المشاركة السياسية لمغاربة العالم: بين الطموح الدستوري والتحديات المؤسساتية

الرباط – 26 أبريل 2025
تشكل قضية المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج (MRE) ركيزة أساسية في مسار التحول الديمقراطي بالمغرب، لكنها تواجه تحديات وعقبات مؤسساتية وسياسية. مع اقتراب الانتخابات التشريعية لعام 2026، يبرز هذا الملف كاختبار للإرادة السياسية في إدماج أكثر من 5 ملايين مغربي يشكلون قوة اقتصادية وسياسية وثقافية عابرة للحدود.
من خلال تحليل مناقشات مائدة مستديرة نظمها مركز الأبحاث والدراسات في العلوم الاجتماعية والجمعية المغربية للعلوم السياسية والمجلس المدني الديمقراطي للهجرة بالمغرب، تحت شعار “مغاربة العالم … الهوية والمواطنة العابرة للأوطان، أسئلة ورهانات“. بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط يوم الخميس الماضي 24 ابريل 2025.
حاول طاقم الجريدة في هذا المقال المقتضب استشراف الإيجابيات والتحديات المرتبطة بهذه القضية، مع اقتراح رؤية للمستقبل.
تطور الهجرة المغربية: من العمالة إلى الجالية العالمية
شهدت الهجرة المغربية تحولات جذرية جعلت من الجالية قوة عالمية متنوعة. في الستينيات والسبعينيات، كانت الهجرة مقتصرة على عمال ذكور في أوروبا يطمحون للعودة. اليوم، تشمل الجالية عائلات ومهنيين وشبابًا ينتشرون في أمريكا، آسيا، وأستراليا. هذا التنوع أدى إلى تعدد اهتماماتهم، حيث يسعون للاندماج في بلدان إقامتهم مع الحفاظ على ارتباط وثيق بالمغرب. وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2023، ساهمت الجالية بتحويلات مالية تجاوزت 110 مليار درهم، مما يبرز وزنها الاقتصادي.
تظل قضية المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج (MRE) محور نقاش حيوي في المغرب، حيث تتقاطع الطموحات الدستورية مع تحديات التنفيذ المؤسساتي. رغم تأكيد دستور 2011 على حقهم في المواطنة الكاملة، بما يشمل المشاركة في الانتخابات والتمثيل السياسي، إلا أن العقبات البنيوية والتردد من بعض الأطراف السياسية والمؤسساتية لا تزال تعيق تحقيق هذا الحق. في ظل التحضير للانتخابات التشريعية لعام 2026، تبرز أهمية هذا الملف كاختبار للإرادة السياسية في إدماج أكثر من خمسة ملايين مغربي يعيشون خارج الوطن في صنع القرار الوطني.

اللافت هو الطموح السياسي المتزايد للجالية. نجاح مغاربة في شغل مناصب سياسية في دول مثل فرنسا (وزيرة التعليم السابقة نجاة فالو بلقاسم) وهولندا (عمدة روتردام أحمد أبو طالب) يعكس قدراتهم السياسية. هذا النجاح يدفعهم للمطالبة بدور مماثل في المغرب، مستندين إلى دستور 2011 الذي يكرس مواطنتهم الكاملة.
الإطار الملكي: رؤية إصلاحية واعدة
عكست المبادرات الملكية، وخاصة خطاب 6 نوفمبر 2024، التزامًا قويًا بدمج الجالية. إعلان إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج وإنشاء مؤسسة محمد السادس يهدفان إلى تجاوز التداخل المؤسساتي بين الوزارة المنتدبة، مؤسسة الحسن الثاني، وغيرها. هذه الخطوات تعزز إمكانية صياغة سياسة وطنية متكاملة للجالية، تركز على حقوقهم السياسية والاقتصادية.
إيجابيات المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج
تتمتع المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج بإمكانيات هائلة لتعزيز الديمقراطية المغربية وتطوير النسيج الوطني:
- تعزيز التمثيلية الديمقراطية: يشكل المغاربة المقيمون بالخارج جزءًا كبيرًا من الشعب المغربي، مع تقديرات تشير إلى وجود أكثر من 5 ملايين مغربي في أوروبا، أمريكا الشمالية، والمنطقة العربية. إشراكهم في العملية السياسية من شأنه أن يضمن تمثيلية أوسع للإرادة الشعبية، مما يعزز شرعية المؤسسات المنتخبة.
- إسهامات اقتصادية وسياسية: يساهم المغاربة المقيمون بالخارج بشكل كبير في الاقتصاد الوطني من خلال التحويلات المالية، التي بلغت حوالي 110 مليار درهم في عام 2024 وفقًا لبنك المغرب. تمكينهم سياسيًا سيضمن توافق سياسات الحكومة مع مصالحهم، مما يعزز استثماراتهم وارتباطهم بالوطن.
- نقل الخبرات والتجارب الديمقراطية: يعيش العديد من المغاربة في دول ذات أنظمة ديمقراطية متقدمة، مما يمنحهم خبرات في المشاركة المدنية والسياسية. إشراكهم يمكن أن يثري النقاش العام في المغرب بأفكار جديدة وممارسات ديمقراطية مبتكرة.
- دعم الدبلوماسية الموازية: يشكل المغاربة المقيمون بالخارج قوة دبلوماسية ناعمة تدافع عن مصالح المغرب، خاصة في قضايا مثل الوحدة الترابية. تمكينهم سياسيًا سيعزز دورهم كسفراء للوطن في بلدان إقامتهم.
- التزام ملكي واضح: أكدت المبادرات الملكية، وخاصة خطاب 6 نوفمبر 2024، على ضرورة إدماج المغاربة المقيمين بالخارج. إعلان إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج (CCME) وإنشاء مؤسسة محمد السادس للمغاربة المقيمين بالخارج يعكسان إرادة سياسية عليا لتجاوز العقبات، مما يوفر إطارًا مؤسساتيًا واعدًا.
سلبيات وعقبات التنفيذ
رغم هذه الإيجابيات، تواجه المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج تحديات كبيرة، كما أبرزتها مناقشات طاولة مستديرة نظمت مؤخرًا على منصة يوتيوب:
- عدم التنفيذ الفعلي للحقوق الدستورية: على الرغم من تأكيد دستور 2011 على حق المغاربة المقيمين بالخارج في المواطنة الكاملة، فإن هذا الحق لم يترجم إلى واقع ملموس. فشلت انتخابات 2015 و2021 في تمكينهم من المشاركة السياسية، مع استمرار الاعتماد على آليات مثل “التوكيل” التي تحد من فعاليتهم.
- عجز مجلس الجالية المغربية بالخارج: يواجه المجلس، الذي تأسس عام 2007 بهدف تعزيز مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج، انتقادات حادة بسبب تحوله إلى “وكالة ثقافية” تركز على الأنشطة الفلكلورية بدلاً من الدفاع عن الحقوق السياسية. ميزانيته السنوية، التي تقدر بحوالي 50 مليون درهم، لم تُستثمر بشكل فعال في برامج تعزز الاندماج السياسي، مما أثار تساؤلات حول شفافية إدارته.
- تردد الأحزاب السياسية: تعاملت بعض الأحزاب مع مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج كمسألة “تقاسم مغانم” انتخابية، بدلاً من تبني إصلاحات جوهرية. رفض اقتراح “المعامل المشترك” في إصلاح القانون الانتخابي لصالح “المعامل الانتخابي” في 2021 يعكس أولويات ضيقة لدى بعض الأحزاب، مما يحد من تمثيل المغاربة بالخارج.
- غياب التشاور مع الجالية: أثارت عملية إعادة هيكلة مجلس الجالية وإنشاء مؤسسة محمد السادس انتقادات بسبب عدم إشراك المغاربة المقيمين بالخارج في تصميم هذه المبادرات. هذا الغياب يثير مخاوف من تكرار سيناريوهات سابقة، حيث ظلت الإصلاحات شكلية.
- ضعف التعبئة المدنية والإعلامية: لم تُظهر النقابات ومنظمات حقوق الإنسان اهتمامًا كافيًا بقضية المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج، بينما تحالفت بعض وسائل الإعلام مع مجلس الجالية، مما قلل من مساحة النقد والتغطية المستقلة لهذا الملف.
- تحديات لوجستية وقانونية: إنشاء دوائر انتخابية مخصصة للمغاربة بالخارج يتطلب إصلاحات قانونية معقدة وتنسيقًا دوليًا مع دول الإقامة، مما يشكل تحديًا لوجستيًا. كما أن غياب قاعدة بيانات دقيقة للمغاربة المقيمين بالخارج يعقد عملية تنظيم الانتخابات.
سياق ملكي وإرادة إصلاحية
أكدت التوجيهات الملكية في خطابي 20 أغسطس و6 نوفمبر 2024 على ضرورة إصلاح الإطار المؤسساتي الخاص بالمغاربة المقيمين بالخارج. إعلان إعادة هيكلة مجلس الجالية وإنشاء مؤسسة محمد السادس يهدفان إلى توحيد الجهود المبعثرة بين مؤسسات مثل الوزارة المنتدبة للمغاربة المقيمين بالخارج، مؤسسة الحسن الثاني، والبنوك. هذه المبادرات تعكس رؤية ملكية تهدف إلى تعزيز التماسك الوطني وتجاوز التداخل المؤسساتي، لكن نجاحها يعتمد على مدى إشراك الجالية في تنفيذها.
دور الأحزاب والمجتمع المدني
تتحمل الأحزاب السياسية مسؤولية كبيرة في دفع عجلة الإصلاح، لكن تركيزها على مشروع “المغرب 2030” والتحضير لحكومة المستقبل يقلل من الأولوية الممنوحة لمشاركة المغاربة المقيمين بالخارج. من جهة أخرى، يُطالب المغاربة المقيمون بالخارج بتعبئة أكبر، من خلال إنشاء منصات إعلامية مستقلة، تنظيم حملات ضغط، والاستفادة من تجارب دول مثل تونس والجزائر، حيث يتم تمثيل الجاليات في البرلمان عبر دوائر انتخابية مخصصة.
التجارب الدولية كمصدر إلهام
تقدم تجارب دول أخرى دروسًا قيمة. في تونس، يحق للجالية التصويت والترشح في دوائر خارجية منذ ثورة 2011، مما عزز إسهامها في الحياة السياسية. البرتغال أيضًا تخصص مقاعد برلمانية للمهاجرين، مع تسهيلات لوجستية للتصويت. هذه النماذج تثبت أن المشاركة السياسية للجاليات ممكنة، شريطة وجود إرادة سياسية وإصلاحات قانونية مناسبة.
تحديات مستقبلية وتوصيات
مع اقتراب انتخابات 2026، يبرز الحاجة إلى استراتيجيات واضحة لتجاوز العقبات:
- إصلاح القانون الانتخابي: إنشاء دوائر انتخابية مخصصة للمغاربة المقيمين بالخارج وتسهيل التصويت عبر القنصليات.
- إشراك الجالية: ضمان مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في تصميم وتفعيل المؤسسات الجديدة مثل مؤسسة محمد السادس.
- تعزيز الشفافية: إخضاع مجلس الجالية للرقابة المالية والإدارية من قبل مجلس المستشارين لضمان كفاءة إنفاق ميزانيته.
- تعبئة مدنية: تشجيع المغاربة المقيمين بالخارج على تنظيم أنفسهم في شبكات مدنية وسياسية للدفاع عن حقوقهم.
خاتمة: نحو مواطنة كاملة
تمثل المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج فرصة لتعزيز الديمقراطية المغربية وتكريس المواطنة الشاملة. رغم الإيجابيات الكبيرة التي تحملها هذه المشاركة، من تمثيلية أوسع إلى إسهامات اقتصادية وسياسية، إلا أن العقبات المؤسساتية، التردد السياسي، وضعف التعبئة لا تزال تشكل تحديات حقيقية.
مع التوجيهات الملكية الواضحة والإرادة السياسية المطلوبة، يمكن للمغرب أن يحول هذا الطموح إلى واقع، مكرسًا مكانة المغاربة المقيمين بالخارج كشركاء أساسيين في بناء مستقبل الوطن.
Affiche