المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية: تجديد الرؤية وإعادة البناء في زمن التحديات

نظم حزب العدالة والتنمية (PJD) صباح اليوم الاربعاء 16 ابريل 2025، مؤتمرا صحفيا للإعلان عن المؤتمر الوطني التاسع، المقرر عقده يومي 26 و27 أبريل 2025، قدم فيه ممثلوه رؤية شاملة لتحضيرات الحزب، وكذا أهدافه السياسية، والتحديات التي يواجهها.
كما حرصوا على عكس استراتيجية الحزب لتجديد هياكله وبرامجه، مع التأكيد على هويته الإسلامية واستقلالية قراره السياسي، في سياق سياسي معقد يسبق الانتخابات التشريعية 2026.
في جريدة جيل24 – قسم سياسية وطنية- تابعنا اللقاء عن بعد وفيما يلي قراءتنا المتواضعة.
1. تحضير دقيق وتشاركي: نهج ديمقراطي لتجديد الحزب
ابرز اطر الحزب الذين تواجدو بالمنصة الجهود المبذولة في تحضير المؤتمر الوطني التاسع، المقرر عقده يومي 26 و27 أبريل 2025 في مركز مولاي رشيد ببوزنيقة. والذي استمر لأكثر من عام تحت إشراف لجنة تحضيرية بقيادة الدكتور إدريس الأزمي. كما اكدوا أن الحزب اعتمد نهجًا تشاركيًا يهدف إلى إشراك قاعدته التنظيمية (المسؤولين المجاليين، الأعضاء، والمتعاطفين) والرأي العام.
تُظهر التحضيرات التي استمرت أكثر من عام التزام الحزب بمنهجية دقيقة تشرف عليها لجنة تحضيرية ضمت 24 عضوًا من قيادات بارزة مثل مصطفى الخلفي، عبد الله بوانو، وسعيد خيرون. تُنظم هذه اللجنة وفقًا للمادتين 27 و30 من النظام الأساسي والداخلي للحزب، حيث يوافق المجلس الوطني على تشكيلها وآليات عملها، بينما تعمل تحت إشراف الأمانة العامة.
تم تقسيم اللجنة إلى خمس لجان فرعية متخصصة (سياسية، قانونية وتنظيمية، إعلامية، تواصلية، ومالية/لوجستية)، مما يعكس نهجًا شاملًا يغطي كافة جوانب المؤتمر. بدأ العمل الفعلي في 24 فبراير 2024، مع وضع برنامج مفصل وُافق عليه في 30 مارس 2024. هذا التنظيم يُظهر سعي الحزب لتجاوز تداعيات هزيمته الانتخابية في 2021 (13 مقعدًا مقابل 125 في 2016)، من خلال تعزيز التنسيق الداخلي والمشاركة.
تضمنت العملية لقاءات مركزية وجهوية في 12 جهة مغربية، وندوة بعنوان “الحزب بعيون خارجية” للاستفادة من رؤى خارجية، إلى جانب إطلاق منصة إلكترونية لجمع المقترحات، رغم محدودية نجاحها.
هذا النهج يعكس رغبة الحزب في تعزيز الديمقراطية الداخلية وتوسيع قاعدة المشاركة، خاصة بعد هزيمته الانتخابية في 2021، التي قلصت تمثيله البرلماني إلى 13 مقعدًا (مقارنة بـ125 في 2016).
يُظهر تصريح الأزمي عن “إشراك الرأي العام” محاولة لاستعادة الثقة الشعبية، في سياق تراجع الثقة في الأحزاب المغربية إلى 45% (حسب استطلاعات البارومتر العربي 2024). تشكيل لجان فرعية متخصصة (سياسية، قانونية، تنظيمية، إعلامية، مالية، ولوجستية) يكشف عن نهج منهجي يهدف إلى ضمان شمولية التحضيرات.
من جانبنا نشير الى أن تجربة الحزب في المؤتمرات السابقة، مثل المؤتمر الثامن (2017)، أظهرت قدرته على تنظيم نقاشات واسعة، لكن التحدي الحالي يكمن في تجاوز تداعيات الهزيمة الانتخابية واستعادة زخم شعبي في ظل منافسة قوية من أحزاب الأغلبية.
