عبد الحميد اجماهيري : هل بدأ مغرب الحكم الذاتي في الصحراء؟

أيام قليلة تفصل المغاربة عن نهاية مرحلة ونزاع وملفّ. ‬ولعلّ المناخ السائد طوال هاته السنة ‬كان ترقّب الطيّ‮ ‬النهائي‮ ‬للنزاع حول قضية الصحراء‮. ‬يتداول المغاربة مسوّدةً منسوبة إلى مجلس الأمن،‮ ‬الذي‮ ‬سيعقد جلسته السنوية لإصدار ‬قراره ‬حول الصحراء في‮ ‬نهاية أكتوبر/ تشرين الأول‮ ‬الجاري‮. ‬وتتضمّن المسوّدةُ ‬الحكم الدولي‮ ‬الذي ‬يتطلّع إليه المغرب‮ ‬منذ‮ ‬50‮ ‬سنة على اندلاع النزاع حول أقاليمه الجنوبية، وقرابة‮ ‬18‮ ‬سنة على تقديم مقترح الحكم الذاتي‮ ‬لحلّ النزاع وطيه‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‬صيغة القرار،‮ ‬كما راج بقوة في‮ ‬الأوساط الإعلامية والسياسية‮، ‬تعمل في ترصيد التطوّرات التي‮ ‬حدثت‮ ‬طوال هاته المدّة،‮ ‬لا سيّما منها المنعطفات الكبرى مثل الاعتراف الواسع بالمقترح المغربي،‮ ‬من قرابة‮ ‬120‮ ‬دولة عضو في‮ ‬الأمم المتحدة،‮ ‬منها‮ ثلاث ‬دول عظمى تحوز ‬عضوية دائمة في مجلس الأمن: ‬الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬والتطورات‮ ‬أوردها‮ ‬القرار في‮ ‬فقرة خاصة‮‬،‮ ‬يحيط‮ ‬خلالها علماً‮ “‬بالدعم الذي‮ ‬أعربت عنه الدول الأعضاء لمقترح الحكم الذاتي‮ ‬المغربي‮ ‬الجادّ والموثوق والواقعي،‮ ‬المقدّم في‮ ‬11‮ ‬إبريل/ نيسان‮ ‬2007 إلى الأمين العام،‮ ‬باعتباره الأساس الأكثر مصداقية لحلٍّ عادلٍ ودائمٍ للنزاع.

يُطرح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية اليوم الحلَّ الأكثر جدوى لإنهاء النزاع في الصحراء 

وإذ‮ ‬يؤكّد أن الحكم الذاتي‮ ‬الحقيقي‮ ‬تحت السيادة المغربية هو الحلّ الأكثر جدوى، وإذ‮ ‬يرحب بقيادة الرئيس ترامب لحلّ النزاع في‮ ‬الصحراء الغربية،‮ ‬وإذ‮ ‬يحيط علماً‮ ‬بدعوته الأطراف إلى الانخراط في‮ ‬مناقشات من دون تأخير باستخدام مقترح الحكم الذاتي‮ ‬المغربي‮ ‬كإطار وحيد للتفاوض على حلّ مقبول للطرفَين؛ وإذ‮ ‬يرحب كذلك بالتزام أعضاء المجلس بتسهيل التقدم‮…”.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬ويخلص إلى‮ ‬العنصر الأهم بالنسبة إلى المغاربة ومناصريهم دولياً، ‬بحيث‮ “‬يدعو الطرفين إلى المشاركة في‮ ‬هذه المناقشات من دون تأخير أو شروط مسبقة،‮ ‬على أساس مقترح الحكم الذاتي‮ ‬المغربي،‮ ‬بهدف التوصّل‮ – ‬قبل انتهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في‮ ‬الصحراء الغربية‮ – ‬إلى حلّ سياسي‮ ‬نهائي‮ ‬ومقبول من الطرفين،‮ ‬يضمن حكماً ذاتياً حقيقياً داخل الدولة المغربية،‮ ‬باعتباره الحلّ الأكثر جدوى،‮ ‬مع ضمان حقّ تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”.

‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬كان المطلب المغربي ‬دوماً أن‮ ‬يتم يعتمد الحكم الذاتي‮ شكلاً من تقرير المصير عوضاً ‬عن الاستفتاء ‬المفضي‮ ‬إلى الانفصال‮، ‬على قاعدة أنه‮ “‬الحلّ الوحيد‮”، ‬و‬يشكّل نقطة البداية والنهاية للعملية التفاوضية الجديدة،‮ ‬مع ما‮ ‬يستتبع ذلك من تغيير لمهمّة “مينورسو”،‮ ‬من بعثة أممية لوقف إطلاق النار وتنظيم الاستفتاء إلى‮ ‬بعثة أممية‮ ‬من أجل موافقة الحكم الذاتي‮ (مانساسو).‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ تغيير الوظيفة‮ ‬هو ‬الإعلان عن تدبير‮ ‬الملفّ من منطق الأزمة إلى‮ ‬المضي فيه بمنطق الحلّ النهائي‮.‬‬‬‬‬‬

‬سيجد مجلس الأمن،‮ ‬الذي‮ ‬سيستحضر المواقف المُعبَّر عنها رسمياً،‮ نفسه أمام تنسيق ‬قوي‮ ‬للثلاثي‮ ‬المساند للحقّ المغربي‮ (‬بريطانيا أميركا وفرنسا‮)‬،‮ الذي‮ ‬سيدفع باتجاه اعتماد الحكم الذاتي‮ ‬قاعدةً صلبةً للحلّ،‮ ‬كما سيكون مدعوماً بالموقف الصيني،‮ ‬الذي‮ ‬تطوّر بشكل كبير خلال العقد الماضي،‮ ‬وهي جزء ‬من الحاضنة الدولية لحلّ مبني‮ ‬على‮ ‬قرارات مجلس الأمن‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ولعلّ التطوّر اللافت هو الموقف الروسي ‬الذي‮ ‬أحدث رجّة ملحوظةً ‬خلال الأسبوع الذي‮ ‬ودعناه، ‬ويتضح أن موسكو ستصنع الفرق المطلوب ‬لاعتباراتٍ عديدةٍ، منها دورها في‮ ‬شمال أفريقيا‮ ‬ودول الساحل،‮ ‬ولعلاقتها التاريخية بأحد أطراف النزاع،‮ ‬وهي‮ ‬الجزائر التي‮ ‬تحتضن الجبهة الانفصالية (بوليساريو). ‬وفي‮ ‬هذا السياق، لا‮ يُغفل أن الدبلوماسيتين الروسية والمغربية تعملان من‮ ‬أجل انخراط فعلي لموسكو في‮ ‬التحوّل الجاري،‮ ولا ‬سيّما أنها ظلّت تعتبر أن موقف الامتناع أو الحياد داخل مجلس الأمن موجّه ضدّ واشنطن،‮ ‬حاملة القلم في‮ ‬الملفّ، ‬أكثر منه ضدّ صاحب الأرض‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

والحال أن اللقاء أخيراً بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي‮ ‬لافروف والمغربي ناصر بوريطة‮ ‬كشف‮ ‬أن ‬المواقف الروسية المُعبَّر‮ ‬عنها ‬بخصوص الوحدة الترابية للمغرب‬،‮ ‬سواء من الجانب الروسي‮ ‬وحده أو بعد زيارة بوريطة،‮ ‬والسياقات الدولية القارّية المرافقة لها، ‬لا‮ ‬يمكن أن تغفلها عين المتتبّع للملفّ وللرأي‮ ‬العام المغربي، إذ ‬كانت تصريحات لافروف، قبل وصول بوريطة، قد أثارت تعليقات عديدة، يقول فيها إن روسيا لن‮ “‬تعارض حلّاً متّفقاً عليه‬،‮ ‬تحت مظلّة الأمم المتحدة والقانون الدولي”. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬وفي‮ ‬هذا الباب قدّم المغرب في‮ ‬شخص وزيره في‮ ‬الخارجية‮ ‬تصويباً دقيقاً، ‬معناه: نعم‮ “‬لحلّ ‬يكون مطابقاً للقانون الدولي‮ ‬والمبادئ الدولية”، ‬لكن‮ “‬لا‮ ‬يجب استغلال هذه المبادئ الدولية بشكل‮ ‬يعرقل التقدم نحو الحلول”. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬وروسيا،‮ ‬التي‮ ‬تترأس مجلس الأمن حالياً، والعضو في‮ ‬مجموعة الأصدقاء‮، ‬لا‮ ‬ينتظر ‬منها المغرب أن توافق ‬على الحلّ المتّفق عليه فقط،‮ ‬بل أن تعمل من‮ ‬أجل الوصول إليه بما لها من علاقات مع الأطراف الأخرى أو بالانتصار إلى الحلّ المتطابق مع الاتجاه العام عالمياً.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‬وفي‮ ‬السياق نفسه، ‬يمكن أن نقرأ قراءةً إيجابيةً ‬بنود الاتفاق بين الطرفَين المغربي‮ ‬والروسي، ‬الموقّع ضمن‮ ‬الشراكة الاستراتيجية المعمقة‮، ‬والتوافق‮ ‬بينهما على الاحترام المتبادل لسيادة‮ البلدَين‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ … وبالنسبة إلى المغرب‮‬،‮ ‬هذا الزخم الدبلوماسي‮ ‬منعطف‮ ‬استراتيجي لتفعيل مقترح الحكم الذاتي‮ ‬للصحراء تحت السيادة المغربية‮.‬‬‬‬‬‬‬

