حوار نتنياهو مع قناة LCI وبتر جهة الصحراء من خريطة المغرب/ الدروس المستخلصة

اول ما اثارني وانا اتابع اللقاء الذي خصت به القناة الفرنسية الرسمية LCI, رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ، هو الحذر الشديد الذي أبداه محاوره في طرح أسئلته .التي رغم جرأتها في تناول بعض القضايا خاصة تلك المتعلقة بحرب الإبادة التي ترتكبها الآلة العسكرية الإسرائيلية في حق المدنيين الفلسطينيين. إلا أنه كان يتفادى التعليق على بعض الأجوبة التي تستفز المتتبع الموضوعي للحوار .خاصة عندما قارن بين ما وقع في سوريا او الموصل .أو ما ارتكبته بعض قوى التحالف ، بشكل غير مقصود حسب قوله ،في حق المدنيين خلال حربها على الإرهاب. و بين ما يرتكبه الجيش الاسرائيلي من مجازر في غزة التي اعتبرها عادية. ولا يمكن مقارنتها بما سبق ذكره. وأن دخول الجيش الاسرائيلي لغزة ورفح بالنسبة له يتماها في أهدافه مع إنزال الحلفاء في النورماندي لمواجهة النازية في ألمانيا .و اجتياح غزة لم يكن فقط لحماية إسرائيل، بل لحماية أوروبا وأمريكا من “الإرهاب الفلسطيني”. وان اعتراف الدول الأوروبية بدولة فلسطين يعد خطأ فادحا ،لأن هذه الدولة ستكون بمثابة ألمانيا النازية حسب اعتقاده .وذلك في تناقض تام مع القرارات الأمنية ذات الصلة بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. بل ذهب إلى حد اهانة الرئيس الفرنسي ماكرون الذي طرح امكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. حين قال :على هذا الأخير أن يمنحهم دولة في ضواحي باريس. مذكرا إياه بما يعرف بقضية دريفوس التي تعود إلى سنة 1894 وما أحدثته من انقسام في المجتمع الفرنسي بين المعادين للسامية و مؤيديها.
من خلال هذا الحوار إذن يتبين مدى حذر المحاور الذي كان همه الأساسي هو إتاحة الفرصة لنتانياهو للتعبير عن سردينه للصراع. ولم يقم بمحاصرته عبر أسئلة فرعية كانت تتطلبها طبيعة الأجوبة المستفزة للمتتبع الموضوعي، وذلك إما خوفا من أن يتهم بمعادات السامية أو تعاطفا معه أو الاثنين معا.
ثانيا أن أجوبة رئيس الحكومة الإسرائيلية وبغض النظر على ما تحمله من مواقف عنصرية وعدائية للشعب الفلسطيني وللعرب والمسلمين . و بغض النظر عن استهتاره بالقرارات الأممية و بمحكمة لاهاي و الجنائية الدولية التي رفض قرار طلب مدعيها العام بإصدار مذكرة توقيف في حقه.و اعتبره يشكل هجوما صارخا على الديموقراطية الإسرائيلية الوحيدة في المنطقة. و يساوي بين كيان يدافع عن شعبه و يمارس سيادته على أرضه ، و بين إرهاب الفلسطينيين . إلا أن أهم ما يمكن استنتاجه هي الأسس التي تبني عليها إسرائيل سياساتها الخارجية المتمثلة في نهج دبلوماسية الابتزاز في علاقاتها مع الأوروبيين الذين تحملهم مسؤولية الاضطهاد التاريخي لليهود. وعليهم رد الدين بالمساعدات و التأييد اللامشروط في المحافل الأممية والدولية، رغم ما تقوم به من انتهاكات وجرائم في حق الشعب الفلسطيني أو في حق الشعوب الأخرى. . واذا كانت اسرائيل تعتمد هذه الاستراتيجية القائمة على الابتزاز مع الدول الغربية رغم الموقع الاعتباري لهذه الدول التي يرجع لها الفضل في زرع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط .فكيف لنا أن نتصور علاقة هذا الكيان بباقي دول العالم وخاصة الدول العربية التي طبعت علاقاتها به. علما ان هذا الكيان لا يراعي في علاقاته الدولية أي مصالح مشتركة للدول الأخرى . وليس له ما يقدمه من سواء من الناحية الاقتصادية خاصة وأنه يعتمد على المساعدات المالية الأمريكية التي ناهزت 260 مليار دولار فقط في الشق العسكري دون احتساب المساعدات الاقتصادية والتسهيلات التجارية، إضافة إلى مساعدات باقي دول العالم الغربي .أو حتى من الناحية الأمنية والعسكرية حيث أثبتت واقع الحرب على غزة على عجزه عن حماية نفسه من ضربات المقاومة لولا مساعدة الغرب الأطلسي له .. مع العلم كذلك ان دخوله إلى أي منطقة غالبا ما يكون بهدف بث النزاعات و التفرقة . وذلك اعمالا للقاعدة الثانية في سياسته الخارجية المتمثلة في بث التفرقة في محيطه الإقليمي بهدف الحفاظ على تفوقه و سيادته على المنطقة .وفي هذا السياق يمكن الاستدلال بكلمة وزير خارجيتها يائير لابيد التي ألقاها في غشت 1921 بحضور وزير الخارجية المغربي في الرباط والتي تهجم من خلالها على الجزائر وذلك بهدف زيادة منسوب التوتر في علاقة البلدين رغم ان هذا التصرف يعد منافيا لكل الأعراف الدبلوماسية.