2. الإطار القانوني والتنظيمي: تعزيز الديمقراطية الداخلية
يُنظم المؤتمر وفقًا للمادتين 27 من النظام الأساسي و30 من النظام الداخلي للحزب، مع دور محوري لـلمجلس الوطني كأعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر. تُجرى انتخابات أعضاء المجلس الوطني عبر اقتراع سري دون ترشيحات فردية مسبقة، مع ضمان تمثيل النساء، الشباب، والجهات المختلفة، مما يعكس التزام الحزب بالتنوع والشمولية.
ومن اللقاء الصحفي يتبين أن آليات الانتخابات الداخلية لحزب العدالة والتنمية (PJD) في إطار التحضير للمؤتمر الوطني التاسع (26-27 أبريل 2025) وخلاله. تُبرز هذه الآليات التزام الحزب بالديمقراطية الداخلية، مع ميزة بارزة تتمثل في غياب الترشيحات الفردية للمناصب القيادية، بهدف تعزيز الإجماع وتجنب الصراعات.
انتخاب الأمين العام يتم عبر ثلاث مراحل (الترشيح، التداول، والتصويت)، مع تأكيد عبد العزيز العماري على مبدأ “لا أحد يرشح نفسه“، وهو نهج يهدف إلى تجنب الصراعات الداخلية وتعزيز الإجماع.
انتخاب أعضاء المجلس الوطني:
- الآلية: يُجرى الانتخاب خلال المؤتمر الوطني بتصويت سري من قِبل المؤتمرين (حوالي 1700 مشارك)، دون ترشيحات فردية.
- القوائم: تُقدم قائمتان: قائمة عامة (50-80 عضوًا) وقائمة خاصة لمغاربة العالم (حوالي 6 أعضاء)، ليصل إجمالي أعضاء المجلس الوطني إلى 160.
- التمثيلية: يتم ضمان حصص للشباب (32 على الأقل)، النساء (40 على الأقل)، وتمثيل جهوي (4 ممثلين لكل جهة)، مع توزيع المقاعد المتبقية حسب الأصوات. تُستخدم عملية “فرج” (توزيع) لضمان التمثيل العادل.
- الإطار القانوني: يتماشى مع القانون التنظيمي للأحزاب السياسية الذي يشترط تمثيلية الشباب والنساء.
انتخاب الأمين العام:
- الآلية: لا يتقدم أحد بترشيحه، وتتم العملية في ثلاث مراحل:
- الترشيح: يقترح أعضاء المجلس الوطني الجديد (160) والقديم (160) من 2 إلى 3 أسماء، ويُعتبر المرشح من يحصل على أكثر من 10% من الأصوات عبر تصويت إلكتروني.
- التداول: يقدم رئيس المؤتمر قائمة المرشحين، مع إمكانية انسحاب بعضهم. يناقش أعضاء المجلسين الجديد والقديم مؤهلات المرشحين لمدة تصل إلى 5 ساعات، مع التركيز على الكفاءات القيادية وتجنب الجوانب الشخصية.
- التصويت: يصوت المؤتمرون (1700) سرًا، ويُنتخب من يحصل على الأغلبية. في حالة التعادل، يُجرى جولة ثانية، وإذا استمر التعادل، يُختار الأكبر سنًا.
الانتخابات بعد المؤتمر:
- يجتمع المجلس الوطني الجديد بعد المؤتمر لانتخاب:
- رئيس المجلس الوطني.
- أعضاء الإدارة العامة.
- نواب الأمين العام.
- أعضاء الأمانة العامة.
اختيار مندوبي المؤتمر:
- عُقدت جمعيات عمومية جهوية في 8، 9، 15، و16 فبراير 2025 عبر أكثر من 70 أمانة إقليمية لانتخاب حوالي 1700 مندوب.
- يُحدد عدد المندوبين لكل إقليم بمعايير موضوعية، مما يضمن تمثيلية عادلة.
هذا النظام يُظهر تمسك الحزب بآليات ديمقراطية التزام الحزب بمبادئ الديمقراطية الداخلية، مع تصميم يهدف إلى تعزيز الإجماع من خلال استبعاد الترشيحات الفردية وإشراك قاعدة واسعة من الأعضاء، لكنه يثير تساؤلات حول قدرته على إنتاج قيادة جديدة في ظل هيمنة شخصيات تاريخية مثل عبد الإله بنكيران.
نؤكد أن هذا النظام الداخلي للحزب، الذي يحدد هذه الآليات، استُحدث بناءً على تجارب سابقة لتجنب الانقسامات، كما حدث في أحزاب أخرى مثل الاتحاد الاشتراكي. ومع ذلك، قد يُنظر إلى غياب الترشيحات الفردية كعامل قد يحد من التجديد القيادي.
انتخاب المجلس الوطني: تعزيز التمثيلية والشمولية: تُظهر آلية انتخاب المجلس الوطني التزامًا بالتنوع والتمثيل العادل، حيث تُضمن حصصًا للنساء (40 عضوًا) والشباب (32 عضوًا) والجهات (4 لكل جهة)، وفقًا للقانون التنظيمي للأحزاب (29.11). إدراج قائمة خاصة بمغاربة العالم (6 أعضاء) يعكس إدراك الحزب لأهمية الجالية المغربية، التي تُشكل حوالي 5 ملايين نسمة (تقرير وزارة الخارجية 2023). عملية “فرج” تضمن توزيعًا متوازنًا، لكنها قد تكون معقدة إداريًا، مما يتطلب دقة في التنفيذ لتجنب الخلافات.
صحيح أن تجربة الحزب في المؤتمرات السابقة (مثل 2017) أظهرت نجاحًا في إدارة الانتخابات الداخلية، لكن التحدي الحالي يكمن في تعزيز ثقة الأعضاء بعد هزيمة 2021 (13 مقعدًا مقابل 125 في 2016)، حيث تُشير استطلاعات (البارومتر العربي 2024) إلى تراجع الثقة في الأحزاب إلى 45%.
انتخاب الأمين العام: ديمقراطية بضوابط: غياب الترشيحات الفردية لمنصب الأمين العام يهدف إلى تقليل التنافس الشخصي وتعزيز الإجماع، وهي خاصية تميز الحزب عن أحزاب أخرى مثل الاستقلال أو التجمع الوطني للأحرار، حيث تكون الترشيحات مفتوحة. مرحلة التداول (حتى 5 ساعات) تُتيح نقاشًا معمقًا، لكنها قد تُعيق ظهور قيادات جديدة إذا هيمنت الشخصيات التاريخية (مثل عبد الإله بنكيران). شرط الحصول على 10% من أصوات المجلسين للترشح يضمن اختيار مرشحين يحظون بقبول واسع، لكنه قد يُقصي أصواتًا جديدة.
طبعا بنكيران، والذي لا نستسيغ لماذا أصر بعض الصحفيين خلال طرح اسئلتهم على الخوض في نقاش داخلي يخص اعضاء الحزب بخصوص بنكيران، علما أنه هو الذي قاد الحزب إلى صدارة المشهد (2011-2016)، يبقى مرشحًا محتملاً، لكن انتقادات لأدائه الحكومي (مثل إصلاح التقاعد) قد تُعزز الرغبة في قيادة جديدة. استطلاعات (المركز المغربي للدراسات 2024) تُشير إلى أن 55% من أنصار الحزب يفضلون تجديد القيادة.
الانتخابات بعد المؤتمر: تعزيز الهيكلية القيادية: انتخاب الهيئات القيادية (رئيس المجلس، نواب الأمين العام، الإدارة العامة، الأمانة العامة) بعد المؤتمر يُكمل عملية تجديد الهيكلية. هذه الخطوة حاسمة لضمان التنسيق بين القيادة والمجلس الوطني، لكن نجاحها يعتمد على قدرة الحزب على تجنب الانقسامات، كما حدث في أحزاب أخرى (مثل انشقاقات الاتحاد الاشتراكي في العقود الماضية).
الأكيد أن القانون التنظيمي للأحزاب يُلزم بتجديد الهياكل بانتظام، مما يجعل هذه الانتخابات ضرورية للامتثال القانوني والحفاظ على الديناميكية التنظيمية.
اختيار المندوبين: تمثيل جهوي عادل: تنظيم الجمعيات العمومية الجهوية في فبراير 2025 لانتخاب 1700 مندوب يعكس التزامًا بالتمثيل الجهوي، حيث يُحدد عدد المندوبين بمعايير موضوعية (مثل الكثافة السكانية أو عدد الأعضاء). هذا النهج يُعزز التماسك الداخلي، لكنه يتطلب تنظيمًا دقيقًا لتجنب الطعون، خاصة في الأقاليم ذات الكثافة العضوية العالية (مثل الدار البيضاء).
حسب تصريحات ممثلي الحزب فإن عدد المؤتمرين (1700) يتماشى مع حجم المؤتمرات السابقة، مما يُظهر قدرة الحزب على تعبئة قاعدته رغم تراجع شعبيته. ومع ذلك، تُشير تقارير (معهد السياسات العامة 2024) إلى أن الحضور الجهوي قد يتأثر بالتحديات اللوجستية والمالية.
3. وثائق المؤتمر: إعادة صياغة الهوية والاستراتيجية
تُشكل الوثائق الأساسية للمؤتمر (البرنامج العام، الأطروحة السياسية، تعديلات النظام الأساسي، والمساطر) جوهر عملية التجديد الفكري والتنظيمي للحزب. وقد ركزت اللجان الفرعية بين يوليو ونوفمبر 2024 على إعداد الوثائق الأساسية:
- البرنامج العام والورقة المذهبية: يهدف هذا الوثيقة إلى الإجابة عن سؤال “من نحن وماذا نريد؟”، من خلال مراجعة التراكم الفكري للحزب منذ الستينيات. يتناول قضايا مثل الإصلاح الدستوري، التعليم، الأسرة، اللغة العربية، تصحيح نموذج التنمية، وتعزيز الدولة الاجتماعية، إلى جانب السياسة الخارجية (الصحراء المغربية، القضية الفلسطينية). هذه المراجعة تأتي في سياق التحديات الاجتماعية والاقتصادية، حيث تُشير تقارير (البنك الدولي 2024) إلى أن 20% من المغاربة يعيشون تحت خط الفقر الوطني، مما يتطلب رؤية محدثة.
- الأطروحة السياسية: تُقدم هذه الوثيقة، حسب مصطفى الخلفي، رؤية جديدة ترتكز على “النضال من أجل مصداقية الاختيار الديمقراطي وكرامة المواطن”. تشمل خمسة محاور: تعزيز المرجعية الإسلامية، الدفاع عن السيادة الوطنية والصحراء المغربية، استعادة مصداقية الديمقراطية، تصحيح نموذج التنمية الاقتصادية، والحفاظ على استقلالية قرار الحزب. هذه الأطروحة تعكس رد الحزب على اتهامات بـ”تآكل الديمقراطية” و”اقتصاد الريع”، التي كثيرًا ما وجهها للحكومة الحالية.
- تعديلات النظام الأساسي: تهدف إلى تحديث الهيكلة التنظيمية للحزب، بما يشمل تعزيز الانخراط، تطوير الإدارة العامة، توضيح أدوار الهيئات، ودمج التكنولوجيا الرقمية. هذه التعديلات تستجيب للتطورات القانونية في قانون الأحزاب (القانون 29.11) وتجربة الحزب خلال العقدين الماضيين.
تمت مناقشة هذه الوثائق في الأمانة العامة (سبتمبر وديسمبر 2024)، ثم عرضها على لجان المجلس الوطني الدائمة (ديسمبر 2024)، وأُقرت نهائيًا في 18-19 يناير 2025. عقدت لقاءات جهوية في فبراير 2025 لمناقشة الوثائق مع المؤتمرين المنتخبين (1500 مؤتمر)، مما يعكس حرصًا على إشراك القاعدة في المصادقة.
حسب ما وصلنا من معطيات فإن الأطروحة السياسية تُظهر استمرارية خطاب الحزب المناهض للفساد والريع، الذي كان شعارًا رئيسيًا في صعوده خلال 2011-2016. ومع ذلك، يواجه الحزب تحدي تقديم رؤية اقتصادية واقعية في ظل انتقادات لأدائه الحكومي السابق (2011-2021).
كما أن الأطروحة السياسية تتماشى مع خطاب الحزب التاريخي المناهض للفساد، لكنها تواجه تحدي تقديم حلول اقتصادية ملموسة في ظل ارتفاع التضخم إلى 4.5% (البنك المركزي المغربي 2024) واستمرار الفقر بنسبة 20% (البنك الدولي 2024).
