صحافة … خذ نصيبك من الضجيج
أحمد الدافري

قبل ما يسمى “حكومة التناوب التوافقي” التي قادها الراحل عبد الرحمان اليوسفي، والتي تم الإعلان عن تشكيلها يوم 14 مارس 1998، ظهر قصور جلي لدى أحزاب المعارضة التي تكونت من أحزاب كانت في السلطة ومارست الحكم عقودا، ولم تستطع صحافة تلك الأحزاب التي فُرضت عليها المعارضة أن تقنع المغاربة بأنها تحسن الدفاع عنهم.
حينها ظهرت لأول مرة في تاريخ المغرب ما سميت : الصحافة المستقلة، التي انخرط مؤسسوها في مشاريع صحفية ضمن مقاولات خاصة..
استطاعت تلك المقاولات الصحافية الخاصة أن تملأ الفراغ الذي تركته صحافة الأحزاب التي كانت في المعارضة قبل 1998، وبدأت تمارس ضغطا قويا على النخبة السياسية، وتحاصر المسؤولين في مؤسسات الدولة من خلال مواد إعلامية تقوم على الدقة في المعطيات وعل ى الأخبار الموثوقة والتحقيقات الكاشفة والاستطلاعات المهنية.
حين برزت تلك الصحافة وتحولت إلى قوة تنوب عن المواطنين في التعبير عن تطلعاتهم، كانت بالطبع من بينها فئة من المنابر الإعلامية الموالية لجهات حاولت أن تستفيد من المرحلة أو أن تحقق مصالح ما، بناء على أجندة معينة.
لكن الأساس في تلك الصحافة التي نشأت وبرزت، أنها كانت تتكون من صحافيين مهنيين متكونين في المهنة.
أسلوب المواجهة الذي حوربت به تلك الصحافة الناشئة كان بسيطا وتمثل في تفريخ ما سمي حينها بالصحافة الصفراء.. والصحافة الصفراء كانت مرادفة لصحافة التفاهة التي تعتمد على النبش في الأعراض، وعلى ممارسة الكذب، وعلى نشر الإشاعة، وعلى البحث عن أخبار لا قيمة لها وتحويلها إلى مواضيع هامة..
الذين قتلوا الصحافة المهنية، وجعلوا من مهنة الصحافة مجالا للاسترزاق وملأ البطون ونشر التفاهة والتسابق على إجراء حوارات مع تافهين على أساس أنهم أشخاص مؤثرون في المجتمع، يعرفون جيدا ما يفعلون، ويدركون أن الناس حين ينشغلون بالأصوات المائجة داخل الأسواق الهائجة، فإن آذانهم تصبح صماء، وتتعود على الضجيج، وتغدو غير قادرة على سماع الأنين الخافت الناتج عن آلام الأجساد وهي تتعرض في خفاء لضرب السكاكين.. وهذا ما كان..