الدكتور عمر قلعي يعرض الورقة العلمية المؤطرة لندوة: “قصبة دبدو، منبع الماء، وذاكرة التاريخ بين الماضي والمستقبل”.

عمر قلعي أستاذ باحث.

تعد قصبة دبدو إحدى القصبات المرينية التي تختزن ذاكرة تاريخية؛ امتدت على مدى سبعة قرون ونيف، لعبت خلالها أدوارا عسكرية وسياسية واستراتيجية واجتماعية مهمة، منذ بنائها أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي على يد المرينيين.

كان الغرض من بنائها رد هجمات بني عبد الواد التلمسانيين، وتأمين المغرب من التدخلات الأجنبية؛ لكن قوتها العسكرية وامتدادها الجغرافي، وموقعها الاستراتيجي، وبنيتها المعمارية، ووضعها الطوبوغرافي، وتعدد مكوناتها الاجتماعية والثقافية والعرقية والدينية…بدءا من المرينيين (حسب ما هو مخطوط في المصادر التي بين أيدينا)، إلى الوطاسيين، والسعديين، ثم العلويين، شكل خصوصيتها الإنسانية المتفردة، التي جعلتها مفخرة دبدو، والمغرب، ووجهه الحضاري المشرق.

غير أن هذه المكانة، وتلك الأدوار، عرفت نوعا من التراجع في العقود الأخيرة، حيث أصبحت تعيش وضعا صعبا بحكم تراجع مواردها المائية؛ وهي التي كانت تصدر الماء/الحياة إلى ساكنة دبدو عن طريق عين تافرانت، وتحظى بقسط وافر من فيضها، وحين أطبق عليها الجفاف أثر تأثيرا سلبيا على الفلاحة والزراعة، وأدخل سكان القصبة، والبلدة عموما، في حال من التخوف على عدم القدرة على الاستقرار فيها.

كما أصبحت تعيش نوعا من الإهمال، طال معمار القصبة، رغم محاولة ترميمها التي لم تتم بعد، ولم تؤد المطلوب منها، وطال ساكنتها التي تعاني من التهميش والبطالة وغياب رؤية تنموية تعيد إليها الثقة في المستقبل، وتضمن استقرارها في القصبة، وتشجعها على حماية تراثها وجعله رافعة لتنمية سياحية مستدامة.تجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة هي الثانية، فقد نظمت جمعية ابن خلدون للأبحاث والدراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وحماية المآثر التاريخية والبيئة، وجمعية القصبة للتنمية والتعاون الاجتماعي بدبدو، وبدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبتعاون مع المجلس الجماعي لدبدو، ندوة أولى في الثالث والعشرين (23) من أبريل 2017، انصبت أشغالها على ثلاثة محاور هي:

المحور الأول: القصبة: الذاكرة التاريخية.

المحور الثاني: القصبة: تطوراتها وخصائصها المعمارية دراسة مقارنة.

المحور الثالث: القصبة: واقع الحال وسبل الحماية وإعادة الاعتبار.

وقد انتهت الندوة برفع عدد من التوصيات إلى الجهات المسؤولة، أبرزها التعريف بقصبة دبدو، وإبراز مؤهلاتها السياحية والحضارية…وإحداث متحف بها، وتشجيع البحث العلمي حول هذه القصبة، وتعزيزها ببنيات لاستقبال الزوار والسّيّاح…

تأتي ندوة “قصبة دبدو: منبع الماء، وذاكرة التاريخ بين الماضي والمستقبل”، المزمع عقدها في السادس عشر من غشت 2025، في سياق التذكير بدور القصبة المرينية، عبر تاريخها الممتد على أزيد من سبعة قرون، في حفظ أمن البلد والمنطقة، والعيش المشترك بين مكونات نسيجها الاجتماعي.

كما تسعى إلى إعادة تذكير الجهات المسؤولة، كل حسب موقعه وسلطته، بضرورة التدخل لصيانة ما تبقى من معمارها، وتوظيفه بشكل يخدم الساكنة، ويسعى إلى تنمية المنطقة تنمية مستدامة، تخرج أهلها من دائرة التهميش، وتحد من هجرتهم صوب مدن الجوار، خصوصا مع اتساع دائرة البطالة، وقسوة الجفاف، وتمدد الهجرة.

يضاف إلى هذا وذاك توعية ساكنة القصبة المرينية، وأهل دبدو عامة، بضرورة الحفاظ على هذه المعلمة التاريخية، والتمسك بها وعدم التفريط فيها، والتعريف بها محليا ووطنيا ودوليا، وتفعيل أدوار المجتمع المدني في الترافع على مطالبها، بالبحث عن شراكات، داخل الوطن وخارجه، لإعادة تأهيل معمارها: دُورِهَا وقِبَبِها، وفضاءاتها الداخلية (المسجد –الديوان -الخندق –الكهوف –كاف الماء…)، والتعريف بثقافة أهلها على مستوى الطعام والشراب واللباس واللغة (اللهجة والأمثال والحكايات …)، وتوظيف كل ذلك لخلق تنمية سياحية واعدة ومدرة للدخل.

بناء على هذا التصور تتوزع الندوة على محورين كبيرين هما:

* المحور الأول: قصبة دبدو المرينية: التاريخ والماء.

ويشمل هذا المحور مداخلات تتناول دبدو والقصبة: تأسيسها، ومن حكمها، ومكوناتها، وأدوارها ووظائفها…كما يشمل مداخلات تتناول الماء باعتباره عنصرا من عناصر الاستقرار والازدهار، ومصادره، وسبل تدبيره، قبل أن يصبح غيابه دافعا من دوافع المعاناة والهجرة..

* المحور الثاني: قصبة دبدو المرينية: معمارها، واقعها، وآفاق التنمية بها.

ويشمل الحديث عن معمار القصبة (أسوارها، وأبوابها، وخندقها، ومسجدها، وسجنها…)، وخصائص هذا المعمار المغربي (طول الأسوار وعرضها، والأشكال والزخرفة…)، وأبعاده الإنسانية والدينية، وسبل التأهيل والتثمين، والبحث عن آفاق أفضل لتوظيف هذا المعمار في خلق تنمية محلية مستدامة، ومدرة للدخل، لمواجهة البطالة، والهجرة… مع استحضار الفعل العلمي والإبداعي (التأليف في مجال التاريخ، والجغرافيا، والأنتروبولوجيا، وتكثيف البحث الأركيولوجي، والأدب، والدين، وعلم الاجتماع، والقانون….) وتوظيفه في التعريف بالمدينة والقصبة معا، محليا ووطنيا ودوليا، استنادا الى الثورة الرقمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!