“ربيع المسرح” بتارودانت: تكريم الحسين بنياز وسعاد صابر في احتفالية فنية تحتفي برواد الفن المغربي

تارودانت – 26 إلى 31 ماي 2025
تستعد مدينة تارودانت، بوابة سوس الثقافية، لاستضافة الدورة الثالثة من مهرجان “ربيع المسرح” في الفترة من 26 إلى 31 ماي 2025، في احتفالية فنية مميزة تحمل شعار “تارودانت… بوابة للإبداع ومنارة للثقافات”. ينظم المهرجان مسرح الأفق بتارودانت، بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وزارة الشباب والثقافة والتواصل، المجلس الجماعي لتارودانت، وتعاونية كوباك، وبدعم من مؤسسات مرموقة كمسرح محمد الخامس والمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي. وتتميز هذه الدورة بتكريم رمزين من أعمدة الفن المغربي: الحسين بنياز وسعاد صابر، في تجسيد حي لروح الوفاء لرواد الإبداع.
افتتاح بتكريم “باز”: سيد الكوميديا الساخرة
يُفتتح المهرجان يوم 26 ماي بحفل يُكرّم الفنان الحسين بنياز، المعروف بلقب “باز”، أحد أيقونات الكوميديا المغربية. يأتي هذا التكريم تقديرًا لمسيرته الحافلة التي امتدت لعقود، حيث أثرى الساحة الفنية بأعمال مسرحية وتلفزيونية تحمل بصمة النقد الاجتماعي الذكي. وُلد بنياز في خمسينيات القرن الماضي بحي سيدي فاتح بالدار البيضاء، من أصول أمازيغية تعود إلى تافراوت، مما شكّل خلفية ثقافية غنية صقلت إبداعه.
بدأ مشواره الفني ضمن ثنائية شهيرة مع الفنان أحمد السنوسي “بزيز”، حيث قدّما عروضًا كوميدية لاذعة عكست هموم الشارع المغربي بأسلوب ساخر وجريء. بعد انفصالهما، واصل بنياز تألقه بأعمال منفردة مثل “الحساب صابون” و”آش كاين”، مؤكدًا قدرته على إضحاك الجمهور وإثارة التفكير في آن. تعاون مع عمالقة المسرح كالطيب الصديقي في أعمال خالدة مثل “الحراز” و”سيدي عبد الرحمن المجذوب”، واكتسب خبرة مسرحية عميقة. على الشاشة الصغيرة، ترك بصمة قوية في أعمال مثل “سعدي ببناتي” و”خفيف ضريف”، ليصبح رمزًا للفكاهة الراقية التي تجمع بين الترفيه والنقد الاجتماعي.
اختتام بتكريم سعاد صابر: “أم المغاربة”
يُختتم المهرجان يوم 31 ماي بحفل تكريم الفنانة سعاد صابر، التي تُعد واحدة من أبرز الوجوه النسائية في الفن المغربي. وُلدت سنة 1950 في الحي المحمدي بالدار البيضاء، وعاشت طفولة متواضعة بعد فقدان والدها، لكنها وجدت في دعم جدتها نقطة انطلاق لمسيرة استثنائية. منذ بداياتها، انضمت إلى فرق مسرحية مرموقة وعملت مع مخرجين كبار، مما صقل موهبتها وجعلها رمزًا للأداء المتقن.
تألقت سعاد صابر في تجسيد شخصية الأم المغربية بكل أبعادها الإنسانية، سواء في المسرح، السينما، أو التلفزيون. أعمالها مثل “الجمرة”، “الورطة”، “الوالدة”، و”رحيمو” جعلتها قريبة من قلوب المغاربة، حتى لُقبت بـ”أم المغاربة”. لم تكتفِ بالتمثيل، بل كانت صوتًا قويًا يعبر عن معاناة المرأة المغربية وطموحاتها. تُوّج عطاؤها بوسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط سنة 2013، تقديرًا من جلالة الملك محمد السادس لإسهاماتها الرائدة.
رسالة ثقافية ودور مجتمعي
يُجسد “ربيع المسرح” رسالة ثقافية عميقة تهدف إلى تثمين الإرث الفني المغربي وتحفيز الأجيال الصاعدة على الإبداع. من خلال تكريم بنياز وصابر، يؤكد المهرجان التزامه بالاحتفاء برواد الفن الذين شكلوا وجدان الأمة، مع تعزيز مكانة تارودانت كمنارة ثقافية في المغرب. يدعم هذا الحدث أيضًا دينامية التنمية البشرية في المنطقة، بفضل شراكات مع مؤسسات وطنية ومحلية كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومجلس جهة سوس ماسة.
برنامج غني وتظاهرة جامعة
إلى جانب حفلي التكريم، يتضمن المهرجان عروضًا مسرحية متنوعة، ورشات تكوينية، وندوات فكرية تسلط الضوء على التحديات والفرص في المشهد الفني المغربي. يشارك فيه فنانون شباب ومخضرمون، مما يعزز الحوار بين الأجيال ويفتح آفاقًا للإبداع المسرحي. كما يُشكل المهرجان فرصة للجمهور الروداني للاستمتاع بتجربة ثقافية غنية تعكس تنوع التعبيرات الفنية المغربية.
باحتفائها بالحسين بنياز وسعاد صابر، تُعيد تارودانت تأكيد مكانتها كفضاء للإبداع والتلاقح الثقافي. “ربيع المسرح” ليس مجرد مهرجان، بل احتفال بالهوية المغربية وإرثها الفني الزاخر، يحمل في طياته دعوة مفتوحة للأجيال الجديدة لمواصلة مسيرة التميز. فمن ضحكات “باز” إلى عاطفة “أم المغاربة”، يظل الفن المغربي نبضًا حيًا يروي قصص الأمس ويرسم أحلام الغد.