قراءة في خطاب محمد بنعبد القادر ،عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي ،بعين بني مطهر

عبد السلام المساوي
  يوم 29 دجنبر 2018 , جهة الشرق كانت في موعد مع التاريخ ، كانت في  موعد مع التظاهرة – الحدث ، مع تظاهرة عظيمة من حيث مغزاها العميق ، من حيث ابعادها ودلالاتها ، من حيث دروسها ورسائلها ؛ انها تظاهرة تخليد الذكرى 43 لاستشهاد المناضل الاسطوري عمر بنجلون بعين بني مطهر ، وللمكان رمزيته وقدسيته ؛ فهنا ولد عمر وهنا الوجود ،وفي مدرسة عبد  الواحد المراكشي كانت كلمة ” اقرأ ” وكانت بداية بدايات النضال…
  التظاهرة كانت عظيمة ، كانت ناجحة بكل المقاييس ، كانت متميزة وممتازة ؛ شكلا ومضمونا بمعنى جدلي…التظاهرة كانت عظيمة بالحضور العظيم كما ونوعا.

قراءة في خطاب محمد بنعبد القادر ،عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي ،بعين بني مطهر插图


  التظاهرة – الحدث من تنظيم الكتابات الاقليمية لجهة الشرق ( جرادة ، وجدة ، بركان ، الناظور ، تاوريرت ، فكيك.) …والاتحاديات والاتحاديون ، قيادة وقاعدة ، كانوا في الموعد ؛ كتاب الاقاليم والفروع ، مناضلات ومناضلون، منتخبات ومنتخبون ، فعاليات جمعوية وفاعلون اقتصاديون ، شيوخ وشباب ، رجال ونساء ..أعيان قبائل بني مطهر ، رفاق عمر بنجلون ، أصدقاء الطفولة والدراسة..رؤساء المجالس المنتخبة بإقليم جرادة…حضور وازن ومعبر ..جهة الشرق عانقت عين بني مطهر ؛ أرض الصمود والشموخ ؛ منبت عمر بنجلون … 
     محمد بنعبد القادر عنوان التظاهرة – الحدث
  تميزت تظاهرة تخليد ذكرى الشهيد عمر بالحضور القوي للقائد محمد بنعبد القادر ، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، الذي تفاعل مع ساكنة عين بني مطهر ، ومع المناضلات والمناضلين ، مع الحضور ؛ تفاعل معهم بحميمية إنسانية واخوة نضالية ..الدفء هو العنوان والسير في الطريق الذي رسمه عمر هو المنهج…وزير ولاينسى انه مناضل ؛ انها اخلاق الاتحاديين ، انها اخلاق الكبار…
  وتميزت التظاهرة – الحدث بالخطاب الجيد ، المعبر والدال، الذي ارتجله محمد بنعبد القادر امام الحضور الكبير الذي لم يسعه المركز السوسيو ثقافي بعين بني مطهر مساء السبت 29 دجنبر 2018 …وسنقف عند بعض محاور الخطاب للتأمل واستخلاص الدروس…لم يكن خطابا / جوابا بقدر ما كان خطابا / سؤالا…    شحنة وجدانية …

     لإحياء ذكرى الشهيد ببلدته معنى خاص ومتميز
  ان الاتحاديات والاتحاديين – يقول محمد بنعبد القادر – ، ومنذ أزيد من أربعة عقود ، وهم يحيون باخلاص ووفاء ، ذكرى اغتيال الشهيد عمر بنجلون …لقد حضرت ، يضيف عضو المكتب السياسي ، هذه الذكرى عدة مرات ؛ في محطات جامعية ، شبابية وحزبية …” لكن تعتبر هذه المرة الأولى التي أشارك فيها بشعور خاص ومتميز وبكثير من التأثر احياء هذه الذكرى في البلدة التي أنجبت الشهيد عمر ” ،مؤكدا أن هذه الأرض الطيبة أنجبت احد الاسماء الشامخة لمغرب ما بعد الاستقلال ، احد المثقفين الكبار واحد الاطر الكبرى لبلدنا التي ” خرجت من عين بني مطهر في ظروف صعبة وبامكانيات محدودة ، الشيء الذي يبعث فينا جميعا شعورا خاصا ، فهي ليست مجرد مراسيم روتينية فقط لتأدية واجب الوفاء بل هي لحظة مؤثرة وبطعم خاص .” 
     الشهيد مرجعية 
  يقول محمد بنعبد القادر ” منذ 43 سنة ونحن نترحم على روح الشهيد ، ونستحضر مناقبه وخصاله وتضحياته ، وكذا دوره في إعطاء الانطلاقة الجديدة للحركة الاتحادية ، لكن لابد أن نتساءل ، من حين لاخر ، هل فعلا نحن أوفياء لذاكرة الشهيد ، وهل طريقة احياء ذكراه هي الطريقة الامثل التي تمكننا من استلهام الدروس لأحد السياسيين والقادة الكبار للحركة الاتحادية ؟! “وسجل محمد بنعبد القادر ان احسن طريقة هي طرح أسئلة تتعلق بطبيعة العمل السياسي وبالأخلاق السياسية ، خاصة وأن الممارسة السياسية في تجربة الشهيد عمر بنجلون حافلة بالدروس ” لذا نشعر اننا مقصرين ولم نتعامل مع الشهيد كمرجعية وكقدوة في العمل السياسي ، وأحيانا بفعل الجرح الذي لا زلنا نحمله ” …ان محمد بنعبد القادر ، اذن، يستحضر عمر في ذكراه بمنطق السؤال ..انه يتكلم ولا ينسى انه يفكر ..يسترجع الماضي للتفكير في الحاضر وبناء المستقبل ..انه سياسي برؤية فلسفية …عمر ليس كائنا تراثيا ..انه فكر يتحرك وحركة تفكر…
     نحن جيل الصدمة
  نحن جيل الصدمة ، يقول بنعبد القادر ، فتحنا اعيننا والاتحاد ينطلق انطلاقة جديدة سنة 1975 بجرح انغرس في الذات الاتحادية ، وكان من الصعب التئامه بسرعة ، ” ففي وقت انعقاد المؤتمر الاستثنائي والانطلاق نحو النضال الديموقراطي بالديموقراطية وليس بشيء اخر ، تأتينا الصدمة ونطعن مرة أخرى في احد القادة الكبار ” ، ومن حق هذا الجيل ” وهو يبحث ، ليس عن أجوبة ، بل عن أسئلة جديدة ” ،أن يستحضر تجربة عمر ، وهو يفكر في المؤتمر الاستثنائي من داخل السجن ، وعند خروجه من السجن ، بدأ يفرغ كل المخاض الفكري الذي كان يحمله على الورق ، وبدأ في الإعداد بدينامية للتحضير للمؤتمر واستراتيجية النضال الديموقراطي ، والتي كانت متميزة في تاريخ الفكر السياسي المعاصر بالمغرب….
     جدلية الفكر والممارسة
  انه من الافيد- يؤكد محمد بنعبد القادر – الاستفادة من شخصية عمر بنجلون عبر استحضار ثلاث جوانب ، وهي : الجانب الحزبي ، الجانب الشبابي والجانب الديموقراطي
     1-الجانب الحزبي 
  فيما يتعلق بالجانب الحزبي فإن بصمات الشهيد معروفة في التقرير الإيديولوجي ، الذي كان مهندسه ، فقد قام بقطيعة مع المرحلة السابقة ،أعطى معنى جديدا للاستمرارية ، الاستمرارية بالمعنى الدياليكتيكي ؛ استمرارية النضال في ظروف متغيرة وبقوى متصارعة متغيرة ، ” ففهم عمر للحزب هو الحركية وليس الجمود ، فهو صاحب المذكرة التنظيمية سنة 1965 , وهو أيضا من أصل لفكرة الاستمرارية ، ليس في الجمود والركود ولكن في التغيير “
   فمن اسس المنهجية العلمية التي اعتمدها عمر لمقاربة الواقع المغربي  : التحليل التاريخي والجدلي الذي يدرس المجتمع في تاريخيته ، يدرسه كواقع متحرك ومتغير ، يكشف عن تناقضاته وصراعاته الاجتماعية ويبرز القوى الفاعلة فيه ؛ اعتماد التحليل الملموس للواقع الملموس ، ..معانقة الوضوح والشفافية ومحاربة اللبس والغموص ، محاربة الخلط والتضليل ، اعتماد العقل وتشغيل الفكر ، رفض الاتباعية الجامدة والمحاكاة العمياء ، رفض النماذج المسبقة وتقليد التجارب التي لا صلة لها بظروفنا وواقعنا ، عدم ادعاء امتلاك الحقيقة …قراءة الماضي قراء مستقبلية ، عدم القطع معه وعدم تمجيده وتقديسه ….الاشتراكية منهجية لتحليل المجتمع وتناقضاته وتغييراته ، لا فلسفة ومحاولة لتفسير الكون ، منهجية للتحليل والنضال لا عقيدة…
