كلنا متواطئون على إبادة غزة: صرخة محمد بنعلي تكشف عورة الصمت

في تدوينة أثارت زوبعة سياسية ودينية، أطلق الشيخ محمد بنعلي، رئيس المجلس العلمي المحلي بفجيج سابقاً، صرخة مدوية عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفاً المسلمين بـ”المتواطئين” على إبادة غزة. هذه الكلمات، التي كلّفت بنعلي منصبه، ليست مجرد تعبير عن غضب شخصي، بل اتهام صريح للعلماء والحكام والشعوب بالتخاذل أمام ما وصفه بـ”كبيرة تساوي قتل النفس عمداً”.

من جهتنا سنسلط الضوء على دلالات هذه التدوينة، ويسلط الضوء على دور العلماء في مواجهة الظلم، وتحديات الصوت الحر في زمن الصمت.

استهل بنعلي تدوينته بنداء موجه إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، محذراً من أن السكوت على ما يحدث في غزة يجعل الجميع شركاء في جريمة الإبادة. مستشهداً بالآية القرآنية التي تتوعد قاتل المؤمن متعمداً بـ”جهنم خالداً فيها”، يضع بنعلي المسلمين أمام مسؤوليتهم الأخلاقية والدينية.

لكنه يذهب إلى أبعد من ذلك، موجهاً سهامه الأولى نحو العلماء، معتبراً إياهم أكثر مسؤولية من الحكام والشعوب، لأنهم “مشاعل هداية” مكلفون بـ”التبليغ والبيان”، لا بتدريس الوضوء والصلاة فحسب.

هذا الاتهام ليس اعتباطياً. فالعلماء، في نظر بنعلي، تخلوا عن دورهم الأساسي كحماة للأمة، وانشغلوا بالنوافل والمواضيع الفرعية، بينما الواجب العيني اليوم هو نصرة أهل غزة ورد الظلم عنهم. يستحضر بنعلي نماذج من التاريخ الإسلامي، كسعيد بن جبير الذي واجه الحجاج حتى الموت، والعز بن عبد السلام الذي تحدى الأمراء، ومالك بن أنس الذي لم يخشَ الرشيد. هذه الأمثلة ليست للاستعراض، بل لتذكير العلماء بأن دورهم ليس الخضوع للسلطة، بل مواجهتها عندما تتخلى عن الحق.

ما يميز خطاب بنعلي هو جرأته في تحميل العلماء المسؤولية الأولى عن تخاذل الأمة. يصف علماء اليوم بأنهم “آثروا سلامة البدن” تحت ذرائع واهية كـ”فقه الموازنات” و”درء المفاسد”، متجاهلين أن السكوت على إبادة شعب مسلم هو أعظم المفاسد. هذا النقد يضع العلماء أمام مرآة قاسية: كيف يشرحون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن وحدة المسلمين ونصرة المظلوم، بينما يتجاهلون معاناة غزة؟

يستثني بنعلي قلة نادرة من العلماء الشرفاء، كمفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد الخليلي، الذين لا يزالون يصدعون بالحق دون مواربة.

تدوينة بنعلي ليست مجرد نقد للعلماء، بل هي اتهام للأمة بأسرها بالتخاذل. يقارن بنعلي بين موقف المسلمين اليوم وموقف أعداء النبي صلى الله عليه وسلم الذين نقضوا صحيفة الحصار الظالمة على آل محمد، متسائلاً: كيف يمكن أن يكون أعداء النبي أرحم منا؟

هذه المقارنة ليست فقط لإثارة الجدل، بل لكشف تناقض الأمة التي تدعي الإسلام ديناً، بينما تتفرج على تجويع شعب بأكمله وتدميره.

لم يمر خطاب بنعلي دون عقاب. فقد أدت تدوينته إلى إعفائه من منصبه كرئيس للمجلس العلمي المحلي بفجيج، في قرار يعكس حساسية السلطات تجاه الأصوات التي تخرج عن الخط الرسمي. لكن هذا الإعفاء يطرح تساؤلاً أعمق: هل باتت الأصوات الحرة تهديداً في زمن يُفترض أن يكون فيه التبليغ واجباً دينياً؟

إن إقصاء بنعلي يكشف عن محاولة لإسكات صوت يذكّر الأمة بواجبها، لكنه في الوقت ذاته يعزز من قوة خطابه، الذي يتحول إلى صرخة تمثل ضمير الشرفاء.

في ختام تدوينته، يوجه بنعلي نداءً عاجلاً إلى العلماء والحكام: “استدركوا ما فاتكم، وإلا فهو الدرك”. هذه الدعوة ليست مجرد تحذير، بل دعوة لإعادة تعريف دور العلماء كقادة للأمة، لا كموظفين يخضعون للسلطة. كما يحيي بنعلي الأصوات الحرة التي لا تزال تقاوم الحصار والتخوين، واصفاً إياها بـ”رئات الأمة” التي تتنفس بها في زمن شح الهواء النقي.

تدوينة محمد بنعلي ليست مجرد كلمات غاضبة، بل وثيقة تاريخية تكشف عن أزمة أخلاقية ودينية تعيشها الأمة. إنها دعوة للعلماء والحكام والشعوب لمراجعة مواقفهم، والخروج من دائرة الصمت إلى دائرة المقاومة. غزة، في نظر بنعلي، ليست مجرد قضية إنسانية، بل مرآة تعكس حال الأمة: إما أن نكون أمة الوحدة والنصرة، أو نصير “قطيعاً” يساق إلى الذل.

والسؤال الذي يتركه بنعلي معلقاً: هل سنظل متواطئين، أم سنكون أصواتاً حرة تصدع بالحق؟

كلنا متواطئون على إبادة غزة: صرخة محمد بنعلي تكشف عورة الصمت插图

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!