رسالة مفتوحة إلى الأمناء العامين لكل من حزب الاستقلال، التقدم و الاشتراكية و الأصالة و المعاصرة.

السادة نزار البركة ، محمدنبيل بنعبد الله و عبد اللطيف وهبي ،

لا موقع و لا صفة يسمحان لي بمراسلتكم لا بشكل مفتوح و لا عن طريق البريد المضمون.هذا أمر أكيد ، لكنني كمواطن معني بتداعيات السياسات العمومية على معيش الناس و بمآلات فرص انتقالنا الديمقراطي و بحالة التذمر العام من النخب و نحن على مشارف انتخابات تأتي في ظرفية غاية في الاستثناء ، كوني مواطن هو ما يصنع الفارق و يمنحني حق وواجب التوجه إليكم بشيء مما أحمله ، أنا و معي أجيال بأكملها ، تغار على البلاد و تأسف لأوضاع كان من الممكن تجاوزها منذ سنوات و لا تستوعب إطلاقا أسباب تأخر القوى الحية في الدفع بالآفاق التي فتحها العهد الجديد على أكثر من صعيد إلى مداها البعيد . أجيال ما زالت ، ورغم كل بواعث الخيبة ، تتمسك بالاعتقاد أن بعضا من نخبنا تبقي على شيء من القضايا الكبرى للوطن و من التطلعات الملحة للمواطنين و من نظافة اليد ضمن انشغالاتها و أجندتها و جداول أعمالها .

إنني أعرفكم بالإسم و بالصفة ، فأنتم شخصيات عمومية تحملت العديد من مسؤوليات تدبير الشأن العام ، ناهيكم عن كونكم قادة توجهات فكرية و سياسية لها مكانتها في المشهد الوطني ، على أية حال .لكن يبقى السؤال هو لماذا أتوجه إليكم دون سواكم في وقت تعج فيه الساحة السياسية بالكثير من الأحزاب بصرف النظر عن حقيقة و دواعي و أثر وجودها في مجريات النسق السياسي الوطني .

الجواب أبسط مما تتصورون .الأطياف الأخرى بات من الصعب الرهان عليها ، بل قد يكون هذا الرهان مجرد مضيعة للوقت وهي تتأرجح بين قادم من زمن تزييف الحقائق الاجتماعية و السياسية البائد و حابل بالهجانة و الطفيليات و المفسدين و ناسف لتراث كفاحي و نظري و سياسي في سبيل التحدث باسم حكومة في برلمان و ممتطئ للمشترك و سياق الربيع و القسم بالدين من أجل مشروع هو كل شيء إلا الاعتناء بالعدالة الاجتماعية و مدمن على العدمية و الكلام الغليظ و التحدث بين الجدران عن المساء الكبير .

الأحزاب التي كان لوجودها جدوى زمن الصدر الأعظم و تكميم الأفواه و خلط الأوراق و تكسير العظام و تزوير الإراة الشعبية و تأثيث المشهد النيابي بالأعيان و تبخيس العمل السياسي و تلطيخه بالمال و أشياء أخرى ، تلك الأحزاب ، حتى و إن زعمت التجدد و مواكبة التحولات ، أضحت نشازا و عبئا و خارج حسابات المستقبل منذ أن بدأت الخطوات الجادة تنقلنا من وضع الصراع المفتوح إلى تناوب توافقي قاده الفقيد عبد الرحمان اليوسفي ثم إلى التناوب النابع من صناديق الاقتراع و منذ أن قرأنا كلنا ، دولة و نخبا و شعبا ، صفحة الجمر و الرصاص و طويناها إلى غير رجعة و منذ أن عقدنا العزم على العدالة الانتقالية و الانتصار للخيار الديمقراطي و لمشروع الإصلاح . لست في حاجة للتنقيب عن الكلمات اللائقة لتسمية الأشياء و لا إلى اعتماد لغة التلميحات ، فخطاب أنصاف الحقائق لم يكن يوما سوى وجها آخرا للكذب .لذلك سوف أكون مباشرا و أقول بأن هذه العينة من الأحزاب تشكل جزءا جوهريا من المشكل و ليس بمقدورها ، لا الآن و لا غدا و لا أبدا ، منطقيا و سياسيا و تاريخيا ، أن تكون جزءا من الحل إلا إذا اختلت قوانين المنطق و السياسة و التاريخ و توازنات الكون .