4. الجوانب اللوجستية والمالية: تنظيم محكم رغم التحديات
سيُعقد المؤتمر في مركز مولاي رشيد ببوزنيقة، الذي يوفر قاعة رئيسية (3200 م²، 3000 مقعد)، قاعة للضيوف (400 م²)، ومطعم مُوسع (800 م²). تشمل الترتيبات الإقامة، الإطعام، النقل، والتجهيزات التقنية (إضاءة، صوت، شاشات). تم تطوير برمجية لإدارة الانخراط، الدعوات، التسجيل، والتصويت، مع إجراء اختبار لضمان نزاهة العملية.
تبلغ الميزانية التقديرية 3.5 مليون درهم، مع توقع تمويل حكومي (نصف الدعم السنوي، حوالي 2 مليون درهم). تأخر صرف الدعم دفع الحزب لإطلاق حملة تبرعات طوعية وفتح حساب بنكي مخصص. هذه التحديات المالية تُظهر هشاشة موارد الحزب بعد تراجع تمثيله البرلماني.
نؤكد هنا أن قانون تمويل الأحزاب يفرض شروطًا صارمة على الشفافية المالية، مما يجعل التمويل الحكومي حاسمًا. تجربة الحزب في المؤتمرات السابقة أظهرت قدرته على تنظيم فعاليات كبرى، لكن الاعتماد على التبرعات قد يثير تساؤلات حول استدامة الموارد.
5. دعوة الضيوف: سياسة انتقائية تعكس المواقف السياسية
دعوة 90 شخصية من قادة الأحزاب، النقابات، البرلمانيين، والشخصيات الوطنية والدولية (من فلسطين، موريتانيا، الأردن، السنغال، تركيا، تونس، ليبيا، وسوريا) تُظهر انفتاح الحزب على الحوار مع أطراف متنوعة، مع تركيز على قضايا مثل فلسطين واللغة العربية.
ومع ذلك، استبعاد رئيس التجمع الوطني للأحرار (رئيس الحكومة) والأمين العام للاتحاد الاشتراكي بسبب “التوترات” يكشف عن استراتيجية انتقائية تهدف إلى تجنب الإحراج السياسي وتعزيز خطاب المعارضة ضد الأغلبية.
الجدول الزمني:
- السبت: افتتاح (قرآن، نشيد وطني، خطابات)، تصويت لانتخاب المجلس الوطني، مناقشة التقارير (البرنامج العام، الأطروحة السياسية، النظام الأساسي)، تصويت على الوثائق.
- الأحد: إعلان نتائج المجلس الوطني، انتخاب الأمين العام (ترشيح، تداول، تصويت)، خطاب الأمين العام المنتخب، اختتام ببيان نهائي.
- ما بعد المؤتمر: اجتماع المجلس الوطني الجديد لانتخاب رئيسه، نواب الأمين العام، المدير العام، وأعضاء الأمانة العامة.
نشير بهذا الصدد أن موقف الحزب الرافض للتطبيع مع إسرائيل، كما أكد بنكيران، يتماشى مع دعوة وفود من دول تدعم القضية الفلسطينية، مما يعزز صورته كحزب متمسك بمواقف مبدئية.
لكن بالمقابل نعتبر أن استبعاد قادة أحزاب الأغلبية قد يُفسر كمحاولة لتجنب النقاش حول أداء الحكومة.
6. برنامج المؤتمر: ديناميكية التجديد والإجماع
أهداف وسياق التحديث: يهدف تحديث البرنامج العام إلى الإجابة عن سؤالي “من نحن وماذا نريد؟”، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الوطنية والدولية. يأتي هذا التحديث بعد آخر مراجعة شاملة في 2004 وتحديث جزئي في 2008، مما يعكس الحاجة إلى مواكبة التغيرات منذ ذلك الحين، بما في ذلك تجربة الحزب في الحكم (2011-2021) والمعارضة. يُسلط النص الضوء على سياق معقد يتميز بـ”إفراغ شعار الدولة الاجتماعية من مضمونه” و”تزايد التداخل بين المال والسلطة والثروة”، مما يعكس نقد الحزب للسياسات الحكومية الحالية.