  في صيف 1974 , وبالذات يوم الاحد 15 شتنبر 1974 ، تحول الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وبمناسبة اول اجتماع عقدته اللجنة المركزية برئاسة المرحوم عبد الرحيم بوعبيد بمنزل عائلة بنبركة بالرباط ، وكان ذلك مباشرة بعد تبرئة وإطلاق سراح قادة الحزب الذين كانوا متهمين في أحداث مارس 1973 ، في ذلك اليوم قال الشهيد عمر بنجلون مخاطبا أعضاء اللجنة المركزية وبنبرة حادة تطبعها الصرامة :” أيها الإخوان كفى من التجارب البدائية التي تنقصها المنهجية والكفاءة والتي تسبب في سقوط ضحايا دون أن تزعج قطا ! أن قيادة الحزب هي ما يوجد الان داخل الوطن ، أما من هم خارج الوطن فلم نعد نقبل أن نتحمل تبعات اخطائهم ، وكان مطلوبا منا ونحن رهن الاعتقال ان نتنكر لهم ونستنكر افعالهم .لم نفعل هذا وكانت حريتنا معرضة للخطر من جراء امتناعنا عن التنكر لإخواننا ، بل إن ارواحنا كانت في خطر….اما الان فلن نسمح لأحد في الخارج بأن يقوم باسم حزبنا بأعمال لا نقبلها ولن نسكت مستقبلا عن أي ممارسة لا مسؤولة …” 
  وبعد أربعة أشهر ، وفي يناير  1975 , ينعقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد ، وفي تقديمه للتقرير المذهبي امام المؤتمر ، يقول الشهيد عمر :” إن القرار بتحضير وعقد هذا المؤتمر الاستثنائي ، كان تعبيرا عن اختيار جوهري وشامل ، فبالرغم من القيود المفروضة على حزبنا ، ومن وجود مئات من المناضلين في المعتقلات المعروفة والمجهولة ، قرر الاتحاديون بصفة جماعية استئناف العمل على تطبيق القرارات والاختيارات التي سبق أن حددوها قبل حوادث مارس 1973 
  يمكن أن نؤكد بكل اعتزاز ان هذا المؤتمر ، بالرغم من أنه مؤتمر استثنائي ، حضر وعقد في ظروف استثنائية هو مؤتمر القاعدة الاتحادية كلها ، مؤتمر المناضلين الأوفياء كلهم ، مؤتمر المناضلين الشاعرين بمسؤولياتهم التاريخية ، مؤتمر استمرار حركة التحرير الشعبية ببلادنا .
   الا ان الاستمرار لا يعني الحمود في التفكير والأساليب ، انه استمرار النضال وجدلية النضال ، في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية في تغيير دائم ، والقوات المتصارعة هي نفسها في تغيير دائم مع ما يترتب عن ذلك من تقلبات في أشكال وميادين الصراع اجتماعيا وسياسيا وايديولوجيا …”
  ويتساءل محمد بنعبد القادر ” هل النموذج التنظيمي السابق لا زال صالحا ، وهل الطريقة التي كنا نمارس بها الخصومات السياسية لا زالت هي ؟ ألم أقل لكم ان بنعبد القادر يعشق السؤال…السؤال يدعو إلى التفكير ، ومشكلتنا اننا لم نفكر بعد ! من هنا كانت لحظة الانصات لمحمد بنعبد القادر لحظة متميزة ، لأنها تخلخل المطلقات وتنتفض على  الأجوبة الجاهزة ، على الجمود والدوغمائية….
     2-الجانب الشبابي 
  فيما يخص علاقة الشهيد بالشباب ، أكد عضو المكتب السياسي على أن الشهيد عمر بنجلون لم يكن منظرا ولا باحثا سوسيولوجيا يدرس الحركة الشبابية ” فهو نفسه كان شابا ، وبالرجوع الى التقرير الإيديولوجي نجده يقول ان الشباب بطبيعته ينفر من الغموص ، فالوضوح فضيلة سياسية وأيضا سلاح سياسي ” يقول محمد بنعبد القادر ” كان عمر يرجع لإحدى خاصيات الشباب وهي الوضوح والهروب من الغموض والالتباسات ، وكان رجل الوضوح بامتياز يعتز به عموم اليسار …” مضيفا بأنه ترك لنا ترك تراثا ورصيدا سياسيا قويا ، وترك ايضا حزبا قويا لا زال موجودا ” استشهد وهو في سن الشباب ، هو أحد الاطر العليا ببلادنا ، خريج المدرسة العمومية وليس مدارس الأعيان ، متعدد المواهب والكفاءات ؛ محامي ، بريدي ، نقابي ، سياسي ، صحفي ، مفكر….” 
