حين تُخطئ “لوموند” في فهم المغرب… الملك ليس “حلاً”، بل عمود دولة
لوموند تقرأ المغرب بعين فرنسية قديمة، وتغفل أن جيل Z المغربي يصنع وعياً جديداً داخل الاستمرارية

افتتاحية جريدة “جيل” أعدها المصطفى العياش
من جديد، تُعيد بعض الأقلام الفرنسية، وعلى رأسها جريدة لوموند، إنتاج نفس القراءة القديمة عن المغرب، بلغةٍ تُخفي وراءها نظرة استعمارية لم تستطع أن تتحرر من إرثها التاريخي.
ففي مقال حديث، ذهبت لوموند إلى القول إن “الملك محمد السادس في المغرب يُنظر إليه كحلّ، بينما يُعتبر ماكرون في فرنسا جزءاً من المشكلة”.
عبارة جذابة من الناحية الصحفية، لكنها تكشف سطحية في الفهم، وسوء قراءة عميقة للمجتمع المغربي ومؤسساته.
الملك محمد السادس في المغرب ليس “حلاً مؤقتاً” بل ضمانة تاريخية للاستقرار
الملكية في المغرب ليست “خياراً سياسياً ظرفياً” كما تتخيلها بعض الصحف الأوروبية، بل مؤسسة ممتدة في التاريخ، ومكوّن أساسي في هوية الدولة المغربية.
الملك محمد السادس لا يُنظر إليه كـ”منقذ” أو “مخلّص”، بل كفاعلٍ يضمن استمرارية الدولة في زمن التحولات الكبرى. فبينما تتهاوى أنظمة وتتهافت نخب في المنطقة، استطاع المغرب أن يحافظ على توازنه الداخلي، وأن يقود إصلاحات تدريجية بعمق استراتيجي، من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلى الجهوية المتقدمة، وصولاً إلى النموذج التنموي الجديد.
هذه ليست حلولاً ترقيعية، بل مسار دولة عاقلة تفكر في المستقبل، وهو ما تغفله “لوموند” حين تحاول إسقاط منطق أزمات باريس على واقع الرباط.
فرنسا تبحث عن هوية… والمغرب يصنع مستقبله
حين تتحدث “لوموند” عن الاحتجاجات في المغرب، وتحاول ربطها بإرث “الاستعمار الفرنسي”، فإنها تكشف أنها ما تزال تنظر إلى المغرب بعيون ماضيها.
فمن السذاجة مقارنة مغرب ما بعد الاستقلال بفرنسا الغارقة اليوم في أزمة هوية أوروبية، وانقسام سياسي يهدد تماسكها الداخلي.
ماكرون ليس ضحية “رفض شعبي” فقط، بل نتاج أزمة نموذج ديمقراطي فقد بوصلته، في حين أن المغرب، رغم كل التحديات، استطاع أن يُعيد تعريف مفهوم الشرعية السياسية على أساس الثقة والإنجاز.
بين أزمة الغرب واستقرار الجنوب
فرنسا اليوم تبحث عن توازن داخل الاتحاد الأوروبي، وعن موقعها في عالم لم تعد تتحكم فيه كما كانت، بينما المغرب يتحرك بثقة في إفريقيا والعالم العربي.
وربما كان الأجدر بـ”لوموند” أن تطرح سؤالاً مقلوباً:
كيف استطاع المغرب أن يبقى مستقراً في زمن السقوط الجماعي للدول المحيطة؟
الجواب بسيط: لأنه لم يراهن على مؤسسات هشة، بل على ملكية موحدة تملك الشرعية والتاريخ والرؤية.
جيل Z المغربي… الوجه الجديد للوطنية الذكية
نعم، هناك شباب في المغرب يرفعون صوتهم، يحتجون، ينتقدون، ويطالبون بالتغيير.
لكنهم لا يفعلون ذلك ضد الدولة، بل من داخل الإيمان بقدرتها على الإصلاح.
جيل Z المغربي لا يشبه نظيره الأوروبي؛ فهو جيل وطني بوعي رقمي حديث، لكنه مرتبط بالثوابت، ويعتبر أن الإصلاح الحقيقي لا يمر عبر الهدم، بل عبر تصحيح المسار في ظل استقرار مؤسسات الدولة.
وهنا، ربما أخطأت لوموند مجدداً: فهي تقرأ احتجاجات الشباب المغربي بعقلية باريسية قديمة، بينما الواقع أن هذا الجيل ليس في صدام مع الملك، بل في حوار غير مباشر معه، حوار عنوانه: “نريد مغرباً أقوى، لا مغرباً ناقماً.
الفرق بين الرباط وباريس ليس في من “يمثل المشكلة” ومن “يقدم الحل”، بل في من يمتلك مشروعية الاستمرار.
وإذا كانت فرنسا اليوم تبحث عن مخرج من أزمتها الداخلية، فإن المغرب لا يبحث عن خلاص، بل يبني نموذجاً سيادياً في التنمية والحكامة.
الملك محمد السادس ليس “حلاً” كما تراه لوموند، بل هو استمرارية وطنية تضمن أن تظل الدولة المغربية واقفة في عالم يتغير بسرعة.