صراع الفلسطيني الاسرائيلي… وديموقراطية البندقية

لاول مرة أستعمل هذا النوع التركيبي لإشكالية الصراع مع الكيان الصهيونى ، وكنت أعتقد داءما اننا نعيش حتمية تاريخية في منطقة المشرق العربي ، الكل مرتبط بصيرورة صراع حتمي بين محور الدول الاسلامية والغرب ومعه الكيان الصهيونى.
لاباس ان خرجت في مقالتي عن المألوف ، لأكد لكم أننا محتاجون الى مراجعة نقذية لمفهوم الصراع العربي الاسرائيلي ، وبالتالي تقييم مدخلاته ومخرجاته السياسية.
ان المواجهة العسكرية بين حركة المقاومة الاسلامية والحركة الصهيونبة بفلسطين رجعت بنا الى مربع الصراع العربي الانجليزي الصهيونى ابان الأربعينات ، فمشروع الحركة الصهيونبة كان يتقاطع موضوعيًا مع مطالب المقاومة العربية الإسلامية ( القسام والحسيني…) وكانت الفكرة التي روجتها الحركة الصهيونية (بعد تهريب وترحيل اليهود قسرا لضمان التفوق الديموغرافي بفلسطين) ان على الفلسطينيين واليهود المقاومة معًا لاخراج الإنكليز ، وبناء دولة موحدة بينهم ، المبادرة التي رفضها العرب ، ودخلوا في حرب تحرير ضد الاحتلال الانجليزي ومقاومة الوجود اليهودي المتزايد (دور الوكالات اليهودية في تهجير اليهود الى فلسطين ) .
فبعد انهزام دول المحور في الحرب العالمية الثانية ، صدر الإنكليز الكتاب الابيض حول مشروع دولة واحدة تجمع الاديان السماوية الثلاثة ، الا ان انهزام العرب فرب 1948 أمام التحالف الصهيوني الانكلوساكسوني ، وخسارة المزيد من الأراضي ، تبنى العرب مجددا مشروع الدولة الواحدة , الا ان اليهود المنتصرين رفضوا المقترح .
في بداية الستينات بدأت تتشكل حركة المقاومة الجديدة بدولة الكويت ، وتمخضت عنها حركة فتح ( روادها الاوائل ، أبو عمار وأبو أياد وعلي الحسن…) وشكلوا في سنة 1965 دولة عموم فلسطين ( وقد نعتت بحكومة السطوح ) وكانت دولة مصر بقيادة جمال عبد الناصر ترى انها حركة عميلة وتشك في نواياها السياسية ، وصارت محل شك و ريبة و
مع توالي الاحداث ودخلوا العرب في حرب ثانية سنة 1967 ، وكانت النكبة الكبري والتي فقد فيها العرب ما تبقى من فلسطين والقدس الشريف .
اما في 6 اكتوبر 1973 فدخلوا محددًا في مواجهة عسكرية كانت نتائجها مرضية للطرف المصري ( استرجاع سيناء ، زيارة السادات لاسرائيل ، وعقد إتفاقية كامب ديفد…) وخروجها من الاجماع العربي ، وبالتالي تفككك مشروع المقاومة العربية للكيان الصهيونى.
ربحت اسراءيل الحرب ، وقتل مهندس السلام العربي الاسرائيلي أنور السادات ببنادق جنده ، ودخلت منطقة المشرق العربي في متاهات الصراع ، والخلافات السياسية ، والتطاحن الايديولوجي ، وغيب كل شيء ، فلم نبني دولا ديموقراطية ، ولم نؤسس لحوار داخلي لبناء مشروع الحرية والامن والعدل ، وكل شيء تجمد آو تقهقر والصقوه على شماعة وجود العدو الاسرائيلي داخل المنطقة وتهديده للوجود العربي ، انقلابات عسكرية في العراق وليبيا والجزائر واليمن ، حروب اهلية في لبنان وسوريا ، قمع سياسي وهضم للحريات والقانون ، فالدولة بنيت ، ولا أمن استتب ، ولا تنمية اقتصادية بدعوى الاعداد للحرب مع العدو ، وصرنا نسترق المواقف من الشرق والغرب وعدم الانحياز ، والشعوب العربية انهزمت شعوريا وسياسيا واقتصاديا ، وحوصرت بين ديكتاتوريات عربية وعدو صهيوني .
فهم الكيان الاسراءيلي التحدي ،واحتكم الى مشروع سياسي ديموقراطي داخلي ، واهتم بالتنمية ، وبناء الشعب ، كتوجه جيوسياسي للتحالف مع الغزب المنتصر ، ومواجهة الاعداء العرب . ( الهشاشة الديموغرافية اليهودية ، معدل الخصوبة المرتفع عند الفلسطينيين ، خطورة المنطقة على دولة اسراءيل)
من الاستنتاجات السياسية لهذه المرحلة الكلاسيكية للصراع ، ان الكيان الاسرائيلي راهن على هزيمة العرب ، ببناء المشروع السياسي الداخلي ، التحالف الكبير بعد الحرب العالمية الثالثة مع الغرب الانكلوساكسوني المنتصر( الغرب المسيحي تخلص من المسالة اليهودية في اوروبا ) ، الهزيمة النفسية والاهانة للعدو.
