عمر قاريوح: تأسيس المحكمة الابتدائية بجرادة… رؤية لعدالة فعالة في خدمة المواطن

بمناسبة تنصيبه رئيسًا للمحكمة الابتدائية بجرادة يوم 14 أبريل 2025،ألقى السيد عمر قاريوح كلمة افتتاحية جاء فيها انه في سياق ترقية مركز القاضي المقيم إلى محكمة ابتدائية. اتسمت بطابع رسمي يعبر عن الامتنان للثقة الملكية، والتأكيد على أهمية الإصلاح القضائي، والالتزام بالتعاون مع مختلف الفاعلين لتأسيس محكمة فعالة.
نلخصها فيما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بوجدة، السيد الوكيل العام للملك، السيد عامل إقليم جرادة، السيد والي أمن وجدة، السيدات والسادة رؤساء المحاكم ووكلاء الملك، القضاة الأجلاء، المحامون، ممثلو السلطات المحلية والمجتمع المدني، وسائل الإعلام، والحضور الكريم، كل باسمه وصفته، أتقدم إليكم بتحية الإجلال والتقدير.
أتشرف اليوم بتولي مهام رئاسة المحكمة الابتدائية بجرادة، مستلهمًا عون الله ومستمدًا القوة من الثقة الملكية السامية التي حباني بها مولانا أمير المؤمنين، الملك محمد السادس، نصره الله، بناءً على اقتراح المجلس الأعلى للسلطة القضائية في دورته لعام 2024. إن هذا الشرف العظيم يحملني مسؤولية جسيمة لتأسيس صرح قضائي جديد في إقليم جرادة، بعد ترقية مركز القاضي المقيم إلى محكمة ابتدائية، وهي خطوة تعكس التزام الدولة بتعزيز الأمن القضائي في المناطق الاستراتيجية. ووفق إحصاءات رسمية، تم إنشاء أكثر من 15 محكمة ابتدائية جديدة بين 2015 و2023، مما يبرز التوسع المستمر في البنية القضائية الوطنية.
إن تأسيس هذه المحكمة يتطلب جهودًا استثنائية لبناء هياكل إدارية متينة، تنظيم الأقسام، وضمان سلاسة العمليات القضائية، بالتوازي مع تلبية احتياجات المواطنين. ألتزم بتحقيق شعار “القضاء في خدمة المواطن”، الذي أطلقه جلالة الملك في خطابه بتاريخ 9 أكتوبر 2014، من خلال تبسيط المساطر، تسريع البت في القضايا، وتعزيز الشفافية. تشير إحصاءات 2022 إلى أن متوسط عمر القضية بالمحاكم الابتدائية يتراوح بين 6 و12 شهرًا، وهو ما نسعى إلى تحسينه عبر اعتماد الرقمنة، مثل منصة “المحكمة الرقمية”، التي تسهل تقديم الشكاوى وتتبع القضايا.
يندرج هذا الحدث ضمن مسار إصلاح القضاء الذي أطلقه جلالته بخطاب 20 غشت 2009، وتكرس بدستور 2011 الذي منح القضاء استقلالية تامة، ثم تبعه ميثاق إصلاح العدالة عام 2013، وإصدار قانون المفتشية العامة للشؤون القضائية عام 2021. يقول جلالته في رسالته للمؤتمر الدولي للعدالة بمراكش عام 2018: “تمكنت بلادنا من قطع أشواط أساسية في استكمال الإطار المؤسساتي لحكامة العدالة”، وهو ما يحثنا على تنزيل أوراش التحديث والتخليق بإقليم جرادة.
أؤكد التزامي بالعمل بنزاهة وإخلاص، مستندًا إلى مبادئ الحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية. أتقدم بالتهنئة للأستاذة كريمة إدريسي، وكيلة الملك، على الثقة الملكية التي حظيت بها، متعهدًا بالتنسيق الوثيق معها، ومع القضاة الجدد، وموظفي الكتابة العدلية، لتأسيس محكمة تستجيب لتطلعات المواطنين. كما أدعو المحامين، المفوضين القضائيين، الموثقين، العدول، والسلطات المحلية، إلى تظافر الجهود لتسهيل ولوج المتقاضين إلى العدالة وحماية حقوقهم، خاصة الفئات الهشة، تماشيًا مع قوانين مثل 103-13 لمحاربة العنف ضد النساء.
جرادة، الأرض الطيبة ذات الإرث المنجمي، تستحق عدالة قريبة ومنصفة تليق بتاريخها وتطلعات سكانها. إن افتتاح هذه المحكمة ينسجم مع استراتيجية التنمية الجهوية للشرق (2016-2025)، التي تهدف إلى تعزيز الخدمات العمومية بالمنطقة. أتوجه بالشكر الجزيل لوزارة العدل على تأهيل مبنى المحكمة، وللسيد عامل إقليم جرادة على دعمه، وللسيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بوجدة والوكيل العام لديها على إشرافهما. كما أحيي القاضي الشاب حمزه مشماشه على جهوده في إدارة المركز القضائي سابقًا، والسيد علي قريشي على متابعته.
