قضية ياسين الشبلي.. تسجيلات الكاميرات تكشف فظائع التعذيب وتضع الأمن الوطني أمام اختبار المصداقية

في حدث وصفه المحامي رشيد آيت بلعربي بـ”الاستثنائي” في مسيرته المهنية التي امتدت لعشرين عاماً، كشفت جلسة محاكمة بتاريخ 17 أبريل 2025، أمام المحكمة الابتدائية ببنجرير، عن تفاصيل مروعة حول وفاة الشاب ياسين الشبلي داخل مخفر للشرطة في أكتوبر 2022.

التسجيلات المصورة التي عُرضت خلال الجلسة، بناءً على طلب هيئة الدفاع عن عائلة الضحية والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كشفت عن أعمال تعذيب وحشية تعرض لها الشبلي، مما أثار صدمة الحاضرين وأعاد فتح النقاش حول ممارسات بعض أفراد الأمن وسمعة المؤسسة الأمنية في المغرب. فما هي تفاصيل هذه القضية؟ وما الذي تكشفه عن تحديات الحكامة الأمنية؟

خلفية القضية: من الحديقة إلى المخفر إلى الموت

ياسين الشبلي، شاب مغربي في مقتبل العمر من مواليد 1994، كان معروفاً في مدينة بنجرير كبطل محلي في فنون القتال. في 5 أكتوبر 2022، تم توقيفه من قبل عناصر الشرطة بالشارع العام بتهمة “السكر العلني وإثارة الضوضاء”، وفقاً لبلاغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش. اقتيد الشبلي إلى مخفر الشرطة لوضعه تحت الحراسة النظرية، لكنه أصيب بوعكة صحية في اليوم التالي، نقل على إثرها إلى المستشفى الإقليمي، حيث دخل في غيبوبة وفارق الحياة.

في البداية، أثار بلاغ الوكيل العام جدلاً واسعاً، حيث زعم أن وفاة الشبلي نجمت عن “إيذائه لنفسه وسقوطه المتكرر على الأرضية الصلبة نتيجة حالة هستيرية”، وليس بسبب العنف من قبل عناصر الشرطة. هذا الرواية رفضتها عائلة الشبلي، التي نظمت وقفات احتجاجية أمام محكمة الاستئناف بمراكش للمطالبة بالحقيقة، مؤكدة أن ياسين كان بصحة جيدة قبل توقيفه.

تسجيلات الكاميرات: صور صادمة تعيد كتابة الرواية

خلال جلسة المحاكمة في 17 أبريل 2025، نجحت هيئة الدفاع، بقيادة المحامي رشيد آيت بلعربي، في استصدار قرار من المحكمة لعرض تسجيلات الكاميرات المثبتة على صدور رجال الشرطة وداخل المخفر. هذه التسجيلات، التي أُعدت بتفريغ من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، كشفت عن مشاهد مروعة: “ياسين الشبلي، وهو مكبل اليدين للوراء لمدة تزيد عن ثماني ساعات، تعرض لضربات عنيفة على رأسه وبين فخذيه، بينما كان مربوطاً إلى قضبان حديدية في وضعية “T”، واقفاً على أصابع قدميه

وصف آيت بلعربي هذه المشاهد بأنها “سلوكات عدوانية حاقدة” من قبل أشخاص “نزعوا إنسانيتهم وارتدوا ثوب السادية“، مشيراً إلى أن الشبلي دخل المخفر كشاب قوي وخرج منه جثة هامدة. هذه التسجيلات قلبت الرواية الرسمية التي قدمها الوكيل العام، وأثارت صدمة في أروقة المحكمة، حيث قررت تأجيل البت في القضية إلى 23 أبريل 2025 لمواصلة التحقيقات.

مسار القضية: تعقيدات إجرائية واتهامات متبادلة

القضية شهدت تعقيدات إجرائية منذ بدايتها. في البداية، قضت المحكمة الابتدائية ببنجرير بعدم الاختصاص، وأحالت الملف إلى غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بمراكش، التي اعتبرت بدورها أنها غير مختصة. تمت إحالة القضية إلى محكمة النقض، التي حسمت الإشكال وأعادت الملف إلى المحكمة الابتدائية ببنجرير. في مايو 2024، أدانت المحكمة ضابط شرطة بخمس سنوات سجناً نافذاً بتهمة “القتل الخطأ بسبب الإهمال وعدم التبصر” و”استعمال العنف من موظف عمومي“، وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف في يوليوز 2024.

حالياً، يتابع ثلاثة من موظفي الأمن في الملف، اثنان منهما في حالة اعتقال والثالث في سراح مؤقت، بينما تستمر التحقيقات لتحديد المسؤوليات الكاملة.