والاستنتاج الثاني ان المصريين ارادوا الاستاتار بمخارج الحرب لوحدهم ،نضرًا لخطوط التماس الجغرافي مع اسراءيل ، وعدم اقتناعهم بالمشاركة العربية في الحرب ، وعدم جدواها.
بعد حرب لبنان سنة 1981 أخذ الصراع العربي الاسرائيلي منحًا اخر ، اذ خرجت المقاومة الفلسطينة من لبنان والاردن ، ورغم اختلافاتها السياسية والايديولوجية ،فانها احتكمت الى ديموقراطية البنادق ، ولم تقتل داخليا ، وكان ابو عمار رحمه الله مهندس هذه المرحلة ، فدخل العدو الاسراءيلي في سياسة التصفية الجسدية للقيادات الفلسطينة ، وفي نفس الوقت الدخول في مرحلة بناء مشروع إجراءات مفاوضات السلام بأوسلو والتي اسفرت عن عقد اتفاقية مدريد ، ومشروع بناء الدولتين ، وتكرر السيناريو بمقتل مهندس السلام إسحاق رابين على يدي بني جلدته ، ومن بعده ياسر عرفات بعدما انتبه الصهاينه الى تكتيكه المرحلي ، وتربصه بدولة اسراءيل ، والتحضير لما هو اكبر ، وبناء مشروع بناءً دولة فلسطين من الداخل.
استنتجت منظمة التحرير الفلسطينية ان الرهان على الدول العربية في تحرير فلسطين سراب واه ، ومضيعة للوقت ، وضياع لحقوق الفلسطينيين. ولا باس ان كان البديل السياسي المطروح قي مدريد وأوسلو فرصة سياسية لاتتكرر لاعادة بناء المقاومة من الداخل الفلسطيني ، وتفعيل العودة ..
بعد سنة 2007 دخلت حركة حماس في صراع داخلي مع منظمة التحرير الفلسطينية ، ونعتت بالعمالة لاسرائيل ، واستقلت بعدها بقاع غزة ، والمت العدو الصهيونى في جحره ، وكبدته خسائر فادحة ، وانتكاسات مدوية.
ان المسالة تطورت في اتجاه من يقود المقاومة والدولة من الداخل ، وكان الكيان الاسرائيلي غير منتبه وابه لهذا المارد المنبعث من الداخل ، وهي من الاخطاء الاستراتيجية الكبرى لدولة اسرائيل.
في7 اكتوبر2023 استفاق الكيان الصهيوني والحرب تدور داخل اراضيه ، بدل خارجها كما اعتادت في الحروب السابقة ، و ان جيشه تحول الى الدفاع والتراجع إلى عمق اراضيه ، وان المقاومة الفلسطينة تهاجم ، وتكبد العدو الخسائر وتأسر جنوده ، وتخترق ثكناته ، وتمرغ بسمعة جيشه ودولته التراب .
لاول مرة في تاريخ اسراءيل المعاصر تستنجد بحلفائها( تعرض اليهود للتهجير والابادة في الغرب المسيحي ابان ماسمي بحرب الاسترداد في شبه الجزيرة الايبيرية ، في المانيا النازية وبلدان اخرى )، وتستجدي المساعدات وكانها تلوح بمنديل ابيض استسلامها الاخير .
لقد تغير كل شىء ، مفهوم الحرب ، مفهوم المقاومة ، مفهوم الكيان العربي ، مفهوم الدولة القطرية ، مفهوم التضامن العربي والإسلامي ، مفهوم القوة ، مفهوم الحرب والسلام .
من الاستنتاجات المهمة ، ان مفهوم الصراع العربي الاسرائيلي اصبح من مواضيع العلاقات الدولية ، بما له وما عليه ، فكل الدول العربية لم تدخل حربا ضد اسراءيل وإلا خسرتها ، وخسر معها الفلسطينيون المزيد من الاراضي .
كما انه نؤكد ان مشروع الدولتين شيء فاقد لفعاليته وغير جدي وغير عقلاني ، وان الرجوع الى مفهوم الدولة الواحدة مهم للمنطقة ، ومهم لمستقبل الإنسان ، وضمان للامن والسلام العالميين .
اما الاستنتاج الاهم والاخير ان الروية الجيوبوليتيكية للكيان الصهيوني سقطت في الماء ، وعليها ان تراجع مفهومها للصراع الفلسطيني الاسرائيلي على ضوء الرزية الكبيرة التي منيت بها يوم 7اكتوبر 2023.
كاسة البشير مونبليي 20/10/2023

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى