بلاغ جبهة الانفصال.. تصعيد إعلامي في مواجهة الواقعية المغربية
محاولة جزائرية لإحياء خطاب الحرب بعد فشل الرهان على التصعيد

البلاغ الصادر اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025 عن جبهة الانفصال، جاء في سياق متصل بالتحركات الأخيرة داخل مجلس الأمن والمشاورات التي قادتها الدبلوماسية الأمريكية، الهادفة إلى تقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر ودفع الملف نحو حلّ سياسي واقعي ومتوافق عليه.
غير أن لغة التصعيد التي اختارتها الجبهة الانفصالية تكشف مرة أخرى ضيق أفقها السياسي وارتباط مواقفها بحسابات إقليمية لا تخدم السلم ولا الاستقرار في المنطقة.
ففي الوقت الذي تنخرط فيه قوى دولية كبرى في دعم مسار التهدئة والحوار، يواصل المغرب نهجه الثابت القائم على الواقعية والالتزام بمبادرة الحكم الذاتي كحلّ جاد وذي مصداقية، يحظى بتأييد متنامٍ من المجتمع الدولي.
أما محاولات التشويش القادمة من الجهة المقابلة، فلا تعدو كونها ردود فعل انفعالية أمام نجاح النموذج التنموي المغربي في أقاليمه الجنوبية وترسيخ السيادة الوطنية على الأرض وفي المؤسسات.
وفي مقابل هذا الواقع، يواصل المغرب تحقيق إنجازات تنموية ملموسة في أقاليمه الجنوبية، سواء على مستوى البنيات التحتية أو المشاريع الاقتصادية الكبرى، بينما ما تزال الجبهة الانفصالية تردّد نفس الخطاب المتجاوز حول “تقرير المصير”، وكأن الزمن توقّف عند سبعينيات القرن الماضي.
إنها الأسطوانة القديمة التي لم تعد تقنع أحداً، لا في الداخل ولا في المنتظم الدولي، بعدما تأكد أن الواقع على الأرض يسير في اتجاه واحد: مغربية الصحراء وتنميتها المتواصلة تحت السيادة الوطنية.
ومن الواضح أن بلاغ فلول الانفصال لا يمكن فصله عن حسابات الجزائر السياسية، التي تسعى بين الفينة والأخرى إلى التهديد بالتصعيد والرفع من منسوب التوتر الإقليمي، في محاولة لجعل مجلس الأمن يعتقد أن منطقة شمال إفريقيا والساحل مهددة بانفلات أمني أو مواجهة عسكرية محتملة.
بهذه الطريقة، تحاول الجزائر أن تدفع بالملف نحو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أي إلى مرحلة وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن رقم 690 لسنة 1991، الذي نصّ على تنظيم استفتاء تجاوزه الواقع والشرعية الدولية منذ عقود.
الخطوة الأولى في هذا المسار كانت تحريض الجبهة الانفصالية على الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار، لإعطاء الانطباع بأن السلام مهدد في المنطقة.
أما الخطوة الثانية فتمثلت في رفض المشاركة في الموائد المستديرة التي يدعو إليها المنتظم الدولي، ما يعكس رغبة واضحة في تعطيل المسار السياسي بأكمله.
لكن الرياح لم تجر كما تشتهي الجزائر، إذ إن التوجه الدولي اليوم يسير عكس إرادتها، ويضغط على جميع الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات، في إطار دينامية جديدة تعتبر مبادرة الحكم الذاتي أساس أي حلّ سياسي واقعي.
وفي خضمّ ذلك، تحاول الجزائر اليوم تأويل بعض المواقف الدولية، خاصة الروسية، لصالحها.
فبعد تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن بلاده “لن تعارض الحكم الذاتي إذا توافقت عليه الأطراف”، سارعت الجزائر إلى قراءة الموقف الروسي بطريقة انتقائية، لتقدّمه كدعم لها، في الوقت الذي يؤكد فيه التصريح ذاته أن موسكو لا ترى مانعاً من الحكم الذاتي إن اتفقت عليه الأطراف المعنية، وهو ما يتقاطع مع الموقف المغربي.
وهكذا تجد الجزائر نفسها تحرج حليفها السابق بمحاولة تحميله موقفاً لا يتطابق مع مضمون تصريحاته.
إن الوضع في المنطقة اليوم لا يخضع لأوهام النظام العسكري الجزائري ولا لمناوراته الإعلامية، بل لإرادة دولية واضحة تسير نحو ترسيخ الواقعية السياسية والاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، باعتبار ذلك الضمان الحقيقي للاستقرار والتنمية في شمال إفريقيا والساحل.
وفي النهاية، يظهر بجلاء أن البلاغ الأخير ليس سوى حلقة جديدة من محاولات بائسة لإرباك المسار الأممي، في وقت يزداد فيه الإجماع الدولي حول وجاهة المبادرة المغربية، باعتبارها الحلّ الوحيد الممكن لإنهاء هذا النزاع الإقليمي المفتعل بشكل نهائي وبروح من الواقعية والتوافق.
إعداد: المصطفى العياش جريدة ” جيل” الاثنين 27 أكتوبر 2025









