“حرب الـ12 يومًا”: تحليل استراتيجي للصراع الإسرائيلي-الإيراني وتداعياته

دمشق، 17 يوليو 2025
شهدت منطقة الشرق الأوسط في يونيو 2025 تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى، فيما عُرف بـ”حرب الـ12 يومًا”، التي شملت عمليتي “الأسد الصاعد” و”مطرقة منتصف الليل”. هذه العمليات، التي استهدفت برنامج إيران النووي وقادتها العسكريين والعلميين، كشفت عن تعقيدات جيوسياسية وقانونية تتطلب تحليلًا عميقًا لفهم أبعادها وتداعياتها.

بدأ النزاع حول البرنامج النووي الإيراني عام 1981، عندما طالبت الجمهورية الإسلامية باليورانيوم المخصب الذي وعدت به فرنسا في إطار برنامج “الذرة من أجل السلام” الأمريكي. رفض فرنسا تسليم اليورانيوم بعد الثورة الإيرانية أدى إلى توترات، تصاعدت إلى هجمات نفذتها فصائل لبنانية مرتبطة بإيران ضد دبلوماسيين أمريكيين وإسرائيليين في باريس. وتفاقم الخلاف مع فرض مجلس الأمن الدولي قرارات (1737 و1747 عام 2006، و1929 عام 2010) تتهم إيران بتطوير أسلحة نووية، رغم دعم غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لموقف طهران بأن برنامجها النووي يهدف إلى أغراض سلمية.

تصاعدت الأزمة مع إطلاق الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد برنامجًا لأبحاث الاندماج النووي، الذي يمكن أن يكون له تطبيقات عسكرية ومدنية. هذا البرنامج، الذي اعتبرته إسرائيل تهديدًا وجوديًا، أثار مخاوف “الصهيونية التنقيحية” (أتباع فلاديمير جابوتنسكي)، التي نجحت في التأثير على الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر مديرها رافائيل غروسي.

فقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مصداقيتها خلال هذا الصراع، بعد اعتمادها على برمجية “موزاييك” المدعومة بالذكاء الاصطناعي بدلاً من تقارير مفتشيها. هذه البرمجية، التي طورتها شركة “بالانتير تكنولوجيز” المرتبطة بجهات استخباراتية أمريكية وإسرائيلية، قدمت تحذيرات بناءً على بيانات غير مؤكدة، تم تفسيرها على أنها دليل على سعي إيران لامتلاك سلاح نووي. في 12 يونيو 2025، اعتمد مجلس محافظي الوكالة قرارًا يشكك في سلمية البرنامج الإيراني، مما مهد الطريق للتصعيد العسكري.

في يونيو 2025، شنت إسرائيل عملية “الأسد الصاعد”، بدعم من بيانات الأقمار الصناعية الأمريكية، مستهدفة مراكز البحث النووي الإيراني، وأنظمة الصواريخ الباليستية، وقادة عسكريين وعلماء نوويين. هذه العملية تضمنت اغتيالات باستخدام طائرات مسيرة، أثارت تساؤلات حول شرعيتها بموجب القانون الدولي. وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر برر العملية بأنها تهدف إلى “تحييد تهديد نووي وصاروخي وشيك”، لكن استهداف العلماء المدنيين والصواريخ الباليستية يشير إلى أهداف أوسع تتجاوز البرنامج النووي.

في الوقت ذاته، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عملية “مطرقة منتصف الليل” لتدمير ثلاثة مواقع نووية إيرانية باستخدام قنابل GBU-57 القادرة على اختراق التحصينات. هذه العملية جاءت بعد تقارير استخباراتية، نفاها مدير الاستخبارات القومية تولسي غابارد، حول نية إيران تصنيع قنبلة نووية خلال أسبوعين. ويبدو أن ترامب دعم العملية لتجنب هجوم إسرائيلي نووي محتمل (“خيار شمشون”).

أثارت “حرب الـ12 يومًا” تساؤلات حول التزام إسرائيل والولايات المتحدة بالقانون الدولي. فقد وصف السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون العملية بأنها “حرب وقائية”، وهو مصطلح يناقض مبادئ القانون الدولي التي تحظر العدوان دون تهديد مباشر. كما أن استمرار فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في فرض عقوبات على إيران، رغم إلغاء الأمم المتحدة لها في يوليو 2023، يعتبر انتهاكًا لاتفاق فيينا (JCPOA).

على الصعيد الاستراتيجي، عكست العمليات تنسيقًا وثيقًا بين إسرائيل والولايات المتحدة، مع دور بارز للدول الأوروبية في تهيئة المناخ السياسي عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك، فإن استهداف العلماء المدنيين والبنية التحتية الإيرانية، بما في ذلك مخزونات الوقود، أثار انتقادات دولية، خاصة من روسيا والصين، اللتين اتهمتا الغرب بازدواجية المعايير.

أثارت تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، في أبريل 2025، جدلًا واسعًا، حيث حذر من “مواجهة عسكرية حتمية” إذا فشل اتفاق فيينا، متهمًا إيران بالسعي لامتلاك سلاح نووي. هذه التصريحات، التي عكست تأثير “الصهاينة التنقيحيين”، جاءت بدعم من بنيامين حداد، المرتبط بصندوق تيكفا التابع لإليوت أبرامز، الذي يروج لسياسات إسرائيلية متشددة في أوروبا.

كشفت “حرب الـ12 يومًا” عن هشاشة النظام الدولي في التعامل مع الصراعات النووية، حيث أدى التلاعب بتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تصعيد غير مبرر. ورغم إعلان كل من إسرائيل والولايات المتحدة وإيران انتصارها، فإن النتائج الفعلية للعمليات تبقى غامضة، مع تأكيد أضرار محدودة على المواقع النووية واغتيال قادة عسكريين وعلماء.

هذا الصراع يعكس تنافسًا أعمق على السيطرة الإقليمية، حيث تبرز إيران كقوة تسعى لتأكيد حقها في البحث العلمي، بينما تواصل إسرائيل والغرب فرض رؤيتهما للأمن الإقليمي. المستقبل يعتمد على قدرة الأطراف على تجنب التصعيد وإعادة بناء الثقة عبر الحوار، وإلا فإن المنطقة قد تنزلق نحو مواجهات أكثر خطورة.المصدر: مقال “خلف حرب الـ12 يومًا” لتييري ميسان، شبكة فولتير، يونيو 2025.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!