المعلق الرياضي وعلاقته بشعبية الجمهور: نظرة في التعصب والمهنية

عبدالعالي الجابري – 5 ماي 2025

يُشكل التعليق الرياضي عنصرًا حيويًا في تجربة متابعة الأحداث الرياضية، إذ يُضفي الحماس ويُثري التفاصيل بأسلوب مؤثر. لكن، غالبًا ما يعاني هذا المجال من مظاهر التعصب والشعبوية، التي تُؤثر سلبًا على الجمهور وتُغذي الانقسامات بين الجماهير.

لم يسبق لي أن كنت واحدا من الصحفيين الذين يهتمون بالكتابة في المجال الرياضي، لكن والمناسبة شرط، اعتزام بلادنا تنظيم مجموعة من الدوريات العالمية والقارية خلال السنوات القادمة جعلني اهتم أكثر بهذا الحقل الصحفي الذي اخطو فيه خطوات حذرة مرتابة لكن عازمة على التقدم، لذا وبما انني اصبحت اتابع اطوار المقابلات مرة مباشرة من الملعب ومرات عديدة من خلال القنوات التلفزية المغربية والدولية، جاء هذا المقال حول أداء المعلقين في القنوات الرياضية، مع التركيز على علاقة ذلك بشعبية الجمهور، وتقديم أمثلة مغربية وعربية وعالمية، وتحليل الأسباب والتداعيات، محاولا في الختام اقتراح حلول لتعزيز المهنية.

1. التعصب في التعليق الرياضي: جذور المشكلة

التعصب الرياضي، سواء لفريق، لاعب، أو جنسية، يُعد تحديًا كبيرًا في التعليق الرياضي. يُغذي هذا التعصب نهج بعض القنوات التي تستقطب معلقين قادرين على “تهييج” الجمهور بعبارات تحريضية، اتهامات غير موثقة، أو نقد غير بناء. هذا النهج يُعزز شعبية المعلقين لدى فئات معينة، لكنه يُسهم في خلق مناخ رياضي مشحون.

أمثلة عربية:

  • عصام الشوالي (تونس): يُعرف الشوالي بشعبيته الكبيرة في بي إن سبورتس بفضل أسلوبه الحماسي وصوته المميز. لكنه يُنتقد أحيانًا بسبب تحيزه المزعوم لفرق مثل برشلونة أو لاعبين مثل ميسي، مما يُثير استياء جماهير الفرق المنافسة. عباراته مثل “عدالة السماء” تُضفي إثارة، لكنها قد تُفسر كتحيز.
  • فهد العتيبي (السعودية): معلق في SSC، يُشاد بحياديته نسبيًا، لكنه يُنتقد لتركيزه أحيانًا على التفاصيل الشخصية بدلاً من التحليل الفني العميق، مما قد يُشتت الجمهور.

أمثلة مغربية:

  • جواد بدة: معلق بارز في بي إن سبورتس، يُعرف بثقافته العالية وأسلوبه التحليلي. لكنه يواجه انتقادات من الجماهير المغربية بسبب مناقشته لمشاكل الأندية المغربية أثناء التعليق على مباريات الدوري المغربي، مما يُنظر إليه كتشويه لسمعة الكرة المغربية.
  • رامي (قناة الرياضية): يُنتقد بسبب ضعف لغته العربية وأخطائه اللغوية أثناء التعليق على البطولة البرتغالية، مما يُقلل من جودة التجربة للمشاهد المغربي.

أمثلة عالمية:

  • غاري لينيكر وآلان شيرر (إنجلترا): في BBC، يُعرفان بتحليلهما في Match of the Day، لكنهما تعرضا لانتقادات بسبب تحيزهما المزعوم ضد أندية مثل مانشستر يونايتد، خاصة في مناقشة قرارات التحكيم.
  • خورخي فالدانو (إسبانيا): اشتهر بتحيزه لريال مدريد، مما جعله موضع نقد من جماهير برشلونة وأتلتيكو مدريد، حيث كان يُمجد لاعبي ريال مدريد دون تحليل موضوعي.

2. تأثير التعليق الرياضي على الجمهور

أداء المعلقين يُشكل سلوك الجمهور وتصوراته. التحيز والتهييج العاطفي يُعززان التعصب، مما يؤدي إلى:

  • تأجيج الانقسامات: عبارات مثل “هذا الفريق لا يستحق” أو اتهامات بالتلاعب تُغذي التوتر بين الجماهير، كما يظهر في البرامج الحوارية العربية.
  • تشويه الثقافة الرياضية: التركيز على الإثارة بدلاً من التحليل يُقلل من تعليم الجمهور قيم الروح الرياضية.
  • تأثير على الشباب: الجيل الشاب يتأثر بالنقد غير البناء، مما يُشكل تصورات خاطئة عن الرياضة.

معطيات:

  • دراسة يمنية1 (2020) أظهرت أن الإعلام الرياضي يُسهم بدرجة متوسطة في نشر الثقافة الرياضية، بسبب ضعف التحليل الفني.
  • في مصر2، أشارت دراسة إلى أن 72.8% من الشباب لديهم اتجاه إيجابي نحو الرياضة، لكن 45.8% يرون الألتراس بشكل محايد، مما يعكس تأثير التعليق التحريضي.
  • منشورات على X تُظهر استياء الجمهور من تحيز المعلقين، مع مطالبات بمحللين يحترمون الفرق المنافسة.

3. أسباب تراجع المهنية

  • السعي وراء الشعبية: قنوات مثل بي إن سبورتس تُعطي الأولوية للمعلقين الحماسيين، حتى لو كان ذلك على حساب الحيادية.
  • ضعف التكوين: كثير من المعلقين يعتمدون على الموهبة دون تدريب أكاديمي.
  • غياب المعايير: لا توجد معايير واضحة لاختيار المعلقين في بعض القنوات العربية.
  • تأثير مواقع التواصل: المعلقون يتبنون خطابًا شعبويًا لجذب الانتباه على X.

4. نماذج إيجابية للمهنية في التعليق مع نقد

على الرغم من الانتقادات، هناك معلقون يُحاولون تحقيق التوازن بين الحماس والمهنية، لكنهم قد يواجهون تحديات:

  • حفيظ دراجي (الجزائر): يُعرف دراجي بثقافته الرياضية العالية وأسلوبه التحليلي في بي إن سبورتس، حيث يُقدم معلومات دقيقة عن الفرق واللاعبين، مما جعله محبوبًا لدى جمهور واسع. ومع ذلك، يواجه انتقادات حادة من الجماهير المغربية بسبب تحيزه المزعوم للفرق والمنتخبات الجزائرية، خاصة في المباريات التي تجمع الجزائر بالمغرب أو أندية مغربية. على سبيل المثال، خلال مباريات المنتخب الجزائري في كأس إفريقيا أو مواجهات الأندية المغربية في دوري أبطال إفريقيا، لوحظ أن دراجي يُظهر حماسًا مفرطًا للفرق الجزائرية، مع نقد غير موضوعي أحيانًا للفرق المغربية، مما يُثير استياء المشاهدين المغاربة الذين يرون في ذلك افتقارًا للحيادية المهنية. هذا التحيز يُعزز الانقسامات بين الجماهير المغربية والجزائرية، ويُضعف مصداقيته كمعلق محايد.
  • ميمي الشربيني (مصر): جمع بين التحليل الفني والفكاهة الذكية، مما جعله أيقونة مصرية بفضل عبارات مثل “مربع العمليات”.
  • مارتن تايلر (إنجلترا): في Sky Sports، يُعتبر نموذجًا للحيادية والتحليل العميق، حيث يصف الأحداث بدقة دون تحيز.

5. اقتراحات لتحسين التعليق الرياضي

لخلق مناخ رياضي سليم:

  • التكوين الأكاديمي: تدريب المعلقين على الإعلام الرياضي والتحليل الفني.
  • معايير مهنية: وضع شروط صارمة لاختيار المعلقين، تشمل الحيادية وإجادة اللغة.
  • التحليل الفني: التركيز على تقديم معلومات دقيقة بدلاً من الإثارة.
  • مكافحة التعصب: سياسات تُحارب التحيز واللغة التحريضية.
  • توعية الشباب: برامج تُعلم قيم الروح الرياضية.

6. الخلاصة

التعليق الرياضي أداة حاسمة لتشكيل الثقافة الرياضية. في السياق العربي والمغربي، يعاني من التعصب والشعبوية، كما يتضح في حالات مثل حفيظ دراجي، الذي يُنتقد لتحيزه للجزائر على حساب الحيادية، خاصة في مواجهات مغربية. أمثلة مثل ميمي الشربيني ومارتن تايلر تُظهر إمكانية الجمع بين الحماس والمهنية.

لتحقيق مناخ رياضي سليم، يجب على القنوات إعادة تقييم أساليبها، مع التركيز على التكوين والحيادية. العمل المهني الراقي هو مفتاح بناء جيل رياضي واعٍ.


1- عنوان الدراسة: دور الإعلام الرياضي المرئي في تعزيز الثقافة الرياضية لدى الجمهور اليمني
تفاصيل الدراسة:

  • أجريت هذه الدراسة لتقييم مدى مساهمة الإعلام الرياضي المرئي (مثل القنوات التلفزيونية) في نشر الثقافة الرياضية في اليمن.
  • شملت عينة عشوائية مكونة من 190 فردًا من المجتمع اليمني.
  • استخدمت استبانة لجمع البيانات.
  • النتائج: أظهرت أن دور الإعلام الرياضي المرئي في نشر الثقافة الرياضية كان متوسطًا، بسبب ضعف التركيز على تقديم معلومات حول التدريب الحديث وتطوير التحليل الفني والتفكير النقدي.
  • الناشر: مجلة جامعة البيضاء (Albaydha University Journal).

المصدر: الدراسة منشورة في مجلة جامعة البيضاء، المجلد 2، العدد 3 (ديسمبر 2020).

2- عنوان الدراسة: تأثير الإعلام الرياضي على اتجاه طلاب جامعة أم القرى نحو الرياضة
تفاصيل الدراسة:

  • على الرغم من أن الدراسة أُجريت في السعودية وليس في مصر، إلا أنها استُخدمت في المقال كمثال لتأثير الإعلام الرياضي على الشباب في السياق العربي، مع الإشارة إلى بيانات مشابهة من مصر. لذا، أوضح أن هناك خطأ في الإشارة إلى الدراسة كمصرية، وسأصحح المعلومات بناءً على المصدر الفعلي.
  • الدراسة استهدفت طلاب جامعة أم القرى في السعودية، باستخدام مقياس “دور الإعلام الرياضي في الاتجاه نحو الرياضة لدى الشباب” (إعداد عمر، والبكري، والمرسى، 2017).
  • شملت عينة استطلاعية (50 طالبًا) وعينة أساسية (991 طالبًا).
  • النتائج:
    • القنوات الرياضية المشفرة جذبت اهتمامًا كبيرًا من العينة.
    • 72.8% من الشباب أظهروا اتجاهًا إيجابيًا نحو الرياضة بفضل الإعلام الرياضي.
    • 45.8% كانوا محايدين تجاه ظاهرة الألتراس، مما يعكس تأثير الإعلام الرياضي على سلوك الجماهير، بما في ذلك الميول التعصبية.
    • شجع الإعلام الرياضي على الأنشطة الجماعية، فهم الأنشطة الرياضية، والالتزام بالأخلاق الرياضية.
  • الناشر: منشورة في مجلة علمية عبر منصة Egyptian Knowledge Bank (EKB).

المصدر: الدراسة منشورة في Journals.ekb.eg: تأثير الإعلام الرياضي على اتجاه طلاب جامعة أم القرى نحو الرياضة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى