزان والحكمة وتقديم النصيحة دون التدخل في الشؤون الداخلية للغير. وهذه الميزات جعلت الدول العربية تأمل في أن تلعب الصين دورا أكبر في مسارات السلم والسلام بالمنطقة.كما رأى حسين إسماعيل أنه في مجال السياسة الخارجية، سيكون مهما التأكيد على ثوابت السياسة الصينية تجاه القضايا العربية سواء القضية الفلسطينية أو الأوضاع في سوريا أو الأزمة الليبية أو المسألة اليمنية، والمؤكدة على ضرورة حل القضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية وبما يضمن كامل حقوق الشعب الفلسطيني، وغيرها.

— العلاقات الصينية الأمريكية . أما حول العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، فقد قال الدكتور المزروعي إن لها انعكاسات كثيرة على العلاقات الإقليمية والدولية.ومن هذا المنطلق، ذكر الدكتور بوشيبة أنه من مصلحة السلم العالمي أن يكون هناك توافق بين الصين والولايات المتحدة، حيث رأى أن جميع الخلافات يمكن تجاوزها في عالم متعدد القطبية وبالاحتكام إلى الشرعية الدولية.وأعرب عن تمنياته بأن تتضافر الجهود من أجل إيجاد حلول لمعضلات تهدد الإنسانية جمعاء كتوفير الظروف الملائمة للحد من آثار الاحتباس الحراري ووضع خطط استباقية ضد الأمراض والأوبئة وعلاج الأسباب الجذرية للهجرة السرية والاتجار في البشر، معبرا في الوقت ذاته عن أمل المواطن العربي في عودة العلاقات الصينية الأمريكية إلى المسار الصحيح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى