ثورة الشباب في نيبال: صرخة ضد الفساد والقمع

كاتماندو، 12 سبتمبر 2025
تشتعل شوارع العاصمة النيبالية كاتماندو بالغضب والأمل، حيث يقود جيل الشباب، المعروف بجيل Z، احتجاجات غير مسبوقة تهز أركان الحكومة وتكشف عن جروح عميقة في النسيج السياسي والاجتماعي للبلاد. ما بدأ كاحتجاج سلمي ضد حظر وسائل التواصل الاجتماعي تحول إلى انتفاضة شعبية ضد الفساد المستشري، المحسوبية، والبطالة التي تُخنق أحلام الشباب. في غضون أيام، أصبحت نيبال مسرحًا لمواجهة تاريخية بين الشعب والسلطة، مع تداعيات تهدد بإعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد وربما المنطقة بأسرها.
جذور الأزمة: شرارة الغضب
بدأت الاحتجاجات في 8 سبتمبر 2025، عندما فرضت الحكومة النيبالية حظرًا على أكثر من 26 منصة تواصل اجتماعي، بما في ذلك فيسبوك، إكس، يوتيوب، وواتساب، بدعوى عدم تسجيل هذه المنصات لدى السلطات. لكن هذا القرار لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير. فالشباب، الذين يشكلون أكثر من 40% من سكان نيبال، يعانون من بطالة مرتفعة (20.8% للفئة العمرية 15-24 عامًا)، وفقر مدقع، ونظام سياسي يهيمن عليه الفساد والمحسوبية. بينما يعيش أبناء النخبة السياسية حياة الرفاهية، يواجه الشباب النيبالي مستقبلًا غامضًا، مما أشعل فتيل الغضب.
من السلمية إلى العنف
كانت الاحتجاجات في بدايتها سلمية، حيث خرج الطلاب والشباب إلى شوارع كاتماندو ومدن أخرى مثل بوخارا وبيراتناغار، حاملين شعارات تطالب بالحرية والعدالة. لكن الاستجابة الحكومية كانت قاسية، حيث استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 30 متظاهرًا، بينهم طلاب في زيهم المدرسي، وإصابة أكثر من 633 آخرين. هذا القمع أشعل موجة جديدة من العنف، حيث اقتحم المتظاهرون مبانٍ حكومية رمزية مثل قصر سينغا دوربار، مقر البرلمان، والمحكمة العليا، وحرقوها. كما استهدفوا فنادق فاخرة ومكاتب إعلامية، في إشارة إلى رفضهم للنخبة الحاكمة ومؤسساتها.
استقالة الحكومة وفراغ السلطة
تحت وطأة الاحتجاجات، اضطر رئيس الوزراء كي.بي شارما أولي، زعيم الحزب الشيوعي الموحد الماركسي اللينيني، إلى تقديم استقالته في 9 سبتمبر، برفقة أربعة وزراء آخرين. هذه الخطوة جاءت بعد حرق مبنى البرلمان ومكتب رئيس الوزراء، في دلالة واضحة على فقدان الحكومة لشرعيتها في عيون الشعب. لكن الاستقالة لم تهدئ الشارع، بل زادت من حدة المطالب بحل البرلمان، تشكيل حكومة انتقالية بقيادة رئيس محكمة عليا سابق، وإجراء انتخابات جديدة.
تدخل الجيش وحالة الطوارئ
في 10 سبتمبر، تدخل الجيش النيبالي للسيطرة على الوضع، مفروضًا حظر تجول وطنيًا وسط شوارع كاتماندو المضطربة. الجيش، الذي أعلن دعمه للسلام، اتهم بعض المتظاهرين بالنهب والتخريب، واعتقل 27 شخصًا. في ظل غياب قيادة سياسية واضحة، يبدو أن الجيش يدير الوضع مؤقتًا، مما يثير مخاوف من احتمال تحول الأزمة إلى حكم عسكري مؤقت.
مطالب الشباب: إعادة بناء النظام
لم تتوقف الاحتجاجات عند المطالبة برحيل الحكومة، بل تطورت إلى رؤية شاملة لإصلاح النظام السياسي. يطالب المتظاهرون بمحاكمة المسؤولين عن قتل المتظاهرين، وإلغاء الحظر على وسائل التواصل الاجتماعي، ومعالجة الفساد والمحسوبية. عبر منصات مثل ديسكورد، يناقش آلاف الشباب خطواتهم المستقبلية، فيما يعكس تنظيمهم الذاتي قوة جيل جديد يرفض الصمت.
تداعيات إقليمية ودولية
تقع نيبال في موقع استراتيجي بين الهند والصين، وهما قوتان إقليميتان تتنافسان على النفوذ في المنطقة. الأزمة الحالية أثارت قلق الجارتين، حيث أغلقت الحدود مع الهند جزئيًا، وأصدرت دول مثل الهند تحذيرات سفر لمواطنيها. الأمم المتحدة دعت إلى تحقيق مستقل في أعمال العنف، وعرضت تقديم المساعدة الإنسانية. على منصة إكس، ألهمت الاحتجاجات النيبالية نقاشات عالمية حول حرية التعبير ودور الشباب في مواجهة الفساد، مع مقارنات بحركات مماثلة في كينيا وبنغلاديش.
إلى أين تتجه نيبال؟
تواجه نيبال اليوم مفترق طرق. هل ستتمكن هذه الانتفاضة الشبابية من إجبار النخبة السياسية على إصلاحات جذرية؟ أم أن البلاد ستغرق في مزيد من الفوضى والعنف؟ الشباب النيبالي، الذي يقود هذه الثورة، يبدو مصممًا على تغيير قواعد اللعبة. لكن التحدي الأكبر يكمن في ترجمة هذا الغضب إلى نظام سياسي عادل ومستدام. في الوقت الحالي، تبقى كاتماندو على صفيح ساخن، والعالم يراقب بقلق وأمل.