دور الصحافة في مواجهة الفساد: قراءة في رد “جبروت” على توفيق بوعشرين

في زمن تتفاقم فيه أزمات الثقة بين المواطن والمؤسسات، تبرز الصحافة كركن أساسي في كشف الحقائق وفضح الفساد، لكنها تواجه تحديات جمة في تحديد موقعها بين الجرأة والحذر. رد حساب “جبروت” على الصحفي توفيق بوعشرين، الذي نشر مقالاً بعنوان “لا نريد للوزير أن ينتحر”، يفتح النقاش حول دور الصحافة في مواجهة الفساد السياسي والمالي، ويضعنا أمام تساؤل جوهري: هل يكفي أن تصف الصحافة الواقع، أم يجب عليها أن تكون فاعلاً في تغييره؟

توفيق بوعشرين، في مقاله، عبّر عن قلقه من “رائحة كريهة” تنتشر في الأجواء المغربية، مشيراً إلى صمت مطبق تجاه حرب خفية بين “الكبار”، ومسلطاً الضوء على حساب “جبروت” الذي يفضح ممارسات الوزراء دون رد مؤسساتي أو أخلاقي من الدولة. لكن “جبروت”، في ردها، لم تكتفِ بانتقاد حذر بوعشرين، بل وجهت له دعوة مباشرة لتجاوز منطقة الراحة الصحفية. الرد جاء صارخاً: “ما تشمه ليس جديداً، تعرفون مصدره ومن ينفيه، لكنكم تتراجعون كل مرة”. هذا الخطاب ليس موجهاً لبوعشرين كفرد، بل يطال نمطاً صحفياً يفضل التعبير عن السخط دون الانخراط في معركة تغيير جذرية.

رد “جبروت” يكشف عن رؤية واضحة: الصحافة ليست مجرد مرآة تعكس الواقع، بل أداة للتغيير. فالصحفي الذي يكتفي بوصف “الرائحة الكريهة” دون مواجهة مصدرها يظل رهين منطقة رمادية، بعيداً عن جوهر المهنة. في هذا السياق، يستحضر رد “جبروت” نموذجين بارزين للصحافة الحرة في المغرب: خالد الجامعي وسليمان الريسوني. الأول، الذي دفع حياته ثمناً لقناعاته، لم يساوم ولم يصمت، بل واجه الفساد بقلم صلب وموقف لا يلين. والثاني، الذي صمد داخل السجن وخارج الوطن، رافضاً المساومة أو التراجع. هذان النموذجان يجسدان الصحافة التي لا تنتظر إذناً من السلطة، بل تكسر الأبواب المغلقة وتعيد للناس ثقتهم في الكلمة الحرة.

ما يميز رد “جبروت” هو تحريضه على الفعل. الحساب لا يكتفي بتسريب وثائق تفضح الفساد، بل يدعو الصحفيين إلى الانخراط في معركة سياسية وأخلاقية. فالصحافة، في نظر “جبروت”، ليست مجرد مهنة، بل مقاومة. هي لا تكتفي بالتعليق على الوثائق، بل تصنعها، تواجه السلطة، وتتحدى الصمت. هذه الرؤية تضع الصحفي أمام مسؤولية كبرى: إما أن يكون جزءاً من معركة النور، أو يبقى رهين الضلال، يشارك بصمته في استمرار الكارثة.

في سياق مغربي يعاني من تراجع الثقة في المؤسسات، تواجه الصحافة الحرة تحديات جسيمة، من ضغوط السلطة إلى مخاطر السجن والتضييق. لكن رد “جبروت” يذكّر بأن الشجاعة هي جوهر المهنة. فالصحفي الذي يعرف الحقيقة ويسكت عنها، أو يكتفي بوصفها دون مواجهة، لا يختلف كثيراً عن من يستنشق “الرائحة الكريهة” دون أن يسعى لتنظيف الهواء الفاسد.

رسالة “جبروت” إلى بوعشرين، ومن خلاله إلى كل من يملك منبراً وقلماً، هي دعوة مفتوحة لإعادة تعريف دور الصحافة. ليست المسألة مجرد كتابة مقالات أو توثيق فضائح، بل الانخراط في معركة أخلاقية وسياسية تستهدف تغيير الواقع. الصحافة التي تحترم نفسها، كما يذكّر رد “جبروت”، هي تلك التي لا تخشى السلطة، ولا تنتظر إذنها، بل تصنع التغيير بقلمها وموقفها. في النهاية، السؤال الذي يطرح نفسه على كل صحفي: هل ستكون صوت المقاومة، أم مجرد واصف للواقع؟بقلم: مولاي المهدي السابق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!