العدالة و التنمية أخفق في الدستور و السياسة و الفكر و التدبير و أجهز على كل ما هو اجتماعي بدءا من تسعيرات الكهرباء وصولا إلى اعتباره عناية الدولة بالأرامل عمل إحساني مرورا بتماهيه الكامل مع وصفات صندوق النقد الدولي .و لاداعي لتذكيره بالهوة الشاسعة بين تعهداته و ما جعل المغاربة يحلمون به قبيل نوفمبر 2011 و سياساته خلال عقد كامل في الحكومة و الجهات و الجماعات الترابية و التحالفات ، حتى أصبح الجميع يتمنى أي سيناريوه قاتم إلا أن يعود ، لا في شكل حاصل على أكبر عدد من النواب و لا في صيغة تحالف حكومي .

الاتحاد الاشتراكي أنهكته تجربة التناوب بدل أن تقويه لأنه انهمك في الحكومة و فك الارتباط بالقوات الشعبية و تعايش مع الخروج عن المنهجية الديمقراطية و استنزف نفسه في البحث عن أي موقع حتى بالتحالفات الهجينة و استمر يتمزق عموديا و أفقيا و يصر على مصادرة مشروع الحزب الاشتراكي الكبير ، بغرور مزمن و غلو أخرق ، و صار دون أفق رغم كونه أصل فكرة الإصلاح زمن رجالات الإصلاح .هذا مؤسف ، دون شك ، لكنه حقيقة وجب أخذها في تقدير الموقف و في الاعتبار و نحن نقيس الفرص الكفيلة بتوسيع رقعة الإصلاح ببيض النمل و نتلافى فخاخ خصوم الدمقرطة و الحريات و التنمية و العدالة الاجتماعية بذروة ما علمتنا إياه التجارب التي أنجزت التقدم و الرخاء دون ندوب غائرة .

اليسار تجاوزته أحداث سقوط حركات التحرر و الجدار و المعسكر و صعود توجهات اشتراكية بنفس رأسمالي و صار عاجزا عن الإدراك و فضل العزلة في حلقات سجال دستوراني لا تأثير له خارج القاعات وبات يعيش على النقاشات التنظيموية و حروب ملوك الطوائف عوض تجديد الرؤية و النظر جيدا في نفسه و في الممكن وفي التطورات الدولية والإقليمية و في المشروع الإصلاحي الكبير الذي تحمله المؤسسة الملكية بثبات .

السادة نزار البركة ، محمدنبيل بنعبد الله و عبد اللطيف وهبي ،

ليس لدي أدنى شك أنكم على علم بأنه لم يعد بمقدور المغاربة التغاضي عن حالة البؤس التي بلغها العمل السياسي .لقد أصبح الحديث عن الفاعلين السياسيين أمرا ممقوتا لدى المواطنين و المقلق في الأمر أن بؤس السياسة اختلط في وعي الناس بيأس جلل و من غير المستبعد أن يفضيا إلى هجر جماعي لصناديق الاقتراع و للمؤسسات . من المرجح جدا أن تصدمنا الانتخابات القادمة بنسبة مشاركة تذكرنا بشتمبر 2007 ولربما أسوأ و لن يفيد في شيء الاعتماد على البوادي و المواقع التقليدية في التصويت و لا إلى محترفي شراء الذمم إن امتنعت الطبقة الوسطى و الميسورون بالحلال و النساء و الشباب عن إبداء الرأي و عن المشاركة ، لأن الأصل في الحياة السياسية الحاملة لمشروعي الإصلاح و الانتقال الديمقراطي ليس تجييش الناخبين بالمال ليذهبوا خلف المعازل ، بل الأصل هو إغرائهم بعروض سياسية تألف بين مصالح كل الفئات و تتيح رؤية وقع السياسة على الناتج الداخلي الخام و معدلات النمو و على احتياجات المواطنين في الشغل و الصحة و التعليم و الأجور و المنظمومات الاجتماعية و تعامل الإدارات و في الكرامة و الحريات و رحابة صدر الوطن .

كل الخطاب السياسي و الإعلامي الذي واكب إشارات العهد الجديد و المبادرات التي مافتئ يطلقها عاهل البلاد ، آخرها مشروع العدالة الاجتماعية و الورش التنموي الجديد ، كل الخطاب السياسي و الإعلامي و معهما الرأي العام العالمي ، أقروا بأن المؤسسة الملكية أبدت ما يكفي من الإرادة و الفعل و الحزم لإنجاز مهام انتقال البلاد إلى الديمقراطية بمعانيها الكونية بالرغم من عدد من المنعطفات التي بدت، من منظور التحليل السطحي البعيد عن إدراك تعقيدات مراحل الانتقال ،أنها قد تعصف بما تحقق من مكتسبات لكنها ، في حقيقة الأمر ، لا تعدو لحظات مناوشات لجيوب مقاومة الإصلاح ، تتسع و تضيق حسب موازين القوى بين إرادة الانتقال و مركب المصالح الغير مشروعة ، الذي يبقى دائما في حاجة لغطاء سياسي و لمن لا يقرؤون رسائل الدولة في شأن حياد الإدارة و لأجواء الاحتقان كي يظهر الردع بدل الرعاية ويشتقوا منه ما يعتقدونه هيبة لتخويف الناس .هذا ما حصل و يجري في المشهد السياسي، منذ مدة ، و هكذا انتقل المفسدون من الاختباء بخجل إلى نشد تصدر لوائح الانتخابات في واضحة النهار .
ترنحات مناوئي انتقالنا الديمقراطي تستوجب من الدولة الردع عبر الإدارة الترابية و من القضاء تحريك ملفات المجلس الأعلى للحسابات و من الساسة و أهل الإعلام إعادة طرح السؤال المرجعي ” من أين لك هذا ؟ ” و من المواطنين المعاقبة في صناديق الاقتراع و تقتضي من جانبكم فضح و لفظ المفسدين و تجنب اعتمادهم لجلب الأصوات .هذا نهج جرب على سبيل التكتيك بأكثر من مسوغ و في العديد من الاستحقاقات و هو ، بالتحديد ، ما أفضى إلى ما نحن فيه من إغراق لحياتنا السياسية في الابتذال.

السادة نزار البركة ، محمدنبيل بنعبد الله و عبد اللطيف وهبي ،

لست هنا لإملاء الدروس ، فأنتم أساتذتنا و قادة خيارات ، تبقى كيف ما كان الحال ، جديرة بالاحترام و الدعم و بالمساندة النقدية ، خاصة أن تحالفكم أبدى الكثير من الصدق في الخطاب و المهارة في طرح المعضلات و الكفاءة في تقديم الاقتراحات و الصرامة في مجابهة الأخطاء الفظيعة للأغلبية الحكومية و أبان عن نوع من الصرامة المبدئية و المرونة العملية ما أحوج البلاد إليهما لتستقيم أمور تدبير الشأن العام .كما أن حزب الاستقلال عرف ، عبر تاريخه ، كيف يحافظ على التوافق مع الدولة و على المسافة معها و حزب التقدم و الاشتراكية أظهر استقلالية قراره السياسي عندما شارك في التحالف الحكومي لما بعد 25 نوفمبر 2011 و عندما خرج منه فيما بعد و الأصالة و المعاصرة كان في غاية الإيثار و الاقتدار حين عمم نقده الذاتي و عدل الرؤية و المسار.هذه معطيات لا يمكن القفز عليها إن كنا نبتغي الموضوعية و الإنصاف . فقط أود أن تكونوا على بينة بأن الكثيرين يراهنون عليكم و يضعونكم أمام مسؤولياتكم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ماء وجه السياسة و لإخراص المفسدين سواء كانوا في صفوف خصوم أو من المريدين .

من فضلكم لا تجعلوا المغاربة يعتقدون أن الانتخابات هي إيحاءات للترحال و شراء للضمائر و مجال حصري للمفسدين و لحظة تعزيز سلطة المال بالحصانات المؤسساتية .إفعلوا الممكن و المستحيل و كل ما يلزم خلال ما تبقى من أسابيع ليعلم الجميع من هم أصدقاء الشعب و من هم خصومه و حتى يحصل الفرز السياسي المنشود في أفق إعادة بناء قوى فكرية و سياسية و اجتماعية قادرة على تحمل أعباء المساهمة في بناء المغرب الذي نريد و في ترصيص اللحمة الوطنية و صيانة الوحدة الترابية و تفعيل المؤسسات الدستورية و فق كنه النظام الأساسي للبلاد و في صياغة التوافق التاريخي مع المؤسسة الملكية .

ستكون خطوة جريئة منكم في الاتجاه الصحيح و ستخلون ، بذلك ، ذمتكم أمام الله و الوطن و الملك و الخيار الديمقراطي وأمام شعبنا و التاريخ و ستستعيدون الإمساك بزمام الأمل للناس و لكم من جديد.

خالد فضيل .
وجدة بتاريخ 14 يوليوز 2021 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى