شروط المغرب الثمانية عشر للصلح ورهانات الوساطة الأمريكية: تحول دبلوماسي في ملف الصحراء

يشهد ملف النزاع بين المغرب والجزائر، الممتد لخمسة عقود (50 عاماً)، تحركات دبلوماسية مكثفة تستهدف تحقيق اختراق تاريخي، لاسيما في ظل القطيعة الدبلوماسية المستمرة بين البلدين منذ عام 2021. وفي هذا السياق، تبرز رؤية واضحة للطرف المغربي عبر مجموعة من الشروط “غير الحصرية” للصلح، إلى جانب مبادرة أمريكية طموحة تسعى لإبرام اتفاق سلام خلال 60 يوماً.

الشروط المغربية للصلح: رؤية تاريخية ومطالب تعويضية

قدم الخبير في العلاقات الدولية وشؤون الصحراء، أحمد نور الدين، رؤية مفصلة (وإن كانت غير رسمية لكنها تتسم بالوجاهة) تشمل 18 شرطاً لتحقيق مصالحة حقيقية قائمة على التراكمات التاريخية. هذه الشروط تمثل سقفاً عالياً للمطالب المغربية وتعكس حجم الخسائر التي تكبدها المغرب جراء الصراع.

وتتمحور أبرز هذه الشروط الثمانية عشر حول محاور رئيسية :

1. الاعتراف والإنهاء: يجب على الجزائر الاعتراف بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء الغربية المغربية دون أي تحفظ وفوراً. ويلي ذلك تفكيك مخيمات تندوف دون قيد أو شرط، وتسليم سلاح ميليشيات البوليساريو للمغرب، وتسليم مجرمي الحرب للمحاكمة في المغرب.

2. الاعتذار والتعويض المعنوي والتاريخي: على الجزائر أن تعتذر عن “عدوانها” ضد المغرب طيلة نصف قرن. كما يجب عليها تعويض المغرب عن جميع الخسائر المباشرة وغير المباشرة، وإعادة ممتلكات المغاربة المطرودين قسرياً سنة 1975 (المسيرة الكحلة). ويشمل التعويض كذلك الأراضي المقتطعة من المغرب، وآخرها منطقة العرج بفكيك.

3. التعويض الاقتصادي والتنموي: تطالب الشروط بتعويض المغرب عن ضحايا الاغتيالات برصاص الجيش الجزائري على الحدود (الذين يعدون بالمئات)، وعن 53 سنة من عرقله استغلال منجم غار جبيلات. كما تشمل تعويضات للمستثمرين والشركات المغربية المتضررة من قرارات قطع العلاقات الأحادية وغلق الحدود. وتطالب أيضاً بتعويض المغرب عن الخسائر المترتبة على قطع أنبوب الغاز نحو أوروبا، والخسائر الناتجة عن تجميد اتفاقية اتحاد المغرب العربي.

4. الضمانات: يجب على الجزائر أن تقدم ضمانات دولية ملموسة وموثوقة وموثقة بعدم تكرار جرائمها في حق المغرب والمغاربة.

الوساطة الأمريكية وسقف الستين يوماً

يأتي الإعلان عن هذه الشروط على وقع تحرك دبلوماسي أمريكي لافت، بقيادة المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ومستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر. فجر ويتكوف مفاجأة باتفاق سلام محتمل بين البلدين خلال 60 يوماً.

هذه المبادرة تكتسب زخماً سياسياً رفيع المستوى نتيجة مشاركة كوشنر، وتأتي في توقيت حرج، قبل أيام من مداولات اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة بشأن ملف المينورسو وتجديد ولايتها.

يُشار إلى أن هذا التحرك يأتي في وقت قطعت فيه الجزائر العلاقات الدبلوماسية بشكل أحادي في عام 2021 متهمة الرباط بـ”أعمال عدائية”. وقد أكد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والأفريقية، أن الجزائر “تريد حلاً جذرياً لقضية الصحراء وترحب بإمكانية تجديد العلاقات مع الجيران المغاربة”.

تحليل الواقعية وحدود النجاح

يثير السقف الزمني الذي حدده ويتكوف (60 يوماً) تساؤلات جدية حول مدى واقعية الحديث عن اتفاق سلام في ملف استعصى على جهود دولية معقدة لعقود.

الموقف المغربي الثابت: سقف الرباط يبدو مغلقاً تماماً ولا يقبل المراجعة. يتمسك المغرب بأن الحل الوحيد هو الحكم الذاتي، وهي المبادرة التي اعتمدتها اللجنة الرابعة في مجلس الأمن. ويستمر المغرب في حشد المزيد من الدعم الدولي، بما في ذلك اعترافات ضمنية أو صريحة من قوى كبرى.

الدعم الدولي المتزايد للمغرب: يشهد الملف المغربي زخماً دبلوماسياً متزايداً. فقد أعلنت ثلاث من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، دعمها للموقف المغربي بشكل مباشر، بالإضافة إلى إعلان “شبه رسمي” من روسيا بالاعتراف بالوحدة الترابية للمغرب. وهذا الدعم يضمن للمغرب الأغلبية اللازمة (تسع دول) لتبني القرارات في مجلس الأمن، ويجعل احتمالية استخدام الفيتو “شبه منعدمة”.

الموقف الجزائري ومأزق البوليساريو: في المقابل، تتمسك الجزائر بدعم جبهة البوليساريو “الإرهابية“، وتنظر إلى القضية كملف استقلال وإنهاء استعمار. غير أن التحليل يوضح التناقض في الموقف الجزائري، مشيراً إلى أن البوليساريو تتمركز في تندوف، خارج الإقليم المتنازع عليه.

إن نجاح المبادرة الأمريكية قد يتوقف على قدرة ويتكوف على صناعة “الخيار الثالث” الذي يتجاوز المواقف المتصلبة للطرفين. ومع ذلك، فإن بناء الثقة يبدو أمراً صعباً جداً في ظل إغلاق الحدود منذ عام 1994 والقطيعة الكاملة عام 2021. تبقى الأوضاع غير واضحة حول طبيعة الحوافز التي يمكن تقديمها للرباط والجزائر.

وفي الختام، يظل الموقف المغربي راسخاً: المغرب في صحرائه والصحراء في مغاربها، متشبثاً بمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لإنهاء ملف الصحراء تماماً لصالح المغرب وتفكيك البوليساريو.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!