الناظور : إعلام مسؤول لدعم استراتيجية الهجرة المغربية

تأتي هذه الدورة في سياق الجهود الوطنية التي يقودها المغرب لتعزيز إدارة قضايا الهجرة واللجوء، وفق الاستراتيجية الوطنية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس عام 2013. هذه الاستراتيجية، التي تجسد التزام المملكة بحقوق الإنسان، جعلت المغرب نموذجاً إقليمياً في التعامل مع قضايا الهجرة، سواء كدولة عبور أو استقبال.
وفي هذا الإطار، تلعب وسائل الإعلام دوراً حاسماً في تشكيل الرأي العام وتعزيز خطاب إيجابي يحترم كرامة المهاجرين.
“الإعلام ليس مجرد ناقل للأخبار، بل قوة تشكيل للوعي الجماعي“، يقول عبد السلام أمختاري، رئيس جمعية ثسغناس، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء. ويضيف: “نسعى من خلال هذه الدورة إلى بناء نواة إعلامية متخصصة في جهة الشرق، قادرة على إنتاج محتوى نوعي يعكس التحولات المتسارعة في قضايا الهجرة، ويسهم في ترسيخ قيم التسامح والجوار“.
تشبيك إقليمي وممارسات فضلى
مشروع “تشبيك“، الذي تستند إليه الدورة، يهدف إلى تعزيز التعاون المغاربي في معالجة قضايا الهجرة من خلال تبادل الخبرات والممارسات الناجحة. وتُعد جهة الشرق، بموقعها الجغرافي القريب من الحدود الأوروبية، مساحة حيوية لفهم ديناميات الهجرة، سواء من حيث التدفقات البشرية أو التحديات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها.
وفي هذا السياق، تسعى الدورة إلى تمكين الإعلاميين من أدوات تحليلية ومهنية لتغطية هذه القضايا بطريقة متوازنة، بعيداً عن الإثارة أو التعميمات السلبية.
يتضمن برنامج الدورة ورشات نظرية وعملية تركز على تقنيات التحقيق الصحفي، وأخلاقيات التغطية الإعلامية لقضايا المهاجرين واللاجئين، بالإضافة إلى استكشاف تأثير التحولات الرقمية على الخطاب الإعلامي. كما تشمل جلسات تفاعلية لتبادل التجارب بين المشاركين، مما يعزز التشبيك بين الإعلاميين في جهة الشرق ويفتح آفاقاً للتعاون مع نظرائهم في المنطقة المغاربية.
تحديات الهجرة ودور الإعلام
تُعد قضايا الهجرة من الموضوعات المعقدة التي تتطلب حساسية مهنية عالية، خاصة في ظل التحولات السياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة. وفي جهة الشرق، حيث يُعتبر ميناء الناظور غرب المتوسط مشروعاً استراتيجياً لتوفير فرص عمل وتقليص البطالة، تبرز الحاجة إلى إعلام مسؤول يسلط الضوء على الفرص التنموية ويتصدى للأحكام المسبقة ضد المهاجرين.
“الهجرة ليست مجرد أرقام، بل قصص إنسانية تستحق الاحترام“، يقول الصحافي جمال أزضوض، أحد المشاركين في الدورة. ويضيف: “هذه الورشة تمنحنا أدوات لفهم الأبعاد القانونية والاجتماعية للهجرة، وتساعدنا على تطوير تغطية صحفية تُبرز الجوانب الإيجابية لهذه الظاهرة، مثل مساهمات المهاجرين في التنمية”.
إعلام منفتح ومستدام
تسعى جمعية ثسغناس من خلال هذه الدورة إلى ترسيخ ثقافة إعلامية منفتحة، تستند إلى احترام الكرامة الإنسانية وتدعم المكتسبات الحقوقية التي حققها المغرب، لا سيما في ضوء الفصل 30 من الدستور الذي يكفل للأجانب الحقوق الأساسية نفسها التي يتمتع بها المواطنون المغاربة.
كما ستستلهم الدورة مبادئ الاتفاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة، الذي يدعو إلى مقاربة شاملة لمعالجة قضايا الهجرة.
ومن المنتظر أن تسهم هذه المبادرة في بناء شبكة إعلامية إقليمية قادرة على إنتاج محتوى يعكس الواقع المعقد للهجرة، مع التركيز على تعزيز الجوار والتضامن المغاربي. “الإعلام المسؤول هو جسر للتفاهم بين الشعوب”، يختم أمختاري، مؤكداً أن هذه الدورة ليست سوى بداية لمسار طويل نحو إعلام هادف يخدم قضايا الإنسانية.
آفاق مستقبلية
مع استمرار التحديات المرتبطة بالهجرة، مثل الاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية، تظل الحاجة ملحة إلى تكوين إعلاميين قادرين على تقديم تغطية متوازنة ومستنيرة. وتُعد هذه الدورة خطوة واعدة نحو تحقيق هذا الهدف، مع توقعات بتوسيع نطاقها لتشمل مدن أخرى في جهة الشرق، وتعزيز التعاون مع مؤسسات إعلامية مغاربية ودولية.
في الناظور، حيث تتقاطع الأحلام والتحديات، يبرز الإعلام كقوة للتغيير، يحمل رسالة التضامن ويبني جسوراً لمستقبل أكثر إنسانية.