يكرّس المقترح المغربي حقّ تقرير المصير ضمن استفتاء حرّ، ويضمن دسترة نظام الحكم الذاتي

ومع أن القرار ‬الوارد نصّه في‮ ‬المسودة ‬يعد انتصاراً تاريخياً، فإن بعض تفاصيله أثارت تعليقات‮‬،‮ ‬بل تخوّفات جزء من المحللين وصناع الرأي،‮ ولا ‬سيّما منها الحديث عن‮ “‬ضمان حكم ذاتي‮ ‬حقيقي‮ ‬داخل الدولة المغربية‮… ‬مع ضمان حقّ تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”.‬‬‬‬‬ ‬والحال أن مقترح الحكم الذاتي‮ ‬كما قدّم إلى مجلس الأمن‮ ‬يضمن هذا الأفق‮ ‬بشكل واضح ‬نصّاً وروحاً،‮ ‬لا سيّما‮ ‬ما‮ ‬ينصّ عليه (‬بالتوالي)‮ ‬البندان‮ ‬27‮ ‬و29: “‬يكـون نظـام الحكـم الـذاتي‮ ‬موضـوع تفـاوض،‮ ‬ويطـرح على الـسكّان المعنيين بموجب استفتاء حرّ،‮ ‬ضمن استشارة ديمقراطية‮. ‬ويعد هـذا الاستفتاء،‮ ‬طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقـرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن،‮ ‬بمثابة ممارسة حرة مـن لدن هؤلاء السكّان‮ ‬لحقّهم في‮ ‬تقرير المصير”. ‬كما‮ ‬ينص‮ ‬على‮ “‬مراجعـة الدسـتور المغـربي‮ ‬وإدراج نظـام الحكـم الـذاتي‮ ‬فيـه،‮ ‬ضـماناً لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة”.

والسؤال الذي‮ ‬يطرح ضمنياً يتعلق بما بعد ترسيخ الوحدة الترابية‬،‮ ‬ويتفرّع منه: كيف سيدبّر المجتمع الدولي‮ ‬التغير الحاصل‮ ‬في‮ ‬المنطقة؟ وما الذي‮ ‬سيتغيّر في‮ ‬المغرب نفسه؟‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬… ولعلّ المهمة الأولى‮ ‬ستكون ‬النظر في‮ ‬مصير الجبهة الانفصالية وأنصارها‮ “‬بعد موافقة الأطراف على مشروع نظام الحكم الذاتي”‬. ‬وفي‮ ‬هذا الباب،‮ ‬يقترح المشروع المغربي‮ ‬إنشاء ‮”‬مجلس انتقالي‮ ‬مكوّن من ممثلي‮ ‬الأطراف ‮(‬يساهم‮) ‬في‮ ‬تدبير عودة سكّان المخيمات إلى الوطن ونزع السلاح والتسريح وإعادة إدماج العناصر المسلحة…‮ ‬وكذا في‮ ‬أي‮ ‬مسعى‮ ‬يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك العمليات الانتخابية”. تليها التغيّرات التي‮ ‬ستحدث في‮ ‬مغرب‮ “‬الحكم الذاتي”، الذي‮ ‬سيعمل في‮ “‬تثوير” ‬الفهم العام للدولة، تراباً وشعباً وجهازاً،‮ ‬وفي بنية اتخاذ القرار والمضي في طموحات التراب‮ ‬الوطني‮ ‬برمّته‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ … وهو موضوع للمستقبل‮.

المصدر : https://www.alaraby.co.uk/opinion/%D9%87%D9%84-%D8%A8%D8%AF%D8%A3-%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A1

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!