حوار الأفكار حول الانتخابات: هل مقترحات حزب التقدم والاشتراكية حل شامل أم طموح يصطدم بالواقع؟

تتناول الساحة السياسية المغربية، قبيل انتخابات مجلس النواب لعام 2026، نقاشاً محورياً حول مقترحات الإصلاح الانتخابي التي قدمها حزب التقدم والاشتراكية. هذه المقترحات، التي تُعد رؤية متكاملة وشجاعة، تهدف إلى معالجة تحديات عميقة في المشهد السياسي المغربي، لكنها تثير في الوقت نفسه تساؤلات حول مدى واقعيتها وإمكانيات تطبيقها في الأجل الزمني المحدد.

أزمة ثقة عميقة تتطلب مقاربة شاملة يُجمع كثيرون على أن النظام الانتخابي المغربي يواجه أزمة ثقة حقيقية تنعكس في أرقام العزوف الانتخابي المقلقة. فالمذكرة التي قدمها حزب التقدم والاشتراكية تشخص المشكلة بدقة، مشيرة إلى أن حوالي 18 مليون مغربي مؤهل للتصويت لا يشاركون، منهم 9 ملايين غير مسجلين و9 ملايين مسجلين لكنهم يمتنعون عن التصويت. يضاف إلى ذلك تفشي الفساد المالي واستغلال النفوذ، الذي برز بوضوح في انتخابات 2021، مما يقوّض مصداقية العملية الديمقراطية.

يرى مؤيدو المقاربة الشاملة أن المشاكل متشابكة وخطيرة، وأن أي محاولة لمعالجتها بشكل مجتزأ أو جزئي قد تكون مجرد “مسكنات مؤقتة” لا تعالج الأزمة من جذورها. ولذلك، قدم الحزب 72 إجراءً تفصيلياً موزعة على ثمانية محاور استراتيجية، تغطي كل جوانب العملية الانتخابية من محاربة الفساد وزيادة تمثيل النساء والشباب والكفاءات إلى الاستفادة من الرقمنة. هذه الشمولية تُعتبر “ضرورة منهجية” لتحقيق “نقلة نوعية” في الممارسة الديمقراطية.

مقترحات بناءة ومحددة تعزز الثقة تتضمن مذكرة الحزب العديد من المقترحات التي حظيت بالترحيب، منها :

تجريم شراء الأصوات: اعتبار شراء الأصوات واستمالة الناخبين بالمال أو الهدايا جناية يعاقب عليها القانون بعقوبات حبسية وغرامات مشددة، مع عدم استفادة المدانين من ظروف التخفيف.

استخدام البصمة الإلكترونية: للتحقق من هوية المصوتين والتوقيع على لائحة الحضور، مما يزيد من ضمانات النزاهة.

الرقمنة الشاملة: التوجه نحو رقمنة كاملة للعملية الانتخابية، من التسجيل في اللوائح إلى فرز الأصوات وإعلان النتائج، لتعزيز الشفافية والسرعة وتقليل الأخطاء البشرية والتلاعب [31، 34]. هذه الرقمنة تُعتبر “ثورة حقيقية” في مفاهيم الشفافية والنزاهة، وتتصدى أيضاً للتحديات الجديدة مثل سوء استخدام الذكاء الاصطناعي في تزييف المعلومات.

تعزيز تمثيل النساء والشباب: رفع تمثيل النساء في البرلمان إلى الثلث كحد أدنى (خطوة نحو المناصفة)، وعودة لائحة الشباب، وإلزام الأحزاب بوضعهم على رأس القوائم المحلية، وتوفير تمويل إضافي لدعم حملاتهم.

زيادة التمويل العمومي للأحزاب: مضاعفة مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية، مع ربط جزء منه بتحقيق أهداف التمثيلية الخاصة بالنساء والشباب، مما يعزز تكافؤ الفرص ويحد من المال المشبوه.

الطموح يصطدم بالواقع: تحديات التنفيذ والجدول الزمني على الرغم من أهمية المقترحات، يبرز تيار آخر يشدد على أهمية الواقعية في التنفيذ. فتقديم 72 إجراء دفعة واحدة، ومحاولة تغيير ثمانية محاور أساسية في المنظومة الانتخابية قبل انتخابات 2026، يطرح تحديات كبيرة. فالقوانين الانتخابية تتطلب مساراً تشريعياً ومناقشات وتوافقات، ويجب أن تصدر قبل نهاية عام 2025 لتطبيقها في 2026، وهو “جدول زمني ضيق جداً” لمثل هذه التغييرات الجذرية.

يُطرح التساؤل حول قدرة الإدارة المغربية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وحتى المواطنين، على استيعاب وتطبيق كل هذه التغييرات في أقل من سنتين. فبعض المقترحات تحمل تعقيدات عملية وتصطدم بمبادئ قانونية:

منع المشتبه بهم من الترشح: فكرة منع المتورطين أو المشتبه بهم في قضايا الفساد المالي من الترشح قبل صدور حكم قضائي نهائي، رغم نبل الهدف، قد تصطدم بمبدأ “قرينة البراءة” وتفتح الباب “لاتهامات كيدية واستغلال سياسي للقضاء”.

تحديات الرقمنة الشاملة: على الرغم من إيجابياتها، فإن تطبيق الرقمنة الشاملة قبل 2026 يواجه تحديات ضخمة تتعلق بالبنية التحتية التكنولوجية، والأمن السيبراني، والتدريب المكثف، ومخاطر “الفجوة الرقمية” التي قد تستبعد فئات معينة من التصويت.

مضاعفة تمويل الأحزاب: تخصيص مبالغ مالية ضخمة من الميزانية العامة يتطلب آليات رقابة مالية صارمة وشفافة للغاية لضمان عدم تحولها إلى “ريع جديد لبعض الأحزاب بدون أثر حقيقي”.

يُقترح بدلاً من المقاربة الشاملة الفورية، التركيز على عدد أقل من الإصلاحات الجوهرية التي تحظى بشبه توافق وتأثيرها مباشر وسريع، مثل تشديد العقوبات على الفساد الانتخابي وتبسيط إجراءات التسجيل وضمان النزاهة المطلقة للإشراف على الانتخابات. تحقيق نجاحات ملموسة في هذه الجوانب يمكن أن يبني جسراً من الثقة ويفتح الباب لإصلاحات أعمق وأشمل في مراحل لاحقة.

خاتمة: دعوة لحوار متوازن لتعزيز المسار الديمقراطي في الختام، تمثل مقترحات حزب التقدم والاشتراكية رؤية شاملة وجديرة بالتقدير لإصلاح منظومة انتخابية تعاني من تحديات مزمنة. لكن النقاش الصحي والمطلوب يستمر حول أفضل الطرق وأكثرها واقعية وقابلية للتطبيق لتحقيق هذه الأهداف النبيلة. يجب الموازنة بحكمة بين الطموح الكبير للتغيير وبين القدرة الفعلية على التنفيذ الناجح والمستدام، لضمان أن أي إصلاحات يتم إقرارها تكون “قابلة للتطبيق وتؤدي لنتائج حقيقية وملموسة يستفيد منها المواطن المغربي وتساهم في تعزيز المسار الديمقراطي في البلاد”. ويؤكد الحزب على أن هذه الإصلاحات ليست مجرد تدابير تقنية بل هي قضية مجتمعية مصيرية تتطلب حواراً وطنياً واسعاً ودوراً محورياً للإعلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!