خطاب لحسن السعدي في الداخلة: 5 مغالطات سياسية أثناء إشادته بأداء الحكومة

مقدمة
أثار خطاب لحسن السعدي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار وكاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية، خلال افتتاح الجولة التواصلية “مسار الإنجازات” بمدينة الداخلة، جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي. الخطاب، الذي أشاد بـ”إنجازات” حكومة عزيز أخنوش، تضمن مجموعة من الادعاءات حول الأداء الحكومي والبرامج الاجتماعية، لكنه لم يخلُ من مغالطات منطقية وسياسية تستدعي التدقيق والتحليل النقدي. في هذا المقال، نستعرض أبرز النقاط التي طرحها السعدي، مع تصحيح المغالطات وتقديم رؤية موضوعية للخطاب.
تحليل النقاط الرئيسية وتصحيح المغالطات
ادعاء الأخلاق والوفاء بالوعود
أكد السعدي أن حزب التجمع الوطني للأحرار يتميز بالأخلاق والوفاء بالوعود، مشيراً إلى تعيين شباب في مناصب برلمانية ووزارية كدليل على ذلك.
نعتقد أن بذلك لحسن السعدي يقع ضمن مغالطة “الاحتكام إلى العاطفة“، حيث يتم التركيز على قيم مثل الأخلاق والوفاء دون تقديم أدلة ملموسة تدعم هذه الصفات. تعيين الشباب في مناصب عليا قد يكون خطوة إيجابية، لكنه لا يعكس بالضرورة التزاماً أخلاقياً شاملاً، خاصة إذا كانت هذه التعيينات تخدم أجندات سياسية أو حزبية. كما أن السعدي لم يقدم بيانات دقيقة حول عدد الشباب المعينين أو تأثيرهم الفعلي، مما يجعل الادعاء غامضاً ويفتقر إلى الشفافية.
الإشادة بالبرامج الاجتماعية
وصف السعدي حكومة أخنوش بأنها “أعظم حكومة اجتماعية” في تاريخ المغرب، مشيراً إلى برامج مثل دعم الأسر، التغطية الصحية، التعليم ما قبل المدرسي، و”جواز الشباب” للوصول إلى الفنون والرياضة.
مرة أخرى، الكلمة تتضمن مغالطة “التعميم المتسرع”. فعلى الرغم من وجود برامج اجتماعية مثل الدعم المباشر للأسر وتوسيع التغطية الصحية، إلا أن تأثير هذه البرامج لا يزال قيد التقييم. على سبيل المثال، برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي يستهدف 4 ملايين أسرة، يواجه انتقادات بسبب محدودية المبالغ المقدمة مقارنة بارتفاع تكاليف المعيشة. كذلك، التعليم ما قبل المدرسي، الذي ادعى السعدي أنه يغطي 80% من الأطفال، يفتقر إلى بيانات رسمية موثقة تؤكد هذا الرقم. أما “جواز الشباب”، فهو برنامج طموح لكنه لا يزال في مراحله الأولى، ولا يمكن اعتباره إنجازاً مكتملاً. تصوير هذه البرامج على أنها غيرت وجه المغرب اجتماعياً هو تضخيم لا يتماشى مع الواقع.
الهجوم على المنتقدين
اتهم السعدي منتقدي الحكومة بمحاولة نشر اليأس والتعتيم على الإنجازات، مؤكداً أن الحزب يواجه الحسد بسبب شرعيته ونجاحاته.
هنا يقع السعدي في مغالطة “الهجوم الشخصي” (Ad Hominem)، حيث يحاول تقويض مصداقية المنتقدين بدلاً من الرد على انتقاداتهم بشكل موضوعي. الانتقادات التي واجهت حكومة أخنوش، مثل ارتفاع الأسعار، تفاقم البطالة، وتدهور القدرة الشرائية، ليست مجرد محاولات لنشر اليأس، بل تعكس تحديات اقتصادية واجتماعية حقيقية. تجاهل هذه الانتقادات والاكتفاء باتهام الخصوم بالحسد يعكس ضعفاً في الحجة ويفتقر إلى المسؤولية السياسية.
ربط الإنجازات بالتوجيهات الملكية
أشار السعدي إلى أن إنجازات الحكومة تتماشى مع رؤية الملك محمد السادس، خاصة في مجال الحماية الاجتماعية، وأن التاريخ سيذكر هذا الإنجاز.
نذكر السيد السعدي أن ربط الإنجازات بالتوجيهات الملكية هو أسلوب شائع في الخطاب السياسي المغربي، لكنه هنا يتضمن مغالطة “الاحتكام إلى السلطة”. فالتوجيهات الملكية، رغم أهميتها، لا تكفي لتبرير نجاح الحكومة ما لم يتم دعم ذلك ببيانات واضحة عن النتائج. على سبيل المثال، مشروع الحماية الاجتماعية هو مبادرة ملكية بالأساس، لكن تنفيذه من قبل الحكومة لا يزال يواجه تحديات لوجستية ومالية، ولا يمكن الحكم على نجاحه بعد. الادعاء بأن التاريخ سيذكر هذه الإنجازات هو محاولة لاستباق الأحداث دون أدلة كافية.
نفي الإساءة للمواطنين والإعلام
أكد السعدي أن الحكومة لم تسيء للمواطنين أو الإعلام أو الدول الصديقة.
هذا برأينا ادعاء يحمل طابعاً دفاعياً ويفتقر إلى الدقة. فقد واجهت حكومة أخنوش انتقادات بسبب تصريحات بعض وزرائها التي اعتُبرت غير موفقة، مثل تلك المتعلقة بأزمة الغلاء أو إدارة جائحة كورونا. كما أن العلاقة مع الإعلام لم تكن دائماً سلسة، حيث تم توجيه اتهامات للحكومة بمحاولة تقييد حرية الصحافة في بعض الحالات. نفي الإساءة بشكل مطلق هو محاولة لتبييض الصورة دون مواجهة الانتقادات بشكل صريح.
خاتمة
خطاب لحسن السعدي في الداخلة يعكس محاولة حزب التجمع الوطني للأحرار لتعزيز صورته كقوة سياسية تحقق وعودها وتتمسك بالأخلاق. لكنه يتضمن مغالطات منطقية، مثل التعميم المتسرع، الهجوم الشخصي، والاحتكام إلى العاطفة والسلطة، مما يضعف مصداقيته. الحكومة، رغم بعض المبادرات الاجتماعية، تواجه تحديات كبيرة تتطلب نقاشاً شفافاً بدلاً من خطابات الإشادة الذاتية. لاستعادة ثقة المواطنين، يتعين على الحزب الرد على الانتقادات بجدية، تقديم بيانات دقيقة، والابتعاد عن الشعارات التي لا تستند إلى واقع ملموس.
في النهاية، السياسة الحقيقية ليست في الخطابات الرنانة، بل في النتائج التي يشعر بها المواطن في حياته اليومية.