تحقيق قضائي في “طحن الورق” مع الدقيق المدعم: بين تصريحات برلمانية وردود فعل حادة

الرباط – 30 أكتوبر 2025

في تطور مثير للجدل يهز قطاع الدقيق المدعم في المغرب، أمر الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بفتح تحقيق فوري في مزاعم “طحن الورق” مع الدقيق، بعد تصريحات ألقت قنبلة في جلسة برلمانية. الاتهامات، التي أطلقها النائب أحمد التويزي، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026 أمام لجنة المالية، أثارت موجة من الغضب والتوضيحات، مما دفع السلطات القضائية إلى التدخل للتحقق من صحتها.

في مداخلته، وصف التويزي بعض شركات الدقيق بممارسة “طحن الورق” مع الدقيق المدعم، في إشارة إلى ممارسات مشبوهة تهدد الأمن الغذائي الوطني. لكن التصريح سرعان ما أثار ضجة إعلامية وسياسية، فسارع النواب إلى التراجع عنه، مؤكداً أن عبارته “أسيئت فهمها وتم تأويلها خطأ”. وأوضح التويزي أنه كان يقصد التلاعب في الفواتير والوثائق للاستفادة غير المشروعة من الدعم العمومي، مثل تضخيم الكميات أو اختلاق معاملات وهمية، مشدداً على أن الحديث عن مزج الورق حرفياً بالدقيق “غير منطقي اقتصادياً”، إذ يفوق سعر الورق سعر الدقيق نفسه، مما يجعل مثل هذه الممارسة مستحيلة عملياً.

رداً على هذه التصريحات، أصدر الوكيل العام أمراً بفتح بحث قضائي شامل، يجري تحت إشراف النيابة العامة، مع تكليف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بإجراء التحريات اللازمة. الهدف: تحديد الوقائع الدقيقة والمسؤوليات المعنية، سواء كانت الاتهامات مجرد خطأ في التأويل أم دليلاً على غش واسع النطاق. وفي حال توفر قرائن على استعمال الغش أو التلاعب، يُتوقع اتخاذ إجراءات صارمة تشمل المتابعة الجنائية، فرض غرامات مالية باهظة، إغلاق الوحدات المخالفة، وحتى مساءلة المشرفين على عمليات التوزيع والتوزيع.

لم تتأخر ردود الفعل من الجهات المعنية. الفيدرالية الوطنية للمطاحن، التي ترى في هذه التصريحات “افتراءات” تهدد مصداقية قطاعها الاستراتيجي، أعربت عن رفضها القاطع لما وصفته بـ”الادعاءات العارية من الصحة وغير المدعومة بأي دلائل موضوعية”. في بيان رسمي، طالب عبد القادر العلوي، رئيس الفيدرالية، النائب التويزي بتقديم “أدلة ملموسة إن وجدت”، محذراً من أن مثل هذه الاتهامات “تطعن في مصداقية قطاع يرتبط بالأمن الغذائي للمغاربة”. وأضاف العلوي: “نحن مستعدون لأن نكون طرفاً في أي مسار قضائي يهدف إلى إجلاء الحقيقة، فالمهنيون يعملون في إطار القانون وتحت مراقبة السلطات المختصة”.

يأتي هذا الجدل في وقت حساس، حيث يُعتبر الدقيق المدعم أحد أعمدة السياسة الاجتماعية الحكومية، مع ميزانية دعم تصل إلى مليارات الدراهم سنوياً. ومع تزايد الضغوط الاقتصادية، أصبحت أي شبهة في سلامة السلسلة الغذائية تهديداً مباشراً لثقة المواطنين. التويزي، الذي أكد أن عبارة “طحن الورق” مجرد تعبير مجازي في اللهجة المغربية يشير إلى التلاعب الإداري، يواجه الآن تحدياً كبيراً: إثبات أن تصريحاته كانت نذيراً لفساد محتمل، أم مجرد زلة لسان أثارت عاصفة غير مبررة.

سيتابع الرأي العام بتوتر تطورات التحقيق، الذي قد يكشف عن ممارسات غير مشروعة في قطاع يغذي ملايين الأسر المغربية يومياً، أو يُغلق صفحة الجدل بتبرئة كاملة للمهنيين. في كل الأحوال، يبقى السؤال مفتوحاً: هل كانت كلمات التويزي خطأً بريئاً، أم بوابة لكشف فساد أعمق؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!