حجب موقع “ذا واير” الإخباري في الهند: هجوم على حرية الصحافة وسط تصاعد التوتر مع باكستان

في خضم تصاعد التوترات العسكرية بين الهند وباكستان، واجهت الصحافة الهندية هجومًا جديدًا على حريتها، حيث قامت الحكومة الهندية بحجب موقع “ذا واير” الإخباري الرقمي يوم الجمعة 9 ماي 2025، دون إشعار مسبق أو توضيح رسمي.
هذا الإجراء، الذي وصفه مؤسس الموقع، سيدهارت فاراداراجان، بأنه “تصعيد خطير”، يثير تساؤلات حول مستقبل حرية الصحافة في الهند، خاصة في ظل الصراع المستمر حول كشمير والسياسات القمعية للحكومة بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
خلفية الحجب: توتر عسكري وسياسي
اندلع التوتر الأخير بين الهند وباكستان في أعقاب هجوم إرهابي في 22 أبريل 2025 في وادي باهالغام بكشمير الخاضعة للإدارة الهندية، أسفر عن مقتل 26 شخصًا. ردت الهند بعملية “سيندور” العسكرية في 7 ماي، التي استهدفت تسعة معسكرات إرهابية في باكستان وكشمير الخاضعة لسيطرة باكستان، مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 مسلح، وفقًا للجيش الهندي. تصاعدت الأعمال العدائية بين البلدين النوويين، مع تبادل إطلاق نار عبر الحدود وهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ، وهو ما وصف بأنه أخطر مواجهة منذ عقود.
في خضم هذا التصعيد، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 10 ماي أن إدارته توسطت في وقف إطلاق نار بين البلدين، والذي بدأ في الساعة الخامسة مساءً بالتوقيت الهندي. ورغم استمرار التوترات، يبدو أن الهدنة صمدت إلى حد كبير، مع تقارير عن هدوء نسبي على الحدود في جامو وكشمير والبنجاب. ومع ذلك، أثارت تصريحات ترامب، التي تضمنت عروضًا للتوسط في قضية كشمير وزيادة التجارة مع البلدين، جدلاً في الهند، حيث رفضت نيودلهي أي تدخل خارجي، مؤكدة أن الاتفاق تم مباشرة بين البلدين.
حجب “ذا واير”: هجوم غير مسبوق
في صباح 9 ماي، تفاجأ قراء “ذا واير”، وهو منصة إخبارية مستقلة تأسست عام 2015، بعدم قدرتهم على الوصول إلى الموقع داخل الهند. لم تتلق إدارة الموقع أي إشعار رسمي من الحكومة، واكتشف الحجب من خلال تنبيهات القراء والزملاء، كما أوضح فاراداراجان في مراسلة عبر البريد الإلكتروني. تم تنفيذ الحجب من خلال تعليمات الحكومة لمزودي خدمات الإنترنت بحظر نطاق الموقع بالكامل (thewire.in)، وهو إجراء اقتصر على الهند، حيث ظل الموقع متاحًا خارج البلاد وعبر شبكات VPN.
بعد التواصل مع وزارتي تكنولوجيا المعلومات والإعلام والبث، تلقت إدارة الموقع ردًا في الساعة 9:40 مساءً، يفيد بأن الحجب جاء بسبب مقال يستند إلى تقرير لشبكة CNN، نقل عن مسؤول استخباراتي فرنسي ادعاء إسقاط باكستان لطائرة رافال هندية خلال اشتباك جوي ليلة 7-8 ماي.
طالبت الوزارة بحذف المقال كشرط لرفع الحجب، وهو ما امتثلت له إدارة الموقع تحت الاحتجاج، مع الاحتفاظ بحق اللجوء إلى القضاء لاستعادة المقال. تم رفع الحجب صباح 10 ماي، لكن بعض القراء ظلوا غير قادرين على الوصول إلى الموقع لأكثر من 12 ساعة إضافية.
سياق الحجب: أزمة حرية الصحافة
يأتي حجب “ذا واير” في سياق أوسع لتدهور حرية الصحافة في الهند، حيث احتلت البلاد المرتبة 161 في مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 الصادر عن “مراسلون بلا حدود”، بانخفاض مستمر خلال السنوات الأخيرة. وتشير المنظمة إلى أن القوانين تُستخدم بشكل متزايد لقمع الإعلام، مع تزايد حالات الاعتقال والترهيب ضد الصحافيين، خاصة في جامو وكشمير، التي شهدت قيودًا مشددة منذ إلغاء الحكومة للحكم الذاتي في 2019. في كشمير، يواجه الصحافيون مضايقات مستمرة، بما في ذلك استدعاءات لتبرير تقاريرهم أو منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتهديدات بالاعتقال أو الاحتجاز الوقائي.
