طلحة جبريل: صحافيون شفويون

خلال الأحداث الساخنة، خاصة في مناطق الحروب والنزاعات، يلجأ المراسلون عادة الى “مخبرين شفويين” يطلق عليهم وصف “شهود عيان”. يقدم هؤلاء روايات عن الأحداث لا يمكن الجزم بدقتها، ولكن على المراسل توظيف خبرته ومعرفته بالمنطقة لتمحيص هذه الروايات و غربلتها تفاديا لكتابة معلومات خاطئة. في الحالات العادية تلجأ بعض الصحف الى مخبرين محترفين. وأحيانا لا يعرفون حتى طريقة صياغة خبر موجز، وهي المهمة التي تتولاها “خلية المطبخ” (الديسك) الجهاز الحيوي داخل أي صحيفة.
عرفت عن كثب أحد هؤلاء المخبرين، شخصية لطيفة دمثة تتقد ذكاء، لكن مشكلته انه يجد صعوبة في كتابة جملة واحدة بلغة سليمة، ويعتقد صديقنا جازماً ان الصحافي الناجح هو الذي يزود صحيفته بالأخبار،أما كتابة هذه الأخبار وصياغتها فهي مهمة الآخرين، أي ” المطبخ”.
أنتقل إلى موضوع لصيق .
على الرغم من مشاعر الإحباط التي تعتري كثيرين حول مستقبل الصحافة الورقية ثمة أخبار مفرحة.
منذ فترة تنظم وزارة الخارجية الأميركية دورات تدريبية لصحافيين من أفريقيا في صحف أميركية لا أعرف إذا كان قد استفاد منها صحافيون مغاربة ، وهو برنامج لا علاقة له بالزيارات التي نظمتها أو تنظمها الخارجية الأميركية لوفود صحافية من بينهم مغاربة التقيت بعضهم عندما كنت في واشنطن.
تهدف الدورات التدريبية تطوير وترقية المهنة حتى يستمر إقبال القراء على الصحافة الورقية. في هذا السياق كنت قرأت تقريراً حول تجربة صحافي كيني يدعى “ألفونس شيوندو” يعمل مع صحيفة “ديلي نيشن” في العاصمة “نيروبي”.
عمل شيوندو خلال الفترة التدريبية مع صحيفة “ميامي هيرالد” وهي أكبر صحيفة في جنوب ولاية فلوريدا. غطى شيوندو قضايا الهجرة والسياسة المحلية في ميامي، ودهش عندما عرف أنه على الرغم من التقارير التي تقول إن صناعة الصحف الورقية تواجه صعوبات ، لا تزال نسبة تبلغ 75 بالمئة من قراء صحيفة “ميامي هيرالد” يعتمدون على الصحف الورقية. يأمل شيوندو إن ينقل هذه التجربة الى نيروبي، وهو يرى أن “الصحافة هي الصحافة” بغض النظر عن المكان الذي تمارسها فيه. تعلم شيوندو أن الإقبال على الصحافة الورقية سببه أن معايير كتابة الأخبار والتقارير أكثر صرامة، إذ كان يعمل مع زملائه في سبيل التأكد التام من صحة جميع التفاصيل، بما في ذلك مراجعة الاقتباسات وسياق التقارير الإخبارية. ويعتقد شيوندو إنه عندما سيعود إلى صحيفته في وطنه حاملا معه أفكارًا خلاقّة حول ابقاء القراء مخلصين للصحافة الورقية، بل استقطاب قراء جدد.
لا أعرف ما إذا كان “ألفونس شيوندو” نجح في رهانه ، لكن المؤكد أن الصحافة الورقية في أميركا زادت مبيعاتها بعد أن اتجهت نحو “الصحافة الاستقصائية”.