في المقابل، واجهت عائلة الشبلي اتهامات مضادة من قبل بعض رجال الشرطة، تضمنت “إهانة موظفين عموميين” و”عرقلة السير” و”تنظيم مظاهرة غير مصرح بها“، مما أدى إلى إدانة خمسة من أفراد العائلة في أكتوبر 2024 بأحكام بالحبس الموقوف وغرامات مالية.

تداعيات القضية: أزمة ثقة وسمعة

يحذر المحامي رشيد آيت بلعربي من أن ما حدث لا يقتصر ضرره على عائلة ياسين الشبلي، بل يمتد إلى سمعة الأمن الوطني المغربي. وقوع هذه الأفعال داخل مخفر رسمي، ومن قبل موظفين يرتدون الزي النظامي، يشكل “انتهاكاً صارخاً لكرامة الإنسان“، وفق تعبيره. هذه الواقعة أثارت موجة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبرت تدوينات عن استياء عميق من “حقد” بعض أفراد الأمن، متسائلة عن أسباب هذه الممارسات ضد مواطن لا يحمل انتماءات سياسية أو إيديولوجية تهدد النظام.

من جهة أخرى، تسلط القضية الضوء على تحديات أعمق تتعلق بالحكامة الأمنية:

  • ضعف الرقابة: التسجيلات المصورة تثبت وجود كاميرات مراقبة، لكن السؤال يبقى: لماذا لم تُستغل هذه التسجيلات مباشرة لمنع الانتهاكات أو محاسبة المتورطين فوراً؟
  • التدريب وسلوك الأفراد: الحادث يكشف عن حاجة ماسة إلى تعزيز تدريب رجال الأمن على احترام حقوق الإنسان، خاصة في ظروف الحراسة النظرية.
  • الثقة العامة: تكرار مثل هذه الحوادث قد يعمق أزمة الثقة بين المواطنين والمؤسسة الأمنية، خاصة في ظل تقارير سابقة عن انتهاكات مماثلة في مخافر أخرى.

سياق أوسع: حقوق الإنسان في المغرب

تأتي قضية ياسين الشبلي في سياق جهود المغرب لتعزيز حقوق الإنسان، حيث أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقارير دورية تدعو إلى تحسين ظروف الحراسة النظرية ومنع التعذيب. كما وقّع المغرب على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب عام 1993، مما يلزمه بمحاسبة المتورطين في مثل هذه الانتهاكات.

ومع ذلك، تشير تقارير منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش، إلى أن حالات التعذيب لا تزال تُسجل في بعض المخافر، مما يتطلب إصلاحات هيكلية أعمق.

التحديات والتساؤلات

  • تحقيق العدالة: هل ستتمكن المحكمة من محاسبة جميع المتورطين بناءً على التسجيلات؟ وكيف ستتعامل مع الاتهامات الموجهة لعائلة الشبلي، التي يراها البعض محاولة للضغط عليها؟
  • إصلاح المؤسسة الأمنية: ما الإجراءات التي ستتخذها المديرية العامة للأمن الوطني لمنع تكرار مثل هذه الحوادث؟ وهل ستُعزز آليات الرقابة الداخلية؟
  • دور المجتمع المدني: كيف يمكن للجمعيات الحقوقية، مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن تلعب دوراً أكبر في مراقبة ظروف الاحتجاز؟

نحو محاسبة عادلة وإصلاح شامل

قضية ياسين الشبلي ليست مجرد مأساة فردية، بل اختبار لمصداقية المؤسسة الأمنية والقضائية في المغرب. التسجيلات المصورة، التي وصفها المحامي رشيد آيت بلعربي بالمروعة، تضع السلطات أمام مسؤولية تاريخية لمحاسبة المتورطين واستعادة ثقة المواطنين. إن ما حدث في مخفر بنجرير، كما يؤكد آيت بلعربي، يجب ألا يتكرر، لكن ذلك يتطلب إصلاحات جذرية تشمل تدريب الأفراد، تعزيز الرقابة، وضمان احترام كرامة الإنسان في جميع الظروف.

في انتظار جلسة 23 أبريل 2025، تبقى عيون عائلة الشبلي والمجتمع المغربي معلقة على العدالة، آملين أن تكون هذه القضية نقطة تحول نحو مغرب يسوده القانون وحقوق الإنسان.


المصادر:

  • تدوينة المحامي رشيد آيت بلعربي، منصة فيسبوك، أبريل 2025.
  • تقارير إخبارية من مواقع: lakome2.com، febrayer.com، alayam24.com، hespress.com، akhbarona.com.
  • منشورات على منصة إكس، 18 أبريل 2025.
  • معلومات عامة عن حقوق الإنسان في المغرب من تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومنظمات دولية.
قضية ياسين الشبلي.. تسجيلات الكاميرات تكشف فظائع التعذيب وتضع الأمن الوطني أمام اختبار المصداقية插图

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى