المعارضة تنتقل إلى الشارع: هل انتهت صلاحية ثلاث حكومات متتالية في المغرب؟

شهدت المدن المغربية، من طنجة إلى الكويرة، احتجاجات سلمية لشباب يطالبون بحقين بسيطين هما التعليم والصحة. هذه المطالب الأساسية، التي لم تتجاوز حدود المنطق الحكومي ولا وصلت إلى المطالبة بالعدالة الاجتماعية أو التشغيل، جاءت لتكشف عن تراكم خطير للسياسات الفاشلة التي انتهجتها ثلاث حكومات تعاقبت على السلطة منذ التعديل الدستوري لعام 2011.
فشل دستوري وتراكم الفساد
أكد فاعل جمعوي ومقاول، هو السيد عثمان حسني بن منصور، في لقاء مع “GiL24″، أن المغرب حظي بفرصة تاريخية عام 2011 حين تجاوب الملك محمد السادس (بصفته طبيباً في القانون وحاكماً حكيماً) مع حراك 20 فبراير، مانحاً الحكومة صلاحيات كبيرة وكبيرة جداً عبر الدستور الجديد. ومع ذلك، فإن حكومات عبد الإله بن كيران وسعد الدين العثماني وعزيز أخنوش، فشلت في تنزيل هذا الدستور إلى أرض الواقع.
ويرجع هذا الفشل إلى أن السياسة في البلاد أصبحت ممزوجة بين التسلط والمال وغياب الأخلاق. هذا المزيج أنتج تراكماً للفساد واقتصاد الريع الذي لم يعد الشعب قادراً على الصبر عليه. وتُتهم الحكومات المتعاقبة بأن همها الوحيد كان الصفقات، والاغتناء الفاحش، والمصالح الشخصية. كما أن الجملة الشهيرة التي خرج بها رئيس الحكومة الأسبق بخصوص الفساد، وهي “عفى الله عما سلف”، هي السبب المباشر الذي أثر في هذا الشعب والشبيبة التي تخرج اليوم محتجة.
الخطر الأكبر: المعارضة في الشارع
في تحذير سياسي لافت، شدد بن منصور على أن الخطر الأكبر الذي يهدد البلاد اليوم هو أن المعارضة لم تعد في البرلمان بل أصبحت في الشارع. ومع أن هذه المعارضة الشابة (جيل Z) رزينة وسلمية، إلا أنها تمثل خطراً كبيراً على الدولة. والدليل على وطنية هذا الشباب ووعيهم ومسؤوليتهم هو إيقافهم للاحتجاجات بمناسبة خطاب الملك في البرلمان.
من جهة أخرى، يرى الفاعل الجمعوي أن صلاحية رئيس الحكومة الحالي قد انتهت، مشيراً إلى تراكم ثلاث إخفاقات، كان أولها إخفاقه كوزير سابق للفلاحة، حيث صرفت الملايير على “المخطط الأخضر” دون تحقيق نتائج واضحة، ليصبح المغرب اليوم البلد العربي الوحيد الذي لم يُعَيِّد (أي لم يجد رؤوس أغنام للعيد). كما وجه له انتقادات بسبب الطريقة التي يتواصل بها و”احتقاره” للنواب والمستشارين، واعتبار السياسة ممارسة لـ”السينيور” فقط، وهو ما يمثل احتقاراً للدولة وللدستور وللشعب المغربي.
المحاسبة هي مفتاح الحل
في مقابل الرفض الحكومي للتواصل، حيث كانت الحكومات دائماً في “الرفض التام للتواصل” مع الحركات الاحتجاجية كالتنسيقيات والطلبة، يشدد المراقبون على أن الحل لا يكمن فقط في إقالة الحكومة، بل يكمن أولاً في المحاسبة الشاملة للمفسدين.
وفي هذا السياق، تم توجيه تحية خاصة إلى القضاء، الذي بدأ فعلاً في حل البرلمان من تلقاء نفسه عبر إرسال أكثر من 50 إلى 70 برلمانياً (أغلبهم من الأغلبية الحكومية) إلى السجن. ويؤكد السيد بن منصور على ضرورة محاسبة كل من تسلم السلطة في جميع المؤسسات وعلى جميع المستويات، بدءاً من الجماعات ومجالس المدن والجهات. فمبدأ “عفى الله عما سلف” يجب أن يقتصر على الأمور الشخصية وليس على “شفرة الملايير” التي أدت إلى الوضعية الكارثية في التعليم والصحة.
في الختام، يقر المصدر بأن العائلة الملكية هي “الخيط الوحيد الذي يجمع هذه الدولة”، ويدعو إلى ضرورة إنتاج نخب جديدة. ويجب منح الفرصة لشباب “جيل Z” الذي يمتلك طاقات كبيرة في جميع المجالات (الطب، الاقتصاد، العمل الجمعوي)، والذين يقومون بتنظيم حلقات نقاش و”بودكاست” يومية. الحل يكمن في إصلاح المنظومة السياسية عبر تفعيل القضاء أولاً، ثم إشراك هذه النخب الشابة في مؤسسات الدولة للمساهمة الحقيقية والفعلية في دفع البلاد إلى الأمام.