لم يكن حجب “ذا واير” الحادثة الوحيدة خلال الصراع. فقد طلبت الحكومة الهندية من منصة X حظر أكثر من 8000 حساب في 8 ماي، بما في ذلك حساب تابع لـ”BBC Urdu”، كما تم حظر حساب إنستغرام لمنصة “Muslim” الأمريكية وعدة قنوات يوتيوب باكستانية، بما في ذلك منصات إعلامية رئيسية.
وفي وقت سابق، تعرض موقع “كشمير والا” لحجب في 2023، مما يعكس نمطًا متكررًا من الرقابة ضد المنصات التي تنتقد سياسات الحكومة.
رد فعل “ذا واير” والتحديات القانونية
أكد فاراداراجان أن الموقع يواصل النشر عبر موقعه الرسمي للقراء خارج الهند وأولئك الذين يستخدمون VPN، بالإضافة إلى قناته على يوتيوب وموقع مرآة تم إنشاؤه لتجاوز الحجب. ويخطط الموقع لمواجهة هذا الإجراء قانونيًا، حيث يعمل محاموه على صياغة استراتيجية للدفاع عن الحقوق الدستورية.
ومع ذلك، أشار فاراداراجان إلى أن اللجوء إلى المحاكم قد يكون عملية طويلة، مما دفع الموقع للامتثال المؤقت لرفع الحجب مع الاحتفاظ بحق الطعن.
يواجه الموقع تحديات إضافية، حيث أدى الحجب إلى تعطيل صفحة التبرعات، مما قلل من قدرته على جمع الدعم المالي من القراء. ومع ذلك، يظل فاراداراجان متفائلًا بأن المحاكم العليا في الهند لن تتغاضى عن هذا “الهجوم على حرية الصحافة”، مشيرًا إلى أن الحكومة أرسلت رسالة واضحة بقدرتها على شل عمل أي موقع إخباري.
تحليل سياسي: مودي والصحافة
لا يُعد حجب “ذا واير” مفاجئًا في ظل سياسات حكومة مودي، التي واجهت انتقادات متكررة بسبب تقييد حرية الإعلام. فقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في استخدام القوانين، مثل قانون تكنولوجيا المعلومات، لفرض رقابة على وسائل الإعلام الرقمية.
ويُنظر إلى هذا الحجب كجزء من استراتيجية أوسع للسيطرة على الرواية الإعلامية خلال الأزمات، خاصة في سياق الصراع مع باكستان، حيث تسعى الحكومة لتجنب التقارير التي قد تُظهر ضعفًا عسكريًا أو تثير انتقادات داخلية.
تُبرز القضية أيضًا حساسية قضية كشمير، التي تُعد نقطة خلاف مركزية بين الهند وباكستان. رفضت الهند باستمرار أي تدخل خارجي في النزاع، كما تجلى في عدم تعليقها على عروض ترامب للتوسط. ومع ذلك، فإن حجب تقرير يتعلق بمزاعم عسكرية قد يُفسر كمحاولة لإخفاء نقاط ضعف محتملة أو تجنب إحراج الحكومة، خاصة في ظل الجدل حول فعالية عملية “سيندور”.
تداعيات وتوقعات
يُمثل حجب “ذا واير” سابقة خطيرة، حيث يُعد الموقع منصة إعلامية رئيسية معروفة بتغطيتها النقدية. ومع استمرار التوترات مع باكستان، قد تواجه وسائل الإعلام المستقلة المزيد من القيود، خاصة تلك التي تتناول قضايا حساسة مثل كشمير أو الأداء العسكري. وتظل الآمال معلقة على المحاكم العليا للدفاع عن حرية الصحافة، لكن التجارب السابقة، مثل قضية “كشمير والا”، تشير إلى تحديات قانونية معقدة.
في الوقت الحالي، يواصل “ذا واير” تغطيته للتطورات بين الهند وباكستان بحذر ومسؤولية، كما أكد فاراداراجان، مع التأكيد على دوره في مكافحة التضليل.
ومع ذلك، فإن هذه الحادثة تُلقي بظلال ثقيلة على مستقبل الصحافة المستقلة في الهند، حيث تُظهر استعداد الحكومة لاستخدام سلطاتها لخنق الأصوات الناقدة في أوقات الأزمات.