     3-الجانب الديموقراطي 
  في قمة الزمن الاسود والقمع الهمجي الأعمى يفتك بالبلاد ، والديموقراطيون الحقيقيون يعيشون المحن ، والمؤسسات والوحدة الترابية نفسها قد أصبحت في خطر ، في ظل هذه الظروف بلور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، خلا ل مؤتمره الاستثنائي سنة 1975 , استراتيجية النضال الديموقراطي ، والرهان على أن انتصار الديموقراطية والتقدم الاجتماعي يقتضي الانخراط الواعي ضمن ضمن دينامية مجتمعية وتاريخية يتفاعل فيها الموضوعي والذاتي ، بما يعنيه ذلك من قطع مع الارادوية والشعبوية من جهة ، ومع الاتجاهات الانتهازية والمتقاعسة من جهة أخرى …
  نجح اختيار النضال الديموقراطي وفشلت الاختيارات المضادة ، لأن الاختيار الديموقراطي كان استجابة لأسئلة الواقع المغربي واملته التحولات السياسية والاجتماعية ..انه نجح لانه أراد الدفع بحركة التاريخ الى الامام ، نحو المستقبل ، نحو البناء …ان الواقع المغربي يتغير ، أسئلته تتغير ، من هنا وجب البحث عن أجوبة جديدة تستجيب للحظات التطور التاريخي …
   ويسجل محمد بنعبد القادر بأن الاتحاد الاشتراكي ، في الوقت الذي كانت فيه الساحة السياسية العربية تعج بالمغامرات وكان من السهل تعدد الولاءات ، اختار ان يكون الخط السياسي للحزب هو النضال الديموقراطي من داخل المؤسسات ، مبرزا بأنه اول حزب اعتبر أن الديموقراطية ليست هي الانتخابات فقط ” لذلك كنا من السباقين الى الحديث عن الديموقراطية المحلية ، وديموقراطية القرب ، وتمكين الشعب من المشاركة في بيئة تمكنه من قضاء جميع اغراضه “،لكن ، يقول بنعبد القادر ” النظام الإداري في المغرب آنذاك كان شديد التمركز ، فكان هناك إلحاح من جلالة الملك في عدد من الخطب بالتعجيل بإخراج ميثاق اللاتمركز الإداري والذي بحث تقرير الإدارات في الصلاحيات التي يمكن نقلها إلى الجهات ويؤشر لتحول جذري في نموذج الإدارة ، وهذا الورش محسوب على الاتحاد ، كما كان محسوبا علينا الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني ابان حكومة التناوب وأصبح الان يتداول في اللغة السياسية بمصطلح العدالة الاجتماعية …”
     مغرب الكفاءات 
   ان التحدي – يقول محمد بنعبد القادر – المطروح اليوم على الأحزاب السياسية هو إنتاج نخب جهوية حقيقية ، خاصة ونحن نتجه نحو إدارة لا ممركزة و ” بلادنا في حاجة الى الاطر والكفاءات ” ، وأشار إلى التعيينات التي عرفها المغرب مبرزا بأنها ” تدعو إلى الاعتزاز والافتخار وتؤكد على أن الاتحاد الاشتراكي لا زال نافعا ومفيدا لوطنه ، ولا زال يعطي نضاليا وبوضوح وصمود وقدرة على العطاء….” وأن  ” المرحوم الحسن الثاني كان يعين على رأس المؤسسات اطرا اتحادية في عز سنوات الرصاص ..” 
  في هذا الإطار أكد عضو المكتب السياسي على ضرورة تفكير كل الكتابات الجهوية والاقليمية للحزب في اساليب الانفتاح على الاطر ، وفي تعزيز ما لديها من كفاءات بشرية للتواجد في الإدارات اللاممركزة …
     في الحاجة الى العدالة الاجتماعية
  هناك ، يسجل محمد بنعبد القادر  ، تأخر في تحقيق العدالة الاجتماعية وتأخر في انصاف وادماج الشباب ، داعيا إلى الى التفكير في آليات لتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والمالية ، علما بأن الاتحاد كان دائما على العهد ” وسيكون مستعدا ،أكثر من أي وقت مضى ، للمساهمة في إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية …”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى