المغرب بين الإنكار والواقع المؤلم: لقليعة نموذجًا لتحديات التنمية والأمن

إبتسام دواهي – وجدة 3 اكتوبر 2025

يعيش المجتمع المغربي حالة من الإنكار، حيث يتم رفض الحقائق التي تكشف عن واقع اجتماعي واقتصادي معقد. هذا الإنكار، الذي يعكس تجنبًا لمواجهة الحقائق المؤلمة، يظهر في الصورة النمطية المروج لها عن المغربي الذي يعيش في سلام ورغد، بينما الواقع يحمل انقسامات اجتماعية عميقة وتراكمات أزمات تفجرت في شكل احتجاجات ومواجهات عنيفة تشهدها عدة مدن مغربية. هذه الاحتجاجات، التي كشفت عن هوة بين “مغرب متحضر” و”مغرب عميق”، تعكس أزمة هيكلية تتطلب إصلاحات جذرية لتجاوز الفوارق الاقتصادية والتنموية والثقافية.

في قلب هذا النقاش، تبرز مدينة لقليعة كنموذج صارخ للتحديات التي تواجه المغرب. تقع لقليعة على بعد 30 كيلومترًا من أكادير، ضمن عمالة إنزكان وقرب مطار أكادير المسيرة، وتضم تجمعًا سكنيًا يبلغ تعداد سكانه 107,733 نسمة وفق إحصاء 2024. تشتهر المدينة بوجود ضيعات وشركات فلاحية، من بينها شركة مرتبطة برئيس الحكومة عزيز أخنوش، لكنها في الوقت ذاته تُوصف بأنها “أخطر بقعة في المغرب”، حيث تتجمع فيها أعداد كبيرة من المجرمين والفارين من العدالة، إلى جانب بناء عشوائي وتواجد مهاجرين أفارقة. الأمن في لقليعة يقتصر على مقر للدرك الملكي يضم 16 عنصرًا فقط، مما يعكس هشاشة الوضع الأمني وصعوبة فرض السيطرة على هذه المنطقة التي أصبحت رمزًا للمغرب العميق المنسي.

إن ما تشهده لقليعة والمدن المشابهة لها من عنف ليس إلا نتاج تراكمات سنوات من التهميش الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب سياسات حكومية وصفتها الكاتبة بـ”الدكتاتورية القمعية الرأسمالية”. هذه السياسات، التي يقودها في بعض القطاعات رجال أعمال، ساهمت في اتساع الفوارق الاجتماعية، مما أنتج “مغربًا بسرعتين” يعاني من تفاوت تنموي وفكري وثقافي. وفي هذا السياق، تبرز الاحتجاجات الأخيرة كتعبير عن غضب شعبي تراكم على مدى سنوات، حيث عانى المواطن المغربي من عنف اقتصادي ومعنوي ونفسي أثر على جميع القطاعات الحيوية.

لكن الحل، كما ترى الكاتبة، لا يكمن في بناء المزيد من الملاعب أو السجون، بل في الاستثمار في التعليم كأساس لبناء إنسان صالح يخدم نفسه ووطنه. إن الثروة الحقيقية للمغرب تكمن في أبنائه، وهو ما يتطلب إصلاحات عاجلة في المدن المنسية مثل لقليعة، التي تحمل على عاتقها عبء المغرب العميق. وفي ظل هذه التحديات، يبرز السؤال: هل ستتمكن السياسات الحالية من تجاوز حالة الإنكار والتوجه نحو إصلاح شامل يعيد الثقة بين المواطن والدولة؟

إن الوضع الحالي يتطلب حوارًا وطنيًا شاملًا يضع التعليم والتنمية العادلة في صلب الأولويات، لضمان استقرار حقيقي يقوم على العدالة الاجتماعية وإشراك جميع مكونات المجتمع في بناء مغرب موحد يتجاوز انقساماته الداخلية. فالأمن والأمان الحقيقي، كما تختم الكاتبة، لن يتحقق إلا بإصلاح يبدأ من القاعدة، حيث يُعاد بناء الإنسان المغربي كركيزة للتنمية والاستقرار.الدار البيضاء، 3 أكتوبر 2025

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!