رقمنة الخدمات: جسر رقمي لتعزيز روابط المغاربة المقيمين بالخارج بوطنهم الأم

في العاشر من غشت 2025، تحتفي المملكة المغربية باليوم الوطني للمهاجر، مناسبة وطنية تجسد الاعتزاز بدور الجالية المغربية المقيمة بالخارج كركيزة أساسية للتنمية الوطنية وجسر حضاري يربط المغرب بمحيطه العالمي. في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، تبرز الرقمنة كأداة استراتيجية لتعزيز خدمات القرب المقدمة لهذه الجالية، التي تضخ سنوياً أكثر من 100 مليار درهم من تحويلات العملات، وتساهم في تنشيط الأسواق الداخلية وتعزيز الهوية الوطنية.
إن استراتيجية “المغرب الرقمي 2030″، المدعومة بالتوجيهات الملكية السامية، تمثل خارطة طريق طموحة لتحقيق هذا الهدف، من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وتعزيز الشفافية، وتقليص التكاليف، مع تمكين المغاربة حول العالم من الحفاظ على صلتهم بوطنهم الأم بسهولة وكفاءة.
تتجاوز الرقمنة مجرد تحويل الوثائق الورقية إلى صيغة رقمية، فهي إعادة هندسة شاملة للعمليات الإدارية لتصبح أكثر سلاسة وشفافية. من خلال منصات مثل “econsulat”، “شكاية”، “وثيقة”، و”ازدياد”، أصبح بإمكان المغاربة المقيمين بالخارج إنجاز معاملاتهم القنصلية والإدارية عن بعد، دون الحاجة إلى التنقل أو الانتظار. كما أن مركز الاتصال متعدد اللغات، الذي يعمل على مدار الساعة، يعزز التواصل المباشر مع الجالية، بينما تسهم خدمات مثل “e-timbre” والإجراءات القضائية الرقمية في تسريع المعاملات المالية والقانونية.
هذه المبادرات لا توفر الوقت والجهد فحسب، بل تعزز الثقة بين الجالية والإدارة المغربية، وتدعم استثماراتهم في المغرب، سواء في العقارات أو المشاريع الاقتصادية.
تجسد تجربة ولاية وجدة-أنكاد، التي احتفت بالجالية في 10 غشت 2024، نموذجاً رائداً لتفعيل الرقمنة على المستوى المحلي. فقد قدمت الوكالة الحضرية لوجدة خدمات رقمية مبتكرة، مثل الدراسة المسبقة للملفات عبر الإنترنت وتفعيل رمز الاستجابة السريعة (QR) على الوثائق، إلى جانب اعتماد البوابة الوطنية للتعمير (taamir.gov.ma). كما طورت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء (RADEEJ) تطبيقات رقمية لإدارة الشكاوى وتتبع الخدمات، بينما شكلت منصة “Info Commune” خطوة نحو تعزيز الشفافية وتسهيل الوصول إلى المعلومات المحلية.
هذه المبادرات عززت خدمات القرب، وقلصت الفجوة بين الجالية والإدارة، وأكدت على إمكانية تعميم هذه التجربة على المستوى الوطني.
على الرغم من هذه الإنجازات، تواجه الرقمنة تحديات كبيرة، أبرزها ضعف البنية التحتية الرقمية في بعض المناطق، ونقص الكفاءات الرقمية، والفجوة الرقمية التي تحد من استفادة الفئات الأقل دراية بالتكنولوجيا. كما تشكل الجرائم السيبرانية والحملات الرقمية السلبية، التي ظهرت بشكل ملحوظ منذ يونيو 2025، تهديداً للثقة الرقمية، حيث تسعى هذه الحملات إلى تقويض الروابط بين الجالية ووطنها من خلال نشر محتوى مضلل.
لمواجهة هذه التحديات، يتعين تسريع نشر الألياف البصرية وتقنية 5G، وتعزيز الأمن السيبراني، وتكثيف برامج التأهيل الرقمي، إلى جانب تحسين التنسيق بين الإدارات لضمان تجربة رقمية متكاملة.
إن الرقمنة ليست مجرد أداة تقنية، بل هي جسر رقمي يحول البعد الجغرافي إلى قرب وطني، يعزز الانتماء ويمكن المغاربة المقيمين بالخارج من المساهمة الفاعلة في تنمية وطنهم. من خلال الاستثمار المستمر في البنية التحتية، والتأهيل البشري، والابتكار، يمكن للمغرب أن يحقق طموحات “المغرب الرقمي 2030″، ليصبح نموذجاً إقليمياً في تقديم خدمات رقمية متطورة، تجمع بين الكفاءة والشفافية والانتماء.
في هذا اليوم الوطني للمهاجر، نجدد العهد على مواصلة هذا المسار الطموح، ليكون كل مغربي، أينما كان، شريكاً فاعلاً في بناء مستقبل المغرب المزدهر.
Numerisation-des-services-de-proximite-pour-les-Marocains-du-Monde._-1-1