المغرب: الأمن يواجه “جيل Z” واعتقالات تطال حقوقيين في ظل أزمة صحية واجتماعية عميقة

شهدت شوارع مغربية مؤخراً استنفاراً أمنياً استثنائياً وتفريقاً بالقوة لتظاهرات سلمية لشباب مغربي، غالبيتهم من “جيل Z”، كانوا يطالبون بتحسين الخدمات الاجتماعية ومحاربة الفساد. وقد طالت التوقيفات المؤقتة عدداً من النشطاء والحقوقيين، مما يعكس تصعيداً في التعامل الأمني مع الحراك المطلبي.
اعتقالات بارزة والاحتجاج على التوقيف
أفادت المصادر بوقوع توقيفات أثناء محاولة الشباب التظاهر في بعض الشوارع المغربية. وكان من أبرز الموقوفين الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الشيخ عبد الحميد أمين. ويُعد أمين وجهاً حقوقياً بارزاً، كان قد قضى 12 سنة في السجن في عهد الحسن الثاني. وقد تم توقيفه أثناء إدلائه بتصريح صحفي حول الاعتقالات الجارية في شارع محمد الخامس قرب ساحة البريد. ووفقاً لبيان نُسب إليه بعد إطلاق سراحه، فقد فوجئ باعتقاله ونقله إلى دائرة الشرطة بشارع عقب ابن نافع مع مجموعة من الشباب.
كما شملت التوقيفات المحامي البارز الأستاذ فاروق المهداوي، المستشار عن فدرالية اليسار في مجلس الرباط، المعروف بدفاعه المستميت عن المواطنين. وتم كذلك توقيف صحفي كان يصرخ مطالباً بحقه وذكر هويته.
الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي خالد البكاري وصف المشهد بأنه “بروفا”، ملاحظاً أن الوجوه المحتجة هي وجوه شبابية لم يكن يعرفها إلا قليلاً ممن هم من “الزمن الماضي” مثله.
مطالب “جيل Z” وأزمة المؤسسات
خرج هؤلاء الشباب، الذين يوصفون بأنهم “جيل Z”، بـ دفتر مطالب واضح، يرتكز على أربعة محاور أساسية:
- المطالبة بتجويد الخدمات الصحية
- وتوفير مناصب الشغل،
- وتوفير تعليم جيد،
- ومحاربة الفساد،
- وإصلاح القضاء.
ويلاحظ المراقبون أن هذا الجيل لا يتبنى هوية أيديولوجية أو فكرية تقليدية، بل يعبر عن نفسه باسم جيله ومطالبه، مستخدماً تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل “ديسكوفر“. هذا التحرك العابر للطبقات الاجتماعية أظهر قوة في التعبئة.
في المقابل، يرى النقاش أن السلطات اختارت الرد الأمني (العصا) عوضاً عن الرد السياسي (الجزرة). ويشير المحللون إلى أن السبب الأصلي لهذه التظاهرات هو الحكومة الحالية، وتفريطها في قطاعي الصحة والتعليم، مما خلق غلياناً شعبياً في مدن عدة. هذه الاحتجاجات تطرح تساؤلات جوهرية حول حصيلة رئيس الحكومة، وحول فشل المؤسسات السياسية التقليدية (البرلمان والحكومة والمعارضة) في احتواء الشباب والاستماع لمشاكلهم.
الفساد وضعف القضاء: أزمة عميقة
تتفاقم الأزمة بفعل الشعور بانعدام الأمن المهني للقضاة وتآكل هيبة القضاء، مع الإشارة إلى تعرض وكلاء عامين للسب والإهانة دون مساءلة. هذا الضعف القضائي يضعف سلطة الدولة ككل.
وتزامنت هذه الأحداث مع اتهامات ثقيلة موجهة لوزير الداخلية بخصوص الفساد وتضارب المصالح، تتعلق بتدخله لفائدة أقاربه والحصول على أراضٍ لزوجاته. ويؤكد البعض أن خطورة هذه التهم، التي لم يُفصل فيها قضائياً، ولم تفندها وزارة الداخلية ببيان حقيقة، تدفع المواطن نحو الشارع، متسائلين كيف يمكن لوزير كهذا أن ينظم الانتخابات.
ويرى المحللون أن اللجوء إلى الجواب الأمني يمثل دليلاً على وجود “عنوان فشل” وأزمة عميقة، بدلاً من الاعتراف بشجاعة بوجود الأخطاء والمشاكل الجوهرية التي يعاني منها المواطنون. إن الاستقرار الحقيقي لا يُفرض بالخوف أو الاعتقال، بل يُبنى على اقتناع الناس بوجود الأمل في التغيير ووعي الحكومة بالوضع.
التكلفة السياسية لغياب الحلول
إن منع التعبير السلمي وتحويل الأزمة الاجتماعية إلى مشكل أمني لا يقدم حلاً، بل يهدد السلم الاجتماعي. إن المجتمع المغربي وصل إلى درجة من الوعي يتطلب أجوبة سياسية لا أمنية. ويرى البعض أن هذا التعامل قد يدفع الشباب إلى أحد مسارين: إما الخوف والكفر بالعمل السياسي، أو التحول إلى الراديكالية.
وتشدد الأصوات الناقدة على ضرورة أن تلتقط الدولة الرسالة التي بعث بها “جيل Z”، والعمل باليد اليسرى (تقديم الخدمات الاجتماعية) بدلاً من الاعتماد الكلي على اليد اليمنى (القوة والنظام العام).
إن التكلفة السياسية لهذا الفشل “غالية في المستقبل”، وتتطلب شجاعة للاعتراف بحجم الأزمة, وربما الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها.