يونس مجاهد ينسحب تنظيميا من النقابة الوطنية للصحافة المغربية: صرخة ضمير أم إعلان عن أزمة عميقة؟

الرباط – 2 نوفمبر 2025

في خطوة قد تُشعل فتيل جديد في التوترات الداخلية للنقابة الوطنية للصحافة المغربية (SNPM)، أعلن الصحفي والنقيب السابق يونس مجاهد، اليوم الأحد 2 نوفمبر 2025، انسحابه التنظيمي من صفوف النقابة (انظر نص الانسحاب اسفاه)، معتبراً إياها “مرتعاً للعبث القانوني“. هذا الإعلان، الذي جاء بعد تجميد عضويته خلال اجتماع المجلس الوطني الفيدرالي المنعقد يوم أمس، ليس مجرد رد فعل فردي، بل فسَره كصرخة تحذيرية من انحدار مؤسسة كانت رمزاً للنضال الصحفي في المغرب، نحو ممارسات تُقوض شرعيتها وتُهدد إرثها التاريخي.

خلفية الخلاف: تجميد عضوية دون إجراءات قانونية

يأتي انسحاب مجاهد في سياق تصاعد الخلافات داخل النقابة، التي شهدت في السنوات الأخيرة تراكماً من الإنجازات التنظيمية والنضالية، لكنها تعاني اليوم من ترهلات إدارية خطيرة. وفقاً لبيان مجاهد، الذي بلغ إلى علم الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تم تجميد عضويته خلال اجتماع المجلس الوطني الفيدرالي يوم 1 نوفمبر، دون إخطاره بالأسباب أو منح فرصة الدفاع عن نفسه. “قرار تفاهته لم يحترم المقتضيات القانونية الواردة في النظام الداخلي للنقابة“، يؤكد مجاهد، مشيراً إلى أن الجهة المختصة بمثل هذه الإجراءات هي المكتب التنفيذي أو مكتب الفرع، وليس المجلس الوطني.

هذا التجميد، الذي وُصف بأنه “قرار أقلية حاضرة في الاجتماع“، يُفسر كذروة لسلسلة من الخروقات التي يتهم بها مجاهد الإدارة الحالية، برئاسة عثمان النجاري. فقد سبق لمجاهد أن راسل رئيس المجلس يوم 31 أكتوبر، معلناً مقاطعته للاجتماع احتجاجاً على انتهاكات جسيمة للقانون الأساسي للنقابة. من بينها، تأخر انعقاد المجلس الذي يُفترض أن يُعقد كل ستة أشهر، لكنه أصبح يُعقد مرة واحدة سنوياً فقط. كما أن جدول الأعمال لم يُبعث إلا قبل ثلاثة أيام من الاجتماع، بينما ينص القانون على إرساله قبل عشرة أيام على الأقل.

غياب الشفافية: رفض للالتزامات الأخلاقية والمالية

يُعد الخلاف الأساسي، كما يصفُه مجاهد، “عدم احترام القانون“، وهو ما يعود إلى تعاقد أخلاقي سابق بينه وبين رئيس النقابة قبل انتخابه، حيث كان مجاهد رئيساً للمؤتمر. كان هذا التعاقد يتضمن إحداث لجنة “للحكامة” والمراقبة المالية، لضبط الالتزام بالقوانين في القرارات والاجتماعات، ومراقبة صرف الأموال. لكن، يقول مجاهد، “كل هذه الالتزامات تم التنكر لها“، مما أدى إلى غياب لجنتي الأخلاقيات والتحكيم، والمراقبة المالية، حتى بعد انقضاء نصف الولاية.

وفي محاولة لتصحيح المسار، تم تنصيب هاتين اللجنتين خلال الاجتماع الأخير، لكن مجاهد يرفض شرعيتهما، معتبراً أنهما “على المقاس” ولم تُدرج في جدول الأعمال المُعلن. الاستثناء الوحيد، حسب بيانه، هو انتخاب الزميل عبد الله البقالي رئيساً للجنة الأخلاقيات في المؤتمر الأخير، مما يُبرز تناقضاً بين الإجراءات الشكلية والالتزام الحقيقي بالديمقراطية الداخلية.

إرث مجيد مهدد: بين الإنجازات والتراجع

في سياق تفسيري أوسع، يُقدم مجاهد انسحابه كدفاع عن “تاريخ مجيد” للنقابة، التي بناها رواد مثل محمد اليازغي، عبد الكريم غلاب، علي يعته، محمد العربي المساري، وعبد اللطيف عواد. هؤلاء، يقول، “تربينا على أيديهم، وكنا شهوداً على نزاهتهم الأخلاقية والتزامهم بالقانون“. ويُذكّر بتراكمات غير مسبوقة حققتها النقابة في السنوات الأخيرة: تأسيس فروع في مختلف الجهات مع مقرات مُقتناة، اقتناء مقر ثانٍ في الرباط، توقيع اتفاقيات جماعية في الصحافة المكتوبة وقناة 2، المساهمة في نظام أساسي للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة يضمن مكتسبات أجورية، تحسين الوضعية في وكالة المغرب العربي للأنباء، بالإضافة إلى نضالات مثل الإضراب العام في الصحافة الورقية، والوقفات الكبرى لدمقرطة الإعلام العمومي، والدفاع عن حرية الصحافة.

لكن هذه الإنجازات، يحذّر مجاهد، تُهدد اليوم بـ”كف عفريت” بسبب سلوكيات الإدارة الحالية: تأخر اجتماعات المكتب التنفيذي، قرارات انفرادية، تحالفات مع جهات غير ممثلة، وفتح جبهات مع الناشرين بدلاً من التفاهم لزيادة الأجور.

وفي مثال صارخ، ينتقد دفاع الرئيس عن “لائحة مغلقة” للمجلس الوطني للصحافة، مخالفاً للتقاليد الديمقراطية التي سادت منذ 2018، حيث شُكّلت لجان وطنية لاختيار المرشحين من بين عشرات الطامحين.

تأثيرات محتملة: محكمة الضمير أم حرب داخلية؟

رفض مجاهد اللجوء إلى القضاء، معتبراً أنه “لا يرغب في نكأ الجراح“، ويترك الأمر “أمام محكمة الضمير” لأعضاء النقابة. هذا الانسحاب، الذي يأتي في وقت تُعاني فيه الصحافة المغربية من تحديات اقتصادية وتنظيمية، قد يُشجع على موجة انسحابات أخرى، أو يُعيد إشعال النقاش حول الحاجة إلى إصلاحات جذرية. فالنقابة، التي حصلت على دعم مالي عمومي محترم وأسست جمعية الأعمال الاجتماعية للصحافة، تُواجه اليوم خطر فقدان شرعيتها إذا استمرت في “الصمت عن ممارسات لا تحدث في أبسط جمعيات الأحياء“.

في الختام، انسحاب يونس مجاهد ليس نهاية مسيرة، بل دعوة للتأمل في كيفية استعادة النقابة لدورها كحارس للأخلاقيات الصحفية والديمقراطية الداخلية. هل سيكون هذا الإعلان بداية لتغيير، أم مجرد فصل آخر في رواية الصراعات الداخلية؟

الإجابة تكمن في ردود الأفعال القادمة من أعضاء النقابة والرأي العام الصحفي.

يونس مجاهد، صحفي ونقيب سابق.

انسحاب-تنظيمي-من-النقابة-الوطنية-للصحافة-المغربية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!