أختم كلمتي داعيًا الله أن يوفقني لأكون عند حسن ظن جلالة الملك، وأن يحفظ مولانا الإمام وولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن، وصنويه الرشيد مولاي رشيد، وسائر الأسرة العلوية. أشكر الحضور الكريم على تشريفهم هذا الحفل، وأدعوكم للبقاء لتنصيب القضاة الجدد والاستماع لكلمة وكيلة الملك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من جهتنا في الجريدة نرى أن كلمة السيد عمر قاريوح تُعد تعبيرًا عن التزام راسخ بتأسيس محكمة ابتدائية فعالة بجرادة، مستلهمة من التوجيهات الملكية ومبادئ إصلاح القضاء. مسجلين الملاحظات التالية:
1. السياق الاحتفالي والرمزية
تأتي كلمة السيد عمر قاريوح في إطار حفل تنصيب رسمي حضره مسؤولون قضائيون وإداريون، ممثلو السلطات المحلية، المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، مما يعكس الأهمية المؤسساتية للحدث. افتتاح المحكمة الابتدائية بجرادة يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن القضائي في إقليم يحمل إرثًا منجميًا واجتماعيًا معقدًا، حيث شهد احتجاجات عام 2017 بسبب البطالة وغياب البدائل الاقتصادية بعد إغلاق المناجم.
2. الثقة الملكية والمسؤولية
يبرز قاريوح الثقة الملكية التي منحها إياه الملك محمد السادس بناءً على اقتراح المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو ما يعكس الدور المركزي للملكية في تعزيز استقلالية القضاء. إشارته إلى “جسامة المسؤولية” تؤكد إدراكه للتحديات التأسيسية المرتبطة بإنشاء محكمة جديدة، مثل تنظيم الهياكل الإدارية وضمان كفاءة العمل القضائي.
3. تحديات المحكمة الناشئة
يؤكد النص على الطابع الاستثنائي للمسؤولية نظرًا لكون المحكمة مؤسسة حديثة تحتاج إلى جهود مكثفة لتأسيس أقسامها وتنظيم عملياتها. هذا التحدي يتطلب تعاونًا وثيقًا مع القضاة، الكتابة العدلية، المحامين، والسلطات المحلية، مع التركيز على تحقيق عدالة سريعة ومنصفة.
4. الإصلاح القضائي الوطني
يرتبط الحدث بمسار إصلاح القضاء المغربي، حيث يستحضر قاريوح شعار “القضاء في خدمة المواطن” الذي أطلقه الملك محمد السادس في خطاب 9 أكتوبر 2014. كما يشير إلى المخطط الاستراتيجي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي يهدف إلى تعزيز الشفافية، تبسيط المساطر، وتحسين النجاعة القضائية، وهو ما يتماشى مع دستور 2011 وميثاق إصلاح العدالة لعام 2013.
نشير انه وفق تقارير المجلس الأعلى للسلطة القضائية (2023)، بلغ عدد المحاكم الابتدائية بالمغرب أكثر من 80 محكمة، مع خطط لزيادة هذا العدد بحلول 2030 لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات القضائية. افتتاح محكمة جرادة يندرج ضمن هذا التوسع.
كما ان منصات مثل “المحكمة الرقمية” أسهمت في تقليص مدة البت في القضايا، حيث تشير بيانات 2022 إلى أن 30% من الشكاوى تُقدم إلكترونيًا في بعض المحاكم، مما يعزز الكفاءة
5. التعاون والحكامة
تشدد الكلمة على أهمية المقاربة التشاركية، حيث يدعو قاريوح إلى تظافر جهود جميع الفاعلين، بما في ذلك وكيلة الملك، السيدة كريمة إدريسي، والقضاة الجدد، لتأسيس محكمة تستجيب لتطلعات المواطنين. هذا النهج يعكس إدراكًا لتعقيدات العمل القضائي وضرورة التنسيق المؤسساتي.
إشارة السيد عمر قاريوح إلى خدمة المواطن تتماشى مع قوانين حديثة، مثل تعديلات مدونة الأسرة المرتقبة (2024-2025)، التي تهدف إلى تعزيز حقوق النساء والأطفال… الخ
6. أهمية جرادة
يُبرز النص مكانة جرادة كإقليم يستحق عدالة فعالة تليق بإرثه وتطلعات سكانه. هذا التركيز يتماشى مع استراتيجية التنمية الجهوية للشرق (2016-2025)، التي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية والخدمات العمومية في المنطقة.
نذكر ان الإقليم احتجاجات شهد عام 2017 بسبب إغلاق مناجم الفحم، مما يجعل افتتاح المحكمة استجابة لتطلعات السكان نحو عدالة تدعم التنمية المحلية، خاصة ضمن برنامج تنمية الشرق