عملية التحديث: أشرفت اللجنة السياسية على العملية، بقيادة رئيسها، من خلال مشاورات مركزية وجهوية، ومناقشات داخل لجان المجلس الوطني. عُرض مشروع التحديث على الأمانة العامة في 23 نوفمبر 2024، ثم على لجان المجلس الوطني الدائمة، وأُقر نهائيًا في 18-19 يناير 2025. نُوقش المشروع مع الأعضاء جهويًا، حيث سيقدم الأمناء الجهويون خلاصات هذه المناقشات في المؤتمر الوطني. يُعد البرنامج العام “عقدًا ملزمًا” بين قيادة الحزب وأعضائه، وسيُعرض للنقاش والمصادقة في المؤتمر.
التوجهات الرئيسية:
- الهوية والمبادئ: يؤكد الحزب مرجعيته الإسلامية، طابعه الوطني، الديمقراطي، الإصلاحي، والمستقل، مع إعطاء الأولوية لمصلحة الأمة، كرامة المواطن، السيادة الوطنية، ودور الملكية الدستورية.
- الإصلاحات السياسية: يدعو إلى مرحلة جديدة من الإصلاحات الدستورية لتعزيز الديمقراطية، احترام الدستور، مكافحة الفساد، وتوسيع المشاركة الشعبية.
- القضايا المجتمعية: يركز على دعم الأسرة، تمكين المرأة، تحسين التعليم، وتعزيز اللغة العربية كلغة تدريس.
- التنمية الاقتصادية والاجتماعية: يسعى لتصحيح مسار الدولة الاجتماعية وإصلاح نموذج التنمية عبر مكافحة التداخل بين المال والسلطة.
- السياسة الخارجية: يدعم قضية الصحراء المغربية، المقاومة الفلسطينية، ويرفض التطبيع مع إسرائيل.
- النموذج التنظيمي: يلتزم بمبادئ الحرية، المسؤولية، الديمقراطية، واللامركزية داخل الحزب.
التمييز عن الأطروحة السياسية: بينما يُركز البرنامج العام على تحديث رؤية الحزب طويلة الأمد، تُعد الأطروحة السياسية وثيقة جديدة كُتبت “من ورقة بيضاء”، تحدد أولويات المرحلة المقبلة تحت شعار “النضال من أجل مصداقية الاختيار الديمقراطي وكرامة المواطن”. هذا التمييز يعكس استراتيجية مزدوجة: الحفاظ على الثوابت عبر البرنامج العام، وتقديم رؤية مرحلية ديناميكية عبر الأطروحة.
ملاحظات الجريدة:
يأتي تحديث البرنامج العام في ظل تحديات سياسية واقتصادية كبيرة. تراجع تمثيل الحزب في انتخابات 2021 (من 125 إلى 13 مقعدًا) أضعف موقعه، مما يتطلب إعادة صياغة رؤيته لاستعادة الثقة الشعبية. السياق الاقتصادي يتسم بارتفاع التضخم إلى 4.5% (البنك المركزي المغربي 2024) واستمرار الفقر بنسبة 20% (البنك الدولي 2024)، مما يبرر تركيز الحزب على تصحيح الدولة الاجتماعية. نقده لـ”تداخل المال والسلطة” يتماشى مع خطابه التاريخي ضد الفساد، لكنه يواجه تحدي تقديم حلول ملموسة بعد انتقادات لأدائه الحكومي (مثل إصلاح التقاعد).
أهمية العملية التشاركية: المشاورات المركزية والجهوية، إلى جانب مناقشات المجلس الوطني، تُظهر التزامًا بالديمقراطية الداخلية، وهي استجابة لانتقادات سابقة بتركيز السلطة في يد قيادات معينة. عرض المشروع على الأعضاء جهويًا يعزز الشفافية، لكنه قد يواجه تحديات في ترجمة المقترحات إلى سياسات فعّالة، خاصة مع محدودية نجاح المنصة الإلكترونية التي تُشير إلى ضعف في التعبئة الرقمية.
التوجهات وتحدياتها:
- الهوية والمبادئ: إعادة التأكيد على المرجعية الإسلامية والسيادة الوطنية تُعزز هوية الحزب، خاصة في دعم الصحراء المغربية (مدعومة دوليًا بفتح قنصليات في العيون والداخلة) ورفض التطبيع مع إسرائيل، الذي يتماشى مع توجهات الشارع المغربي (استطلاعات المركز المغربي 2024: 78% يعارضون التطبيع).
- الإصلاحات السياسية: الدعوة لإصلاحات دستورية جديدة طموحة، لكنها قد تصطدم بمقاومة الأغلبية الحكومية، خاصة مع سيطرة التجمع الوطني للأحرار على المشهد السياسي.
- القضايا المجتمعية: التركيز على الأسرة، المرأة، واللغة العربية يستجيب لتطلعات قاعدة الحزب المحافظة، لكن تحسين التعليم يتطلب مقاربات عملية في ظل تراجع جودة التعليم (تقرير اليونسكو 2023: 40% من التلاميذ المغاربة دون المستوى في القراءة).
- التنمية الاقتصادية: نقد “اقتصاد الريع” يحتاج إلى برامج واضحة لخلق فرص عمل، خاصة مع ارتفاع البطالة إلى 13% (المندوبية السامية للتخطيط 2024).
- التنظيم الداخلي: التأكيد على اللامركزية يهدف إلى تعزيز التمثيل الجهوي، لكنه يتطلب آليات فعّالة لتجنب الصراعات الداخلية.
التمييز بين البرنامج العام والأطروحة السياسية: الأطروحة السياسية، بكتابتها من “ورقة بيضاء”، تُركز على أولويات مرحلية (مثل مواجهة “تآكل الديمقراطية”)، بينما يُمثل البرنامج العام رؤية طويلة الأمد. هذا التمييز يُظهر استراتيجية مزدوجة: الحفاظ على الثوابت عبر البرنامج، وتقديم خطاب ديناميكي عبر الأطروحة لجذب الناخبين قبل 2026.
طبعا، نسجل في هذا الباب أن المؤتمرات السابقة (مثل 2017) أظهرت قدرة الحزب على إدارة نقاشات معقدة، لكن التحدي الحالي يكمن في تحقيق التوازن بين القيادات التاريخية (مثل بنكيران) وفتح المجال لوجوه جديدة.
7. رسالة عبد الإله بنكيران: بين الثقة والتحدي
يُعبّر بنكيران عن فخره بالتحضيرات، واصفًا المؤتمر بـ”مرحلة شفاء” بعد التحديات التي واجهها الحزب، خاصة هزيمة 2021. تأكيده على حرية التعبير المسؤولة ورفض الضغوط يهدف إلى طمأنة الأعضاء حول نزاهة العملية الديمقراطية. موقفه المبهم حول ترشحه لمنصب الأمين العام يعكس استراتيجية حذرة تهدف إلى الحفاظ على وحدة الحزب، بينما يؤكد رفض التطبيع مع إسرائيل وتمسك الحزب بمرجعيته الإسلامية.
لسنا بحاجة للتذكير أن بنكيران، الذي قاد الحزب إلى صدارة المشهد السياسي (2011-2016)، لا يزال شخصية محورية، لكن هزيمة 2021 وانتقادات لأدائه الحكومي (مثل إصلاح نظام التقاعد) قد تُضعف حظوظه في قيادة جديدة ما لم يحظَ بدعم واسع.
على سبيل خلاصة في انتضار ما سيسفر عنه المؤتمر نفسه:
يُشكل المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية محطة حاسمة لتجديد الحزب واستعادة زخمه السياسي. التحضيرات التشاركية، مراجعة الوثائق الأساسية، والالتزام بالديمقراطية الداخلية تُظهر طموح الحزب للرد على التحديات السياسية والاجتماعية.
الأطروحة السياسية، التي تركز على مصداقية الديمقراطية وكرامة المواطن، تعكس محاولة لتقديم رؤية جديدة تتجاوز هزيمة 2021. ومع ذلك، يواجه الحزب تحديات تتعلق بالتمويل، تجديد القيادات، واستعادة ثقة الرأي العام في سياق تنافسي.
موقف الحزب المناهض للتطبيع وتركيزه على قضايا الصحراء وفلسطين يعزز هويته المبدئية، لكن نجاحه يعتمد على قدرته على تقديم برنامج اقتصادي واجتماعي ملموس يستجيب لتطلعات المغاربة.