قضية “التآمر على أمن الدولة” في تونس.. بين اتهامات السلطة وصرخات المعارضة

في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في تونس، أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس يوم السبت 19 أبريل 2025 أحكامًا سجنية تتراوح بين 13 و66 عامًا بحق حوالي 40 معارضًا سياسيًا فيما يُعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”. هذه القضية، التي بدأت بحملة توقيفات واسعة في فبراير 2023، أثارت انقسامًا حادًا بين السلطات التونسية، التي تتهم المعارضين بمحاولة زعزعة استقرار البلاد، والمعارضة التي تصف المحاكمات بـ”المهزلة القضائية” و”التصفية السياسية”. في هذا المقال، نستعرض تفاصيل القضية، السياق السياسي، وتداعياتها على المشهد التونسي.

بداية القضية: توقيفات واتهامات خطيرة

بدأت القضية في 11 فبراير 2023 بحملة توقيفات استهدفت سياسيين بارزين، إعلاميين، رجال أعمال، وقضاة، من بينهم قيادات من حركة النهضة مثل راشد الغنوشي ونور الدين البحيري، وزعيم جبهة الخلاص الوطني نجيب الشابي، ورجل الأعمال كمال اللطيف. وجهت السلطات تهمًا خطيرة للموقوفين، تشمل “التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”، “محاولة قلب نظام الحكم”، و”التخطيط لزعزعة الاستقرار عبر التحكم في الأسعار وتوزيع السلع”. تصل عقوبة هذه التهم إلى السجن المؤبد أو الإعدام، مما جعل القضية واحدة من أخطر الملفات القضائية في تونس منذ الثورة.

وفقًا للسلطات، كان المتهمون يخططون لتحريك الشارع من خلال استغلال الأزمات الاقتصادية، مثل ارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن التحقيقات كشفت عن اجتماعات سرية في منزل السياسي خيام التركي، ضمت قيادات إخوانية ودبلوماسيين، بهدف تنسيق مخطط للإطاحة بالنظام.

رد المعارضة: محاكمة سياسية لتصفية الخصوم

منذ بداية القضية، رفضت المعارضة الاتهامات واعتبرتها “ملفقة” و”جائرة”. وصف زعيم جبهة الخلاص نجيب الشابي القضية بأنها “رواية مفبركة” تهدف إلى “تصفية المعارضة السياسية وإشاعة الخوف في المجتمع”. وأكد أن ملف الإدانة خالٍ من الأدلة المادية، مثل الوثائق أو التسجيلات، ويعتمد على “شهادات سرية” و”إجراءات مشبوهة”.

كما انتقدت هيئة الدفاع إجراءات المحاكمة، مشيرة إلى أنها أُجريت عن بُعد دون حضور المتهمين، وتم منع الصحفيين من توثيق الجلسات، مما ينتهك مبدأ العلنية القضائية. واعتبرت دليلة بن مبارك مصدق، إحدى المعارضات، أن السلطة تستخدم القضاء كأداة للانتقام السياسي، بضغوط هائلة على القضاة لإصدار أحكام قاسية.

الأحكام: صدمة ورفض واسع

في أبريل 2025، أصدرت الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية أحكامًا سجنية ثقيلة، تضمنت:

  • كمال اللطيف: 66 عامًا.
  • خيام التركي: 48 عامًا.
  • نور الدين البحيري: 43 عامًا.
  • عصام الشابي، جوهر بن مبارك، غازي الشواشي، رضا الحاج: 18 عامًا.
  • عبد الحميد الجلاصي: 13 عامًا.

قوبلت الأحكام برفض واسع من المحامين، عائلات المعتقلين، الأحزاب السياسية، والمنظمات الحقوقية، التي اعتبرتها “جائرة” و”نتيجة محاكمات سياسية”. ونظمت تنسيقية عائلات المعتقلين احتجاجات أمام المحكمة، مطالبة بالإفراج عن الموقوفين وإلغاء الأحكام.

السياق السياسي: تصعيد قيس سعيد ضد المعارضة

تأتي القضية في سياق سياسي مشحون، حيث يواجه الرئيس قيس سعيد اتهامات بتكريس حكم استبدادي منذ استئثاره بالسلطة في 25 يوليو 2021. يرى المراقبون أن سعيد يستخدم تهمة “التآمر” لإسكات أي صوت معارض، خاصة مع تزايد التحديات الاقتصادية مثل التضخم ونقص السلع.

اتهم سعيد الموقوفين بالوقوف وراء الأزمات الاقتصادية، مؤكدًا أن “الشعب هو الضحية” وأن القضاء التونسي “شريف” ويعمل وفق القانون. وفي تصريحات سابقة، وصف المعارضين بـ”الخونة” و”العملاء” الذين يسعون لتقسيم تونس، مركزًا بشكل خاص على حركة النهضة، التي يتهمها بالتورط في قضايا إرهاب وتسفير مقاتلين.

تداعيات القضية: أزمة ثقة وتصعيد محتمل

  1. أزمة ثقة في القضاء: إجراءات المحاكمة، بما في ذلك الحظر الإعلامي السابق ومنع التصوير، عززت الشكوك حول استقلالية القضاء. يرى المحللون أن استخدام القضاء كأداة سياسية يهدد بتقويض الثقة في مؤسسات الدولة.
  2. تصعيد التوتر السياسي: الأحكام الثقيلة قد تدفع المعارضة إلى تنظيم احتجاجات أوسع، خاصة مع استمرار الضغوط الاقتصادية. وقد كسرت جبهة الخلاص حاجز المنع الأمني سابقًا لتنظيم مظاهرات، مما ينذر بتصعيد محتمل.
  3. تأثير إقليمي ودولي: القضية جذبت انتباه منظمات حقوقية دولية، التي انتقدت انتهاكات مبادئ المحاكمة العادلة. قد يؤدي ذلك إلى ضغوط خارجية على تونس، خاصة مع تراجع الدعم الاقتصادي من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي.

هل هناك مخرج؟

تواجه تونس مأزقًا سياسيًا معقدًا. من جهة، تسعى السلطة إلى تعزيز الاستقرار الأمني ومحاسبة من تعتبرهم “متآمرين”، بينما تطالب المعارضة بحوار وطني وإطلاق سراح المعتقلين. اقترحت جبهة الخلاص تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمراجعة التهم، لكن السلطات رفضت حتى الآن أي تنازل.

بين الأمن والحرية

قضية “التآمر على أمن الدولة” تعكس الانقسام العميق في تونس بين رؤية السلطة للأمن والاستقرار، ورؤية المعارضة للحريات والديمقراطية. الأحكام الثقيلة، رغم كونها ابتدائية وقابلة للاستئناف، قد عمقت الأزمة السياسية وزادت من مخاطر التصعيد. في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تحتاج تونس إلى حوار شامل يعيد بناء الثقة بين الفرقاء السياسيين، وإلا فإن البلاد قد تنزلق إلى مزيد من الاستقطاب والتوتر.

المصادر:

  • تقارير “الجزيرة نت” بتاريخ 4 مارس و19 أبريل 2025.
  • منشورات على منصة إكس بتاريخ 19 أبريل 2025.
  • تقرير “العين الإخبارية” بتاريخ 28 فبراير 2025.
قضية “التآمر على أمن الدولة” في تونس.. بين اتهامات السلطة وصرخات المعارضة插图
قضية “التآمر على أمن الدولة” في تونس.. بين اتهامات السلطة وصرخات المعارضة插图1

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى