شرطة مراقبة التعمير بوجدة: إعادة هيكلة وطموحات لتنظيم المجال الحضري

وجدة – 24 أبريل 2025

في خطوة تهدف إلى مكافحة البناء العشوائي وتنظيم المجال العمراني، انعقد يوم الأربعاء 23 أبريل 2025، أول اجتماع لشرطة مراقبة التعمير بوجدة بعد إعادة هيكلتها بقرار من والي جهة الشرق، عامل عمالة وجدة-أنجاد، بتاريخ 12 فبراير 2025.

هذه المبادرة، التي تندرج ضمن اتفاقية الشراكة المبرمة عام 2007 بين ولاية جهة الشرق، جماعة وجدة، مجلس العمالة، الوكالة الحضرية، والمديرية الجهوية للإسكان والتعمير، تسعى إلى إعطاء دفعة جديدة لهذه الهيئة، وتعزيز فعاليتها في ضبط الأوراش العمرانية، وحماية جمالية المدينة، وضمان نموها المنظم.

ورغم الطموحات الكبيرة، تظل التحديات اللوجستيكية والاجتماعية عقبة أمام تحقيق هذه الأهداف.

تجديد الهيكلة وتأكيد على الصرامة

خلال الاجتماع، أكد والي جهة الشرق على ضرورة التصدي الحازم لمخالفات قوانين التعمير، مشدداً على الهدف الاستراتيجي المتمثل في القضاء النهائي على البناء العشوائي بمدينة وجدة.

وأشار إلى أن المدينة، التي تتمتع بمكانة تاريخية وثقافية مرموقة، تستحق أن تكون نموذجاً للتنظيم الحضري الحديث.

كما أشاد بالجهود المستمرة لرجال السلطة والأمن في مراقبة الأوراش، والحد من الفوضى العمرانية، معتبراً أن هذه الجهود تعزز تنظيم القطاع الحيوي وتضمن احترام القانون في خدمة الصالح العام.

تأتي إعادة الهيكلة في سياق اتفاقية الشراكة لعام 2007، التي أسست شرطة التعمير كآلية لضبط الأوراش وضمان الامتثال للقوانين العمرانية. ومع ذلك، فإن السنوات الماضية شهدت تراجعاً في فعالية هذه الهيئة بسبب نقص الموارد، ضعف التنسيق بين الشركاء، ومحدودية التدخلات في بعض المناطق الحساسة.

إعادة الهيكلة، التي تضمنت تعيين أطر جديدة وتوسيع صلاحيات الشرطة، تهدف إلى تجاوز هذه العقبات، واستعادة الدور الريادي لهذه الهيئة في تنظيم المجال الحضري.

آليات عمل شرطة التعمير: ميدانية وإدارية

تتوزع مهام شرطة التعمير على مستويين متكاملين: ميداني وإداري.

على المستوى الميداني، تنظم الشرطة دوريات يومية لرصد المخالفات، سواء قبل بدء الأشغال (مراقبة قبلية) أو أثناء التنفيذ وبعده (مراقبة بعدية). عند رصد مخالفة، يتم إبلاغ السلطات المحلية التي تتدخل فوراً لإيقاف الأشغال واتخاذ الإجراءات القانونية، مثل إصدار أوامر الهدم أو فرض الغرامات. كما تتابع الشرطة نهاية الأسبوع التزام المخالفين بالإجراءات، وتتصدى لأي محاولات لاستئناف الأشغال غير القانونية.

على المستوى الإداري، تعمل خلية التعمير على إعداد جداول يومية وأسبوعية توثق المخالفات والإجراءات المتخذة. تشمل هذه الإجراءات مراسلة مكاتب المهندسين المعماريين للإبلاغ عن عدم احترام التصاميم المصادق عليها، مع مطالبتهم بمراقبة دقيقة للأوراش، ومنع إصدار شهادات المطابقة للمخالفين حتى تسوية أوضاعهم. كما يتم إرسال لوائح إلى رئيس جماعة وجدة ورؤساء الجماعات القروية، تحثهم على عدم منح رخص السكن للمخالفين قبل تصحيح وضعيتهم القانونية. وتدعم هذه التدابير تقارير شهرية تعكس حصيلة العمل، مع تنسيق مستمر مع السلطات المحلية لمتابعة المساطر القانونية.

شرطة مراقبة التعمير بوجدة: إعادة هيكلة وطموحات لتنظيم المجال الحضري插图

إنجازات واعدة.. لكن بتحديات كبيرة

تعد إعادة هيكلة شرطة التعمير خطوة إيجابية تهدف إلى استعادة النظام الحضري في وجدة، التي عانت لسنوات من انتشار البناء العشوائي، خاصة في الأحياء الهامشية والمناطق المحيطة. وتشير التقارير الأولية إلى أن الدوريات الميدانية بدأت تحد من المخالفات، مع تسجيل زيادة في عدد الأوراش التي تم إيقافها خلال الشهرين الماضيين. كما أن التنسيق مع المهندسين المعماريين ساعد في تحسين جودة الإشراف على الأوراش، مما يعزز الامتثال للتصاميم المعتمدة.

ومع ذلك، تواجه شرطة التعمير تحديات كبيرة قد تعيق تحقيق أهدافها. أبرز هذه التحديات تشمل:

  1. نقص الموارد البشرية واللوجستيكية: تعاني الشرطة من محدودية الأطر المؤهلة والوسائل التقنية، مثل المركبات أو أنظمة المراقبة الإلكترونية، مما يقلل من قدرتها على تغطية جميع مناطق المدينة، خاصة المناطق النائية.
  2. الضغوط الاجتماعية: يواجه رجال السلطة مقاومة من بعض السكان، خاصة في الأحياء الشعبية، حيث يُنظر إلى التدخلات كتهديد لمصالحهم. هذا يتطلب مقاربة تواصلية لتحسيس الساكنة بأهمية احترام القوانين.
  3. ضعف التنسيق بين الشركاء: رغم وجود اتفاقية الشراكة، فإن هناك فجوات في التنسيق بين الوكالة الحضرية، الجماعات المحلية، والسلطات الأمنية، مما قد يؤدي إلى تأخير اتخاذ القرارات.
  4. محدودية التدابير الوقائية: تركز الشرطة حالياً على المراقبة والعقاب، لكن هناك حاجة إلى برامج توعية وتخطيط عمراني استباقي للحد من البناء العشوائي قبل وقوعه.

على الرغم من الإشادة بالمبادرة، فإن الاجتماع لم يتناول بعض القضايا الحاسمة التي تؤثر على نجاح شرطة التعمير. من بين الانتقادات:

  1. غياب تقييم شامل: لم يقدم الاجتماع حصيلة دقيقة عن أداء شرطة التعمير منذ إنشائها عام 2007، مما يصعب تقييم الإخفاقات السابقة وتحديد الأسباب الحقيقية وراء استمرار البناء العشوائي.
  2. تهميش البعد الاجتماعي: لم يُشر الاجتماع إلى خطط لدعم السكان ذوي الدخل المحدود، الذين غالباً ما يلجؤون إلى البناء العشوائي بسبب ارتفاع تكاليف السكن المنظم.
  3. ضعف التواصل مع الساكنة: غياب حملات تحسيسية موجهة للأحياء الشعبية قد يزيد من التوترات بين السلطات والمواطنين.
  4. عدم الإشارة إلى التكنولوجيا: لم يتم التطرق إلى استخدام تقنيات حديثة، مثل الطائرات المسيرة أو أنظمة الرصد الجغرافي، التي أثبتت فعاليتها في مدن أخرى لمراقبة الأوراش.

توصيات:

  • تعزيز الموارد: زيادة عدد الأطر العاملة وتجهيز الشرطة بوسائل لوجستيكية حديثة لتغطية جميع مناطق المدينة.
  • إطلاق حملات توعية: تنظيم حملات تحسيسية بالتعاون مع الجمعيات المحلية لشرح أهمية التعمير المنظم وتجنب المخالفات.
  • دعم السكن الاجتماعي: تسريع مشاريع السكن الاقتصادي لتوفير بدائل للسكان ذوي الدخل المحدود، مما يقلل من اللجوء إلى البناء العشوائي.
  • استخدام التكنولوجيا: اعتماد أنظمة مراقبة متقدمة، مثل الطائرات المسيرة والخرائط الرقمية، لتحسين كفاءة الرصد.
  • تعزيز التنسيق: إنشاء خلية مشتركة دائمة تضم ممثلي الوكالة الحضرية، الجماعات، والسلطات لضمان اتخاذ قرارات سريعة ومنسقة.

مستقبل وجدة: مدينة منظمة أم طموح مؤجل؟

يمثل هذا الاجتماع نقطة انطلاق جديدة لشرطة التعمير في وجدة، التي تسعى لاستعادة النظام الحضري في مدينة طالما عانت من الفوضى العمرانية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة يتطلب تجاوز التحديات اللوجستيكية والاجتماعية، واعتماد مقاربة شاملة تجمع بين المراقبة الصارمة، التدابير الوقائية، ودعم الساكنة.

وجدة، بتاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي، تستحق أن تكون نموذجاً للتنمية الحضرية المستدامة، لكن ذلك يعتمد على الإرادة السياسية والتخطيط الفعال.

في الختام، تظل إعادة هيكلة شرطة التعمير خطوة واعدة، لكنها تحتاج إلى دعم مستمر وتقييم دوري لضمان تحقيق أهدافها.

إن تحويل وجدة إلى مدينة منظمة وحديثة ليس مجرد طموح إداري، بل ضرورة لتعزيز جودة الحياة لساكنتها واستعادة مكانتها كوجهة حضرية متميزة.

مصادر إضافية:

  • بيانات رسمية من ولاية جهة الشرق.
  • تقارير إعلامية من مواقع مثل hespress.com وle360.ma.
  • دراسات حول التعمير والبناء العشوائي بالمغرب (الوكالة الحضرية لوجدة).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى