رئاسة النيابة العامة تُمهد لتطبيق العقوبات البديلة بدليل عملي وتدريب مكثف

في إطار التحديث المستمر للمنظومة القضائية المغربية، أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، يوم الأربعاء 7 ماي 2025 بالهرهورة، عن إعداد رئاسة النيابة العامة لدليل عملي يوجه تطبيق العقوبات البديلة، وذلك قبيل دخول القانون رقم 43.22 حيز التنفيذ في 22 غشت 2025. جاء ذلك خلال افتتاح يومين دراسيين نظمتهما رئاسة النيابة العامة بالشراكة مع مجلس أوروبا، وبتعاون مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، حول موضوع “العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية: من أجل تنزيل أمثل لمقتضيات القانون رقم 43.22”.

دليل عملي وتدريب لضمان التطبيق السليم

أكد السيد الداكي أن الدليل العملي، الذي تُعده رئاسة النيابة العامة، يهدف إلى توفير إطار منهجي يوجه القضاة والأطر التنفيذية في تطبيق العقوبات البديلة، مثل العمل للمنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، الغرامة اليومية، وفرض تدابير رقابية أو تأهيلية. إلى جانب ذلك، ستعمل الرئاسة على تنظيم دورات تدريبية مكثفة للأشخاص المكلفين بالتنفيذ، بالإضافة إلى عقد لقاءات دورية مع المسؤولين القضائيين لمعالجة أي تحديات قد تعيق التطبيق الأمثل لهذا القانون. هذه الخطوات تعكس التزام الرئاسة بضمان تنزيل القانون بكفاءة وفعالية، وتجنب الإخفاقات التي شهدتها بعض التجارب الدولية، مثل تلك التي واجهتها دول أوروبية بسبب نقص التدريب أو ضعف التنسيق.

القانون رقم 43.22، الذي يُعد إحدى ثمار الإصلاح القضائي في المغرب، يمنح النيابة العامة صلاحيات واسعة في مراقبة وتتبع تنفيذ العقوبات البديلة، خاصة في القضايا الجنائية التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات حبسًا نافذًا. ووفقًا لتقرير صادر عن مجلس أوروبا عام 2023، فإن الدول التي اعتمدت العقوبات البديلة، مثل السويد وألمانيا، شهدت انخفاضًا في معدلات العودة إلى الجريمة بنسبة 15-20%، مما يبرز أهمية هذا النهج في تحقيق العدالة التصالحية.

رؤية إصلاحية للسياسة العقابية

أوضح الداكي أن القانون 43.22 يجسد تحولًا جذريًا في مفهوم العقوبة، من أداة ردع إلى وسيلة للإصلاح وإعادة الإدماج. فبدلاً من العقوبات السالبة للحرية، التي تحمل آثارًا اجتماعية واقتصادية وخيمة، مثل تفكك الأسر وفقدان فرص العمل، يتيح القانون خيارات عقابية مرنة تتيح للمحكوم عليه البقاء في وسطه الاجتماعي، مع ضمان تتبع دقيق من السلطات القضائية والإدارية. هذا النهج يتماشى مع التوصيات الدولية، حيث أشار تقرير الأمم المتحدة لعام 2024 إلى أن العقوبات البديلة ساهمت في تحسين إعادة الإدماج الاجتماعي بنسبة 25% في الدول التي طبقتها.

كما أشار الداكي إلى أن العقوبات السالبة للحرية تفاقم مشكلة الاكتظاظ في السجون، التي وصلت إلى مستويات مقلقة في المغرب، حيث سجلت بعض المؤسسات السجنية معدل اكتظاظ يصل إلى 190% وفق إحصائيات المندوبية العامة لإدارة السجون لعام 2024. من خلال إتاحة العقوبات البديلة، يسعى القانون إلى تخفيف هذا الضغط، مع تعزيز فرص إصلاح الجانحين وتأهيلهم للعودة إلى المجتمع كأعضاء فاعلين.

دور اليومين الدراسيين في تعزيز الكفاءات

جاء تنظيم اليومين الدراسيين في توقيت حاسم، قبيل دخول القانون حيز التنفيذ، لتعزيز قدرات القضاة والمسؤولين الإداريين في التعامل مع العقوبات البديلة. تضمنت الجلسات مناقشات حول الإطار القانوني الوطني والمقارن، دور الأجهزة القضائية والتنفيذية، وآليات التنسيق بين المتدخلين. كما استعرضت التجارب الأوروبية الناجحة، مثل برنامج العمل للمنفعة العامة في هولندا، الذي أسهم في إعادة تأهيل 65% من المحكوم عليهم وفقًا لتقرير وزارة العدل الهولندية لعام 2023.

يهدف اللقاء إلى تمكين قضاة الحكم، تطبيق العقوبات، والنيابة العامة من فهم دقيق لمقتضيات القانون، وتزويدهم بالمعرفة اللازمة لتفعيل أصناف العقوبات البديلة الأربعة: العمل للمنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، تقييد الحقوق أو التدابير التأهيلية، والغرامة اليومية. كما يسعى إلى تعزيز التعاون بين النيابة العامة والجهات الأخرى، مثل المندوبية العامة للسجون، لضمان تتبع فعال ومراقبة دقيقة لتنفيذ هذه العقوبات.

قيمة مضافة للسياسة العقابية

يُعد القانون 43.22 خطوة إصلاحية تتماشى مع رؤية جلالة الملك محمد السادس لتعزيز العدالة الاجتماعية والإنسانية. من خلال تقديم بدائل للسجن، يوفر القانون فرصة لإصلاح الجانحين دون عزلهم عن مجتمعهم، مما يقلل من الآثار السلبية للسجن ويعزز استقرار الأسر والمجتمعات. كما يساهم في تقليص التكاليف المرتبطة بالسجون، حيث أظهرت دراسة أوروبية عام 2022 أن تكلفة تطبيق العقوبات البديلة أقل بنسبة 30% مقارنة بالسجن التقليدي.

إن إعداد الدليل العملي، إلى جانب التدريب المستمر والتنسيق بين الجهات المعنية، يعكس التزام رئاسة النيابة العامة بتفعيل هذا القانون بطريقة تضمن تحقيق أهدافه الإصلاحية. مع اقتراب موعد تنزيل القانون، يبرز المغرب كنموذج إقليمي في تبني سياسة عقابية حديثة، تجمع بين العدالة والإنسانية، وتساهم في بناء مجتمع أكثر انسجامًا وتضامنًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى