“تانيال بوني: حين يتوّج صوت أبيدجان سماء أصيلة”

إفريقيا تتغنى: تتويج شاعرة الالتزام بـ "تشيكايا أوتامسي" (2025)

“تانيال بوني: حين يتوّج صوت أبيدجان سماء أصيلة”插图

في مشهد ثقافي بهي، وضمن فعاليات الدورة السادسة والأربعين للموسم الثقافي الدولي بأصيلة (نسخة خريف 2025)، تتجدد العهود مع الشعر الإفريقي العظيم. فبعد ثلاث سنوات من انعقاد الدورة الثانية عشرة للجائزة، اجتمعت مؤخراً لجنة تحكيم جائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي في دورتها الثالثة عشرة لعام 2025، لتناقش التجارب الشعرية الكبرى التي تجسد روح الامتياز والإبداع التي تأسست عليها الجائزة.

وبعد مداولات مستفيضة وحوار نقدي معمق، أعلنت اللجنة بالإجماع منح الجائزة للشاعرة الإيفوارية الكبيرة تانيال بوني. هذا التتويج يأتي اعترافاً بمسيرتها الفكرية الثرية، وقيمة إسهاماتها الشعرية، والعمق الإنساني الذي يميز فنها. هذه القيم هي الركائز الأساسية لجائزة تشيكايا أوتامسي المتميزة في الشعر الإفريقي.

تانيال بوني: الشِعر التزامٌ وجمالية

تُعد تانيال بوني، المولودة في أبيدجان عام 1954، صوتاً نسائياً بارزاً ورمزاً من رموز الأدب الإفريقي المعاصر. لم تقتصر مسيرتها على الشعر فحسب، بل هي أيضاً روائية وفيلسوفة وعضوة منتسبة لأكاديمية المملكة المغربية. وقد ترأست في وقت سابق اتحاد كتاب كوت ديفوار (1991-1997).

تتميز كتابات بوني بدمج فريد بين الالتزام الاجتماعي والثقافي وبين الجمالية الشعرية المُؤكدة. إنها شاعرة تستكشف في أعمالها مواضيع بالغة الأهمية، مثل الهوية، ووضع المرأة، وتحولات المجتمع الإفريقي. يصف البيان أسلوبها بالرصين والمكثف، مانحاً صوتاً لمن يظلون غالباً غير مسموعين.

وقد أفصحت موهبتها الشعرية منذ سنوات الدراسة الإعدادية، وواصلت إثبات ذاتها رغم توجهها للفلسفة والرواية. فكتاباتها لا تنتمي لزاوية واحدة، بل هي فضاء للتأمل والتعبير والتنديد والمقاومة.

لنتأمل روح الالتزام هذه التي تضيء دروب القارة، الروح التي توحد الشعر بالفكر والوطن بالذات. هذا الصدى الإفريقي العميق، هو ما يتجسد في مثل هذه الأعمال:

وان كنا في الجريدة محتاجين للمساهمة بمقطع شعري يجسد روح الجائزة / قد نقول:

يا إفريقيا، صوتي لكِ مرسال،

في طين الجذور، شِعري يبني الآمال.

الهوية حكاية، والمرأة سارية،

نغني للمجهول، كي تصير الحرية جارية.

إرث تشيكايا: تكريم لأعمدة القارة

يُذكر أن لجنة تحكيم الجائزة ترأسها الشاعر السنغالي الكبير أمادو المين صال، وهو نفسه حائز على هذه الجائزة عام 2018. وضمت اللجنة شخصيات ثقافية وفكرية بارزة من موريتانيا والمغرب والسنغال وفرنسا وكوت ديفوار.

إن جائزة تشيكايا أوتامسي ليست مجرد تكريم عابر؛ بل هي جائزة مرموقة تُمنح كل ثلاث سنوات لشاعر إفريقي ذي صيت. تم إحداث هذه الجائزة عام 1988، وقد سُميت تكريماً للشاعر الكونغولي الراحل تشيكايا أوتامسي، الذي كان مواظباً على حضور مواسم أصيلة منذ عام 1981.

وبفوزها، تصبح تانيال بوني ثاني شاعرة إيفوارية تتوج بهذا الشرف، بعد مواطنها جوسي غيبو الذي فاز عام 2014. هذه الجائزة قد زينت صدور عدد من الشعراء الكبار من مختلف أنحاء القارة والمهجر الإفريقي، منهم إدوار ج. مونيك (موريشيوس)، ومازيني كونيني (جنوب إفريقيا)، وأحمد عبد المعطي حجازي (مصر)، ونيي أوسنداري (نيجيريا)، والشاعران المغربيان عبد الكريم الطبال والمهدي أخريف.

إن استمرار هذه الجائزة يؤكد على دور الشِعر كقوة دافعة للهوية الإفريقية. هذا المعنى نجده متجسداً في الشعر الذي يعكس الانتماء العميق للقارة:

أما ان كنا في الجريدة محتاجين للمساهمة مقطع شعري يتماشى وروح الفوز والتكريم / قد نقول:

أصيلة عرش، وفيها النبض يكتمل،

من كل شاطئ، الشِعر ينادي: “لنجعل المستقبل أجمل.”

تانيال، صوت الأجداد، والجيل الجديد،

للفكر والكرامة، لا شيء بعيد.

ستُسلم الجائزة رسمياً للفائزة يوم الخميس الموافق 9 أكتوبر 2025، خلال حفل رسمي كبير يُنظم في إطار موسم أصيلة الثقافي الدولي، بحضور كافة أعضاء لجنة التحكيم.

إن تتويج تانيال بوني، التي حصدت جوائز عالمية مرموقة مثل جائزة تيوفيل غوتييه من الأكاديمية الفرنسية (2018)، هو تأكيد جديد على أن الشعر الإفريقي المعاصر يمتلك عمقاً فكرياً وجمالياً يضعه في صدارة المشهد الأدبي العالمي. إنه تكريم مستحق لـ “صوت إفريقي أيقوني” ظل وفياً لروح الالتزام بالناس وقضاياهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!