حكم قاطع في فضيحة الاختلاس الكبرى: سنوات حبس وغرامات مالية ثقيلة على المسؤولين السابقين في شركة عمرانية

فاس – 12 نونبر 2025

في تطور دراماتيكي يعكس صرامة القضاء المغربي في مكافحة الفساد، أصدرت محكمة الاستئناف بفاس، يوم أمس الاثنين 11 نونبر 2025، حكماً نهائياً في ملف قضائي مثير للجدل يتعلق باختلاس وتبديد أموال عامة بملايين الدراهم.

القضية، المسجلة تحت الرقم 37/2025 بقسم جرائم الأموال العامة، تشمل اثني عشر متهماً سابقاً في مناصب إدارية وفنية بإحدى الشركات العمرانية التابعة للدولة، وتكشف عن شبكة معقدة من الممارسات غير القانونية التي أضرت بالمصلحة العامة. وفقاً للمعطيات الرسمية الصادرة عن المحكمة، برئ المدعون العامون بأدلة دامغة تشمل وثائق إدارية مزورة وصفقات غير تعاقدية، مما أدى إلى خسائر مالية هائلة تقدر بمئات الملايين من السنتيمات.

الاتهامات الرئيسية تركز على جناية الاختلاس والتبديد، إلى جانب التزوير في الشواهد الإدارية واستعمالها، إقصاء المنافسين بأساليب احتيالية، استغلال النفوذ الوظيفي، وأخذ فوائد شخصية من مؤسسة عامة يتولى أحد المتهمين إدارتها. كما شملت التهم المشاركة في هذه الجرائم، مما يعكس طابعاً جماعياً للعملية. في جلسة استمرت ساعات، حكمت المحكمة بأحكام متفاوتة تعكس درجة التورط لكل متهم، مع التركيز على العقوبات النافذة لضمان ردع الفاسدين.

إليكم تفاصيل الأحكام الرئيسية:

المتهم الرئيسي، الذي يُعتبر المدير السابق للشركة: أُدين بثماني سنوات سجناً نافذاً، إلى جانب غرامة مالية قدرها 100 ألف درهم. يُتابع هذا المتهم في حالة اعتقال منذ بداية التحقيقات.

اثنان من المسؤولين الإداريين المتورطين: حُكم عليهما بعام واحد من السجن النافذ، مع غرامة 20 ألف درهم لكل منهما. يتابعان القضية في حالة سراح.

مسؤول آخر عن التبديد المباشر: أُدين بثلاث سنوات سجناً نافذاً وغرامة 50 ألف درهم، وهو في حالة اعتقال.

متهم مشارك في الاختلاس والتزوير: حُكم عليه بعام واحد سجناً نافذاً وغرامة 30 ألف درهم، مع متابعة القضية في حالة اعتقال.

مسؤول فني آخر: أُدين بعام واحد سجناً نافذاً وغرامة 100 ألف درهم، ويتابع في سراح.

مهندس متورط في الشبكة: حُكم عليه بخمس سنوات سجناً نافذاً وغرامة 100 ألف درهم، مع متابعة في سراح.

أما الأربعة المتبقون، الذين تورطوا في مشاركات أقل خطورة أو لم تثبت التهم ضدهم بشكل كامل، فقد برئوا من جميع التهم، مما يبرز دقة التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة بالتعاون مع هيئات رقابة الدولة.

يُذكر أن ثلاثة من المُدانين الرئيسيين (بما في ذلك المدير السابق والمسؤول عن التبديد) يتابعون الإجراءات في حالة اعتقال احتياطي، بينما الباقون في سراح مؤقت.

هذا الحكم يأتي بعد جلسات استئنافية شهدت مرافعات حادة من الدفاع، الذي طالب بالبراءة الكاملة، مقابل مطالب النيابة بتعزيز العقوبات لردع أي محاولات مستقبلية.

سياق القضية: فضيحة تهز القطاع العمراني

تعود جذور هذه القضية إلى تحقيقات أُطلقت في أوائل العام الحالي، بعد كشف لجن رقابية عن صفقات مشبوهة في إحدى الشركات العمرانية الإقليمية، مسؤولة عن مشاريع بنية تحتية في المناطق الشرقية. التحقيقات كشفت عن آليات احتيالية لإقصاء المنافسين، وتزوير وثائق لصالح مقاولين مقربين، مما أدى إلى تبديد أموال عامة كانت مخصصة لمشاريع تنموية.

الخسائر المالية، التي تُقدر بأكثر من 61 مليار سنتيم، أثارت غضباً شعبياً واسعاً، ودفعت السلطات إلى تسريع الإجراءات القضائية كجزء من حملة مكافحة الفساد الوطنية.

خبراء قانونيون يرون في هذا الحكم خطوة إيجابية نحو تعزيز الشفافية في القطاع العام، لكنهم يحذرون من ضرورة استكمال التحقيقات لاسترداد الأموال المُبددة. “هذا ليس مجرد عقاب فردي، بل إشارة قوية إلى أن الدولة لا تتهاون مع من يخون ثقة المواطنين“، قال أحد المحللين السياسيين، مشيراً إلى أن القضية قد تفتح الباب لمزيد من التحقيقات في صفقات مشابهة.

مع اقتراب نهاية العام، يبقى هذا الحكم شاهداً على التزام المغرب بمبادئ الحكامة الجيدة، وسط آمال في أن يُعيد الثقة في المؤسسات العامة. المتابعون ينتظرون الآن إمكانية الاستئناف أمام محكمة النقض، لكن الرسالة واضحة: الفساد ليس خياراً.

GiL24 تتابع التطورات، وتدعو القراء إلى مشاركة آرائهم في تعليقاتنا. هل يُعتبر هذا الحكم كافياً لردع الفاسدين؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!