ان هذا الحوار يعكس جوهر السياسة الخارجية للكيان الاسرائيلي المبنية على مبادئ تتراوح بين الابتزاز و ضبابية المواقف المقرونة بافتعال الأزمات. و للاستدلال أكثر عن ذلك نستحضر التوظيف السياسي الفج لتاريخ اضطهاد اليهود عبر العالم و حرصها على تعزيز قوانين معاداة السامية جعلها سيفا مسلطا على كل من انتقد إسرائيل في ما ترتكبه من جرائم في حق الشعب الفلسطيني .اضافة إلى الضبابية في إبداء المواقف المتمثلة في قوله ان سقوط مدني واحد يعد مسألة تراجيدية هذا في الوقت الذي يتباهى فيه بقتله ل50 الف فلسطيني إرهابي! في القطاع . كما تحدث عن السلام مع الفلسطينيين، في مقابل إعطاء الحق للمتطرفين اليهود في الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية بعد ان اسقط عنهم صفة المستوطنين،و دون ان يشير الى اي مقترح للحل يفضي الى قيام الدولة الفلسطينية.علما كذلك أن هذه الاستراتيجية المعتمدة من طرف اسرائيل ،المبنية على الضبابية في الإعلان عن الموقف المقرونة بالابتزاز وافتعال الازمات من اجل تسييد هيمنتها على محيطها الإقليمي هي من دفعته بمعية أمريكا إلى تفجير الصراعات الطائفية بمنطقة الشرق الاوسط . وتحويل بوصلة عداء الدول العربية نحو إيران ، و التحريض على الفتنة في لبنان الخ… كما أن هذه الاستراتيجية التي ينتجها الكيان هي من دفعته إلى ارتكاب أخطائه المقصودة اتجاه المغرب حين رفع أمام شاشة قناة LCI خارطة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تظهر الكيان كدولة ملائكية بلون السلام وسط محيط عربي وفارسي معاد ،و بألوان مغايرة من الأخضر إلى الأسود حسب درجات العداء بالنسبة له . كما أظهر خارطة المغرب مبتورة من أقاليمه الصحراوية، وهو التصرف الذي أصبح عادة لديه بعد أن تصرف بنفس الطريقة في أكتوبر من العام الماضي إبان استقباله لرئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، وذلك مباشرة بعد الرسالة التي وجهها للملك محمد السادس في يوليوز 2023 التي حسب الإعلام الرسمي المغربي يعترف فيها بمغربية الصحراء. .أن هذا التصرف المتكرر و المقصود ينسجم و مبدأ ضبابية الموقف المقرون بالابتزاز الذي تنهجه إسرائيل إزاء باقي دول العالم العربي والإسلامي .ولا يمكن اعتباره خطأ غير إرادي خاصة عندما يتعلق الأمر بزيارة رسمية، أو بحوار مع قناة دولية ،حيث يعمل طاقم الرئاسة ومستشاروه على كل التفاصيل الدقيقة لترتيب اللقاء أو الحوار.وذلك رغم الاستدراك المتكرر للناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية لهذه الزلة الخطيرة. أن الكيان الاسرائيلي يستفيد من عملية التطبيع المتقدم مع المغرب التي تتيح له إمكانية الحضور الأمني والعسكري في المنطقة المغاربية رغم ما يشكله هذا الحضور من توتر إضافي بين المغرب و الجزائر كبلد معادي لإسرائيل ورغم ما يحدثه من انقسام داخل الشعب المغربي . .كل هذا دون أن تقدم اسرائيل موقفا عمليا و ثابتا في دعم سيادة المغرب على صحرائه ،والذي كان سببا معلنا للتطبيع . أن الابتزاز الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي على المغرب لا حدود له خاصة إذا ما ربطنا هذا السلوك المتكرر في بتر الخارطة المغرب من طرف القيادة الإسرائيلية بالتصريح الذي سبق أن عبر عنه وزير خارجيته لابيد في يوليوز 2023 .حين ربط الاعتراف بمغربية الصحراء بضرورة استضافة المغرب لمنتدى النقب الذي يشمل الدول العربية المطبعة مع الكيان
خلاصة
من خلال تحليل هذا الحوار إذن . والوقوف عند طبيعة هذا الكيان التوسعي الذي يعتمد استراتيجية التفرقة و الضبابية في إبداء المواقف مع ممارسة كل أشكال الابتزاز مع محيطه الإقليمي والدولي. وكذا عدم التزامه بالمواثيق الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية و بالاتفاقيات الثنائية التي يعقدها مع الدول الأخرى. .اجدد موقفي في دعوة الدول المطبعة معه بما فيها المغرب إلى مراجعة علاقاته بهذا الكيان، الذي لن تجني منه االدولة المغربية أي مصلحة آنية أو استراتيجية خاصة أن علمنا أن كل ما وعد به من مساعدات للمغرب في مجال الصناعات العسكرية الخاصة بالطائرات المسيرة ، قد توقف بسبب حربه على غزة التي أظهرت عجزا في توفير الآليات والذخيرة ولجوءه الى أمريكا لسد العجز في ذلك ، وما بالك مساعدة الآخرين.اضافة الى الانعكاسات السلبية لهذه العلاقة على الوضع الداخلي خاصة إذا ما استحضرنا إحصائيات المعهد العربي للأبحاث والدراسات السياسية التي أجراها في يناير 2024 التي أظهرت نسبة كبيرة من المغاربة تقدر ب 78 % يناهضون التطبيع .و على العلاقة بين المغرب وجيرانه في محيطه المغاربي . هذا في الوقت الذي تتوفر فيه بدائل لدول قوية يمكن أن يعقد معها المغرب شراكات أمنية وصناعية و علمية مبنية على المصالح المشتركة ومبادئ احترام سيادة الدول والقانون الدولي ، وذلك دون سد الباب العودة عن اليهود المغاربة الغير المتصهينين المقيمين في باقي دول العالم .
طنجة في 7 يونيو 2024
د.تدمري عبد الوهاب