الملك محمد السادس: 26 عامًا من الحكم – إنجازات وتحديات في مسيرة العهد الجديد

الرباط – 1 غشت 2025

في الذكرى السادسة والعشرين لتولي الملك محمد السادس عرش المغرب، يسلط بودكاست “كلام في السياسة” للصحفي توفيق بوعشرين الضوء على مسيرة حكم الملك، مستعرضًا إنجازاته وتحدياته في قيادة المملكة المغربية.

يستند البودكاست إلى حوارات نادرة أجراها الملك في بداية عهده، ليرسم صورة شاملة عن فلسفته في الحكم، وأسلوبه في اتخاذ القرارات، وعلاقته بالصحافة، والدين، والسياسة الخارجية، إضافة إلى التحديات التي تواجه المغرب بعد ربع قرن من حكمه.

يصف الملك محمد السادس الحكم بأنه “فن الممكن” وليس “فن الأمنيات”، مؤكدًا أنه لا يمنح متعة لصاحبه، بل يتطلب قرارات قد لا ترضي الجميع لكنها ضرورية لمصلحة البلاد. ويشدد على أسلوبه في صناعة القرار بعيدًا عن الارتجال، حيث يعتمد على استشارات واسعة وآراء متعددة، معترفًا بأنه لا يمتلك “الحقيقة المطلقة”.

وفي إشارة إلى علاقته بالحكومة، يرفض الملك فكرة وجود “حكومة داخل القصر وأخرى خارجه”، مؤكدًا وجود حكومة واحدة منسجمة تتقاسم المهام معه وفق صلاحيات دستورية واضحة في مجالات الدفاع والشؤون الخارجية والدين.

وعن شخصيته، يعترف الملك بأنه اندفاعي بطبعه، لكنه تعلم من والده الملك الحسن الثاني اتخاذ القرارات بهدوء، حتى لو استلزم ذلك وقتًا أطول. ويبرز تمسكه بخصوصية المغرب في ممارسة الديمقراطية، محذرًا من استيراد نماذج غربية جاهزة لا تتناسب مع السياق المغربي.

فيما يتعلق بالصحافة، يدافع الملك عن حرية الإعلام المسؤولة، مؤكدًا أن “لا أحد فوق القانون”، ومعربًا عن استيائه من نسيان بعض وسائل الإعلام لحقوقه كمواطن. ويميز بين الصحفيين الجادين ومن يستخدمون أقلامهم لأجندات غير مهنية. ومع تراجعه عن إجراء الحوارات الصحفية، اكتفى الملك بـ”الأفعال والتدشينات والخطب المكتوبة بعناية”، مما جعل ظهوره الإعلامي لحظة سياسية كبيرة.

في الشأن الديني، يقدم الملك نفسه كـ”إسلامي غير متطرف”، يحترم الدين كجزء من الحياة اليومية للمغاربة. وينتقد الخطاب الإعلامي الغربي الذي يقبل بالمايوه وينتقد الحجاب، مؤكدًا أن المغرب لم يواجه تهديدًا إسلاميًا حقيقيًا.

وفي سياق مكافحة الإرهاب، يرى أن التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي هما السلاح الأقوى، معترفًا بتجاوزات حقوقية سابقة في عمل الأجهزة الأمنية، مستشهدًا بتقارير منظمات غير حكومية.

إنجازات العهد الجديد: يُعد الملك محمد السادس “أول ملك” في عدة مجالات خلال حكمه:

  • ظهور العائلة الملكية: كسر التقليد بعرض زوجته الأميرة للا سلمى أمام الشعب والإعلام.
  • حقوق الإنسان: فتح ملف انتهاكات حقوق الإنسان في عهد والده من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة.
  • مدونة الأسرة: أدخل تعديلات حداثية على مدونة الأسرة مرتين، مع الحفاظ على بعض البنود التقليدية.
  • الدين كقوة ناعمة: أسس برنامجًا لتكوين الأئمة الأفارقة، مستخدمًا الدين لتعزيز الدبلوماسية المغربية.
  • الدستور الجديد: أشرف على وضع دستور جديد يتضمن مفاهيم مثل التنمية البشرية وحقوق المرأة والجهوية المتقدمة.
  • الخطاب الديني: تبنى خطابًا دينيًا معتدلًا، وأعاد تنظيم الحقل الديني لتعزيز رمزية إمارة المؤمنين.

كما شهد عهده تقدمًا كبيرًا في البنية التحتية، الاستثمارات، الطاقات المتجددة، والدبلوماسية، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. وحافظ المغرب على استقراره رغم تحديات الفقر والبطالة.

رغم الإنجازات، تواجه المملكة تحديات كبيرة بعد 26 عامًا من الحكم. يعاني المغرب من ضعف المؤسسات الوسيطة، غياب رئيس حكومة قوي، ومعارضة فعالة، مما أدى إلى “تجريف الطبقة السياسية”. كما يظهر الملك كـ”صاحب المبادرة الاستراتيجية الوحيدة”، مع انعدام وسائط موثوقة بينه وبين الشعب، مما يجعل المواطنين يتوجهون إليه مباشرة.

على الصعيد الاجتماعي، لم تتحسن جودة الحياة بالشكل المأمول، حيث لا تزال قطاعات الصحة والتعليم والقضاء تعاني من اختلالات، إلى جانب تفاقم الفوارق المجالية واستمرار الريع. كما يعاني المغرب من جمود سياسي، تآكل الثقة بين الشعب والأحزاب، وهشاشة النخب، مما يجعل بناء دولة حديثة بمؤسسات تقليدية تحديًا كبيرًا.

السؤال المعلق الذي يختتم به بوعشرين البودكاست: بالتأكيد على أن الملك محمد السادس ليس مجرد رأس الدولة، بل هو “ميزانها ومحركها وضامن بقائها”. ومع تصاعد التوترات الاجتماعية والاقتصادية، يبقى الشعب في انتظار مفاجأة جديدة من الملك، يتساءل الجميع: هل سيقود تغييرًا جريئًا يعيد إحياء الأمل في بناء مغرب حديث ومزدهر؟

بقلم: فريق التحرير
المصدر: بودكاست “كلام في السياسة” لتوفيق بوعشرين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!