خطاب العرش 2025: تنمية شاملة، مواجهة التحديات، وآمال واعدة

عبدالعالي الجابري – مدير الجريدة.
يحمل خطاب العرش لسنة 2025، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، رؤية مستقبلية طموحة تجمع بين التفاؤل المستند إلى إنجازات ملموسة والوعي العميق بالتحديات التي تواجهها المملكة المغربية. يعكس الخطاب علاقة وثيقة بين العرش والشعب، ويرسم خارطة طريق لتحقيق تنمية شاملة، تعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية، وتأكيد مكانة المغرب كشريك إقليمي ودولي موثوق.
في هذا المقال التحليلي، نستعرض أبرز محاور الخطاب، مع التركيز على التنمية الشاملة، السياسات العمومية، العلاقات الإقليمية، والوحدة الترابية.
تُعد التنمية الشاملة الركيزة الأساسية لرؤية جلالة الملك، التي تهدف إلى بناء مغرب موحد ومتضامن يضمن رفاهية جميع مواطنيه. الخطاب يبرز التقدم الملحوظ الذي أحرزه المغرب اقتصاديًا واجتماعيًا، حيث حافظ الاقتصاد الوطني على نسبة نمو منظمة رغم تحديات الجفاف والأزمات الدولية. شهدت الصناعة نهضة غير مسبوقة، مع تضاعف الصادرات الصناعية منذ عام 2014، خاصة في قطاعات السيارات، الطيران، الطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية. هذه القطاعات لم تُسهم فقط في تعزيز الاستثمارات، بل خلقت فرص عمل ودعمت مكانة المغرب كوجهة استثمارية تربطها اتفاقيات تبادل حر مع أسواق تضم ثلاثة مليارات مستهلك.
على الصعيد الاجتماعي، يُظهر الخطاب تقدمًا كبيرًا في مؤشرات التنمية البشرية، حيث تراجع الفقر متعدد الأبعاد من 11.9% عام 2014 إلى 6.8% عام 2024، وتجاوز المغرب عتبة التنمية البشرية العالية. هذا الإنجاز يعكس الجهود المبذولة لتعميم الحماية الاجتماعية وتقديم الدعم المباشر للأسر المستحقة. كما يبرز الخطاب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، مثل تمديد خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، ومشاريع لتعزيز الأمن المائي والغذائي والسيادة الرقمية، مما يعزز قدرة المغرب على مواجهة التحديات المستقبلية.
ومع ذلك، يظل الوعي بالتحديات حاضرًا.
حيث، يؤكد جلالته أن التنمية لن تكتمل إلا بتحسين ظروف عيش جميع المواطنين، خاصة في المناطق القروية التي تعاني من الفوارق المجالية. هذا الوضع، الذي وُصف بـ”مغرب يسير بسرعتين“، دفع الخطاب إلى الدعوة لنقلة نوعية في التأهيل الترابي عبر مقاربة تنمية مجالية مندمجة، تركز على تثمين الخصوصيات المحلية، تعزيز الحكامة، والتكامل بين الجهات.
تعكس السياسات العمومية المطروحة في الخطاب تحولًا استراتيجيًا نحو مقاربة تنموية تستند إلى البيانات والحكامة المتقدمة. نتائج الإحصاء العام للسكان لعام 2024، التي كشفت عن تحولات ديموغرافية واجتماعية، تُعد أساسًا لتصميم سياسات عمومية أكثر فعالية. الخطاب يدعو إلى إعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، ترتكز على دعم التشغيل، تحسين الخدمات الأساسية في التعليم والصحة، وتدبير مستدام للموارد المائية في ظل تغير المناخ.
هذه البرامج تهدف إلى ضمان عدالة مجالية شاملة، بحيث لا يُستثنى أي مواطن أو منطقة من ثمار التقدم.
في الشأن الإقليمي، يعكس الخطاب نهجًا منفتحًا ومتفائلًا يرتكز على الحوار والتعاون. يجدد المغرب التزامه بالعلاقات الأخوية مع الجزائر، مؤكدًا على الروابط التاريخية والثقافية التي تجمع الشعبين. دعوة جلالته إلى حوار “صريح ومسؤول” تُظهر إيمانًا بإمكانية تجاوز الخلافات وتعزيز التكامل المغاربي، الذي يُعد ركيزة للاستقرار الإقليمي. كما يبرز الخطاب تمسك المغرب بالاتحاد المغاربي، مع التأكيد على أهمية انخراط المغرب والجزائر معًا لتحقيق هذا الهدف.
تظل قضية الصحراء المغربية محورًا أساسيًا في الخطاب، حيث يعبر جلالته عن اعتزازه بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع، مع الإشادة بمواقف دول مثل المملكة المتحدة والبرتغال. هذا الدعم يعزز سيادة المغرب على أراضيه، لكنه يأتي مصحوبًا بالتزام بالبحث عن حل توافقي “لا غالب فيه ولا مغلوب“، مما يعكس نهجًا دبلوماسيًا يجمع بين الثقة بالنفس والانفتاح على الحوار.
يرسم خطاب العرش 2025 صورة متفائلة لمستقبل المغرب، مستندة إلى إنجازات ملموسة ورؤية استراتيجية طويلة الأمد. التقدم الاقتصادي، تحسين مؤشرات التنمية البشرية، استثمارات البنية التحتية، والالتزام بالعدالة المجالية، كلها مؤشرات تدعم هذا التفاؤل.
في الوقت ذاته، يعكس الخطاب وعيًا بالتحديات، خاصة الفوارق المجالية وتأثيرات تغير المناخ، لكنه يقدم حلولًا عملية عبر مقاربات تنموية مندمجة. على الصعيد الإقليمي، يفتح الخطاب آفاقًا للتعاون مع الجزائر وتعزيز الاتحاد المغاربي، بينما يعزز الدعم الدولي لقضية الصحراء ثقة المغرب في وحدته الترابية.
في الختام، يمثل خطاب العرش 2025 دعوة إلى مواصلة مسيرة التقدم بثقة وتفاؤل، مع التأكيد على أن التنمية الحقيقية هي تلك التي تشمل الجميع دون إقصاء. إن هذه الرؤية، التي تجمع بين الطموح والواقعية، تؤسس لمستقبل واعد يعزز مكانة المغرب كدولة صاعدة وشريك إقليمي ودولي موثوق.