جمهورية الصعاليك

في خطاب المسيرة سنة 1975 قال الحسن الثاني رحمه الله : شعبي العزيز ان لم تسترجع صحراءك اليوم ، فانك ستصير قصير الظل ،هزيل الوزن ، ضعيف الكلمة
ان قضية الصحراء المغربية هي قضية وجود ، و محل اجماع امة ، وحقيقة جغرافية وتاريخية وسيادية وعمق ديني . كما انها بالدرجة الاولى استكمال لاسترجاع المغرب لاراضيه من الغاصب الاسباني ، وارهاصا لبوءس المواقف الايديولوجية للتيار الماركسي اللنيني من النظام الملكي المغربي ، وتخندقه مع الجارة الجمهورية الجزائرية ذات التوجه الاشتراكي لارهاق المغرب ، والانقضاض عليه في اول فرصة متاحة ، في اطار استراتيجية سوفييتية في منطقة المغرب الكبير ، تستعمل فيها كل من جمهورية مصر العربية والجمهورية الليبية والجمهورية الجزائرية ، والمعارضة اليسارية المغربية وبعض ضباط الجيش المغربي ، كجبهة متقدمة للمواجهة والدعم والتمويل والمناورة .
انتهج المغرب سياسة الاجماع الوطني لتقوية الاجماع الوطني حول الصحراء المغربية ، وتوحيد جميع الاتجاهات السياسية من يمين ويسار وطني واسلاميين وقوميين ، ثم التحالف الاستراتيجي مع الغرب الراسمالي وخاصة الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ، و دور الهندسة العسكرية للجيش الملكي الذي استفاد من مشاركته في حرب الجولان ، اذ التقط فكرة الجدار الامني الاستراتيجي ، ومسالة الدفاع الاستباقي داخل مناطق عازلة تقيها المساس بالتراب الحدودي للجارتين الجزاءر و موريتانيا ، واحتراما للقانون الدولي وادارة الازمات الدولية.
ما يستنتج من هذه المشكلة المفتعلة من طرف الجارة الجزائر ، والتي نرتبط معها باتفاقية افران لترسيم الحدود لسنة 1979 , وكذا التزامنا الاخلاقي والمساندة الميدانية والدعم السياسي والديبلوماسي لثورتها التحريرية ، ان هذه القضية اضعفت الجمهورية الجزائرية وورطتها في مشكلة سياسية اربكت نموها السياسي والاقتصادي ، والبناء الدستوري لثورتها الوليدة والتي يصفها رئيس حزب التجديد الجزائري نور الدين بوكروح بالجمهورية التي لا تملك تراثا دستوريا مكتوبا وتقليدًا سياسيا وموسسات سياسية ضاربة في التاريخ ، انها حسب تعبيره الجمهورية الفاقدة للهوية السياسية والدستورية les naufragés de l histoire.
فصناعة هذا الكيان المائع من طرف الجزائر فوت عليها فرصا كثيرة للاستثمار والنمو وفتح اسواق جديدة لراسمالها الوطني ، مما جعل منها حبيسة جغرافيتها المشتعلة القابلة للانفجار والتشتت واعادة التشكل من جديد ، فضعف الجزائر في جغرافيتها ، وهيمنة مؤسستها العسكرية على السياسة والاجتماع ، نظرا لغياب الرؤية السياسية والبعد الاستراتيجي ، و تأخر انتاج نخبة سياسية مدنية ، والتكامل مع دول الجوار ، اذ اصبحت دولة انتاج ازمات ومصدرة للقلاقل السياسية ، الامر الذي يزعج الجوار السياسي مع دول المغرب العربي ودول الساحل الافريقي ، كاستعمال مرتزقة البوليساريو في الهجوم على موريتانيا مابين 1975 و 1979 وابتزازها كي تفتح أراضيها للولوج الى منطقة المحيط الاطلسي …. ما لم تفهمه الموسسة العسكرية الحاكمة للجزائر ان حسن ادارة المملكة المغربية لعبقريتها الجغرافية ، عاد عليها بالاستقرار السياسي وارتفاع معدلات النمو ، وفك العزلة داخل الداءرة الافريقية وبناء جبهتها الداخلية ، اذ صارت تتقدم داءما بخطوة عن فرقائها السياسيين ، فتجدها تفاوض وتناور وتتحالف وتتناوب سياسيا مع اليسار والاسلاميين والوطنيين . اما العامل الثاني الذي اضعف الجارة الجزاير ، التراجع الايديولوجي لليسار وانهيار الاتحاد السوفياتي ، وفشل الجيش في ادارة الانتقال السياسي وادخال البلد في مواجهة داخلية ، الى جانب انكسار دول الطوق مع الربيع العربي وفشل هذه الانظمة في الاحتفاظ بهيمنتها على الاستمرار في حكم جمهورية ليبيا وجمهورية مصر العربية ، واخيرا ارتباكها في ادارة الصراع الساسي وازمة الشرعية و المشروعية مع الحراك .
كان على الجمهورية الجزائرية ان تتجه الى ادارة المنافسة والتكامل مع المملكة المغربية ، والابتعاد قدر الامكان عن صعاليك المخيمات وقطاع الطرق ، وتستجمع اطيافها السياسية والاقتصادية وتدخل في سلاسل التوريد الجديدة بالمحيط الاطلسي و المتوسطي وافريقيا ، اذ ان هذه المناطق اصبحت محل استقطاب للقوى الدولية الكبيرة ، وبداءل للهيمنة الصينية .وتعلم جيدا ان جلب الروس الى اراضيها سيجعلها رهينة هذا المارد المدمر وبالتالي تدفع بشعبها الى مواجهتها والاستعداء مع مؤسستها العسكرية . ففرصة الجزاءر في محيطها المغاربي ودائرتها الافريقية اولا ، ثم دائرتها العربية والاسلامية ، وان تناى بنفسها على التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها ، وتتخلص من لعنة الصعاليك في الخيمات .

كاسة البشير مونبليي 07/05/2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى