فيدرالية اليسار الديمقراطي تدعو إلى دبلوماسية موازية وإصلاح ديمقراطي شامل لتعزيز الوحدة الترابية

في كلمته خلال الندوة الوطنية التي نظمتها المجموعة الموضوعاتية المؤقتة بمجلس المستشارين حول “البرلمان وقضية الصحراء المغربية” يوم الإثنين 5 ماي 2025، أكد الأمين العام لفيدرالية اليسار الديمقراطي، عبد السلام العزيز، على الموقف المبدئي للحزب في الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، معتبرًا قضية الصحراء قضية وطنية مركزية تتطلب تعبئة داخلية وترافعًا مؤسساتيًا ناجعًا. وشدد على ضرورة ربط الدفاع عن الوحدة الترابية بمشروع ديمقراطي تنموي شامل، يعزز العدالة المجالية والمشاركة المواطنة.

إنجازات دبلوماسية وتحديات مستمرة
أشاد العزيز بالمكاسب الدبلوماسية التي حققها المغرب، لاسيما الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء ودعم مقترح الحكم الذاتي. لكنه حذر من هشاشة هذه الإنجازات في ظل غياب إغلاق نهائي للملف دوليًا، مشيرًا إلى التحولات العالمية التي تتسم بصعود منطق القوة والمصالح الضيقة. وانتقد المقترحات الدولية المروجة، مثل “التقسيم” أو العودة إلى فكرة الاستفتاء، معتبرًا أنها تهديدات تتطلب مقاربة مغربية أكثر شمولية ومصداقية.
الحكم الذاتي: مشروع مجتمعي لا ورقة تفاوضية
أكد الحزب أن نجاح مبادرة الحكم الذاتي، التي قدمها المغرب عام 2007، يتطلب إرساء ديمقراطية حقيقية تشمل كل جهات المملكة. ودعا إلى تحويل الحكم الذاتي من مجرد عرض تفاوضي إلى مشروع مجتمعي يعالج الاختلالات في توزيع الثروة والتمثيل السياسي، ويعزز الجهوية المتقدمة. وفي هذا السياق، اقترح الحزب إطلاق نقاش وطني لتطوير تصور الحكم الذاتي، مع إشراك تنظيمات المجتمع المدني في إعداد تقارير سنوية حول القضية الوطنية.
ترافع عقلاني ورفض التطبيع
شدد العزيز على ضرورة بناء ترافع مؤسساتي عقلاني يعتمد لغة القانون والتاريخ، مستندًا إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي يحمي الوحدة الترابية للدول. وأشار إلى نجاحات الحزب في إقناع بعض المنظمات اليسارية العربية، كما في “إعلان بيروت” 2024، برفض التجزئة والتقسيم. لكنه أقر بصعوبة تغيير مواقف بعض الأحزاب اليسارية المتوسطية التي تستغل قضايا الديمقراطية والتطبيع للتشكيك في الموقف المغربي.
وفي موقف لافت، جدد الحزب رفضه لربط قضية الصحراء بالتطبيع مع إسرائيل، معتبرًا أن هذا الربط يضعف مصداقية القضية الوطنية أمام الرأي العام الإقليمي والدولي. ووصف الكيان الصهيوني بـ”التوسعي الاحتلالي”، مؤكدًا أنه لا يمكن أن يكون حليفًا في قضايا التحرر الوطني.
دور البرلمان والمجتمع المدني
دعا الحزب إلى تعزيز دور البرلمان كمنصة للترافع الوطني، شريطة أن يكون نموذجًا للديمقراطية الداخلية والرقابة الفعالة. كما اقترح تنظيم دورات تكوينية للشباب الحزبي والنقابي لتملك ملف القضية الوطنية، وإنشاء ميثاق وطني شامل يجمع القوى السياسية والمدنية لتوحيد الجهود حول الصحراء.
إصلاح داخلي وانفراج سياسي
في سياق متصل، ربط الحزب بين تعزيز الوحدة الترابية والإصلاح الداخلي، داعيًا إلى انفراج سياسي يشمل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الحراكات الاجتماعية، وإيقاف المتابعات القضائية ذات الصلة. كما طالب بمعالجة القضايا الاجتماعية الكبرى، مثل الفساد والغلاء، على أسس ديمقراطية تشاركية لتجاوز الاحتقان الاجتماعي.
رؤية مغاربية طموحة
في ختام كلمته، دعا العزيز إلى تحويل طي ملف الصحراء إلى فرصة لبناء فضاء مغاربي ديمقراطي متكامل اقتصاديًا وأمنيًا، بعيدًا عن الهيمنة الخارجية وخطاب الكراهية بين شعوب المنطقة. وأكد أن الديمقراطية والعدالة هما “الحصن الحقيقي” للوحدة الترابية، داعيًا إلى استكمال تحرير الثغور الشمالية (سبتة ومليلية) كجزء من المشروع الوطني.
رؤية تقدمية بتحديات تنفيذية
تكشف كلمة فيدرالية اليسار الديمقراطي عن رؤية تقدمية تربط الوحدة الترابية بالإصلاح الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، مع التركيز على أهمية الترافع العقلاني والدبلوماسية الموازية. لكن هذه الرؤية تواجه تحديات تنفيذية، لاسيما في ظل تعقيد النقاش الداخلي حول قضايا الحريات والتطبيع، والتوترات الإقليمية مع الجزائر. كما أن دعوة الحزب إلى انفراج سياسي قد تثير حساسيات لدى بعض الأطراف، مما يتطلب حوارًا وطنيًا حقيقيًا لتجاوز الاستقطاب.
تقدم فيدرالية اليسار الديمقراطي مقاربة طموحة تجمع بين الدفاع عن الوحدة الترابية وتعزيز الديمقراطية، لكن نجاحها يعتمد على مدى قدرتها على حشد توافق وطني ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية بفعالية