لشكر يعود بقوة.. كلمة تُعيد للاتحاد بريقه السياسي

المصطفى العياش جريدة “جيل”
في زمنٍ تتناسل فيه الصراعات الحزبية وتغيب فيه المواقف الواضحة، برز إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خلال افتتاح المؤتمر الوطني الثاني عشر ببوزنيقة، كأحد الأصوات التي ما زالت تؤمن بأن السياسة في جوهرها مسؤولية لا مقامرة.
كلمته الافتتاحية لم تكن مجرد خطابٍ تقليدي، بل كانت رسالة موجهة إلى الوطن قبل أن تكون إلى الحزب. تحدث لشكر بثقة، بلغة تجمع بين التجربة والرؤية، واضعًا الاتحاد الاشتراكي في قلب النقاش الوطني حول مشروع مغربٍ صاعد اقتصاديا واجتماعيا ومؤسساتيا.
وقد تميزت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الثاني عشر بحضور وازن، جمع بين قيادات حزبية ونقابية وشخصيات وطنية بارزة.
فقد حضر كل من مصطفى بنعلي، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، ومحمد أوجار، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، إلى جانب نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، وفاطمة الزهراء المنصوري، الأمينة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، والتي حضرت المؤتمر بصفة رسمية ممثلة لحزبها.
كما سجل حضور نبيلة منيب، الأمينة العامة السابقة للحزب الاشتراكي الموحد، والميلودي مخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، إضافة إلى عدد من الشخصيات الوطنية والديبلوماسية التي جاءت لتؤكد مكانة الاتحاد الاشتراكي في المشهد السياسي المغربي.
حضور شخصيات وازنة من مكونات الأغلبية والمعارضة على حد سواء، وعلى رأسهم رئيس الحكومة عزيز أخنوش، لم يكن مجرد مجاملة بروتوكولية، بل اعترافٌ ضمني بمكانة حزب “الوردة” في التوازن السياسي الوطني، وبالدور التاريخي الذي لعبه في تأطير الحياة الديمقراطية المغربية.
لقد بدا لشكر في كلمته مدركًا لتحولات المرحلة، ومؤمنًا بأن السياسة ليست ساحة للتناحر، بل مجال لتقاطع الرؤى في خدمة المصلحة الوطنية العليا. تحدث بلغة الواقعية، داعيًا إلى المصالحة بين الفاعلين السياسيين وإلى تجاوز منطق الاصطفاف الأعمى، في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى تعبئة شاملة لمواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
إن من تابع الجلسة الافتتاحية، لاحظ أن الرجل كان يتحدث من موقع التجربة لا من موقع الشعبوية، وأن خطابه الموجه للجيل الجديد من الاتحاديين كان دعوة صريحة لاستعادة روح الاتحاد الأصيلة: الوطن أولاً، والعدالة الاجتماعية غايتنا، والديمقراطية طريقنا.
بذلك، استطاع إدريس لشكر أن يعيد رسم صورة الاتحاد الاشتراكي كحزب وطني مسؤول، يرفض أن يكون مجرد رقم في المعارضة، ويؤكد في الآن نفسه أن المغرب بحاجة إلى أحزاب قوية ومتماسكة، لا إلى معارك جانبية تُضعف الثقة في السياسة.
ولعل أجمل ما حملته كلمة لشكر هو رسالته غير المعلنة إلى الشباب الاتحاديين: أن السياسة ليست مهنة للنجاة الفردية، بل التزام جماعي من أجل وطنٍ يسع الجميع. دعاهم إلى أن يكونوا الجيل الذي يُعيد الاعتبار للفكرة الاتحادية، جيل يؤمن بأن اليسار يمكن أن يكون واقعيًا دون أن يفقد مبدئيته، وأن الإصلاح ممكن حين تمتزج الجرأة بالحكمة.
لقد أقنع لشكر، بكلمته تلك، حتى من كانوا ينتقدونه، بأن الاتحاد الاشتراكي ما زال قادراً على التجدد من الداخل، وأن السياسة حين تمارس بالعقل والاتزان يمكن أن تكون طريقاً نحو البناء لا الهدم.