المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية: تجديد الالتزام الوطني وسط تحديات سياسية واجتماعية معقدة

الرباط – 29 أبريل 2025
اختتم حزب العدالة والتنمية (PJD) مؤتمره الوطني التاسع في بوزنيقة يومي 26 و27 أبريل 2025، تحت شعار “النضال من أجل مصداقية الخيار الديمقراطي وكرامة المواطن”. شهد المؤتمر حضوراً كبيراً لشخصيات وطنية ودولية، وأكد على التزام الحزب بالقضايا الوطنية والإسلامية، مع التركيز على القضية الفلسطينية، قضية الصحراء المغربية، والتحديات الداخلية مثل الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، والهوية الثقافية.

أُعيد انتخاب عبد الإله بنكيران أميناً عاماً، وأُقرت وثائق أساسية تحدد رؤية الحزب للمرحلة المقبلة.

نقاط القوة في البيان الختامي

1- تماسك الهوية والمرجعية:
يعكس البيان التزام الحزب بمرجعيته الإسلامية وهويته الوطنية، مع التأكيد على الثوابت الدستورية والقيم الإسلامية كأساس لإصلاحات مثل مدونة الأسرة. هذا الوضوح يعزز مكانة الحزب كقوة سياسية متماسكة، خاصة بعد تراجعه في انتخابات 2021 (من 125 إلى 13 مقعداً برلمانياً).

التأكيد على دعم القضية الفلسطينية والصحراء المغربية يتماشى مع تطلعات قاعدته الشعبية، ويستجيب لمشاعر الشارع المغربي، حيث أظهرت استطلاعات رأي حديثة أن 78% من المغاربة يرفضون التطبيع مع إسرائيل (معهد الدراسات الاجتماعية، 2024).

2- موقف قوي من القضايا الإقليمية والدولية:
يقدم البيان موقفاً صلباً ضد التطبيع مع إسرائيل، داعياً إلى إغلاق مكتب الاتصال وإلغاء الاتفاقيات، في سياق تصاعد الرفض الشعبي بعد اتفاقيات أبراهام 2020. كما يدين “الحرب الصهيونية الإبادية” في غزة، مشيراً إلى 60,000 شهيد، بينهم 18,000 طفل و13,000 امرأة.

هذا الموقف يتماشى مع الحراك الشعبي المغربي، حيث شهدت المدن الكبرى مظاهرات أسبوعية منذ “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023.

دعوة الحزب إلى إحياء الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي تعكس طموحاً لتعزيز الوحدة الإسلامية، رغم التحديات العملية.

3- نقد حاد وموثق للحكومة:
يقدم البيان نقداً دقيقاً لأداء حكومة عزيز أخنوش، مستنداً إلى معطيات اقتصادية واجتماعية. يشير إلى ارتفاع الدين العام إلى 71.6% من الناتج الداخلي الإجمالي (حوالي 1,050 مليار درهم، وفق تقرير البنك الدولي 2024)، وتفاقم البطالة إلى 13.2% (1.6 مليون عاطل، حسب المندوبية السامية للتخطيط).

كما ينتقد فشل الحكومة في تحقيق وعودها، مثل خلق مليون فرصة عمل وإخراج مليون أسرة من الفقر، حيث تضاعف عدد الأسر الفقيرة إلى 1.2 مليون (تقرير اليونيسيف 2024). هذا النقد يعزز دور الحزب كمعارضة فعّالة، قادرة على استغلال إحباط الطبقات الشعبية.

4- تنظيم داخلي متين:
نجح المؤتمر في إعادة انتخاب بنكيران، الذي يحظى بشعبية واسعة بفضل خطابه الشعبوي، مما يضمن استقرار القيادة.

إقرار الوثيقة العقدية، الأطروحة السياسية، والنظام الأساسي بأغلبية ساحقة يعكس وحدة داخلية.

الحضور الدولي من تونس، موريتانيا، السنغال، وتركيا يعزز مكانة الحزب إقليمياً، خاصة مع مشاركة شخصيات مثل محمد الحسن ولد الددو من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

5- التزام بالعدالة الاجتماعية والهوية:
يدافع البيان عن إصلاح التعليم بالاعتماد على اللغة العربية وتعزيز الأمازيغية، مع رفض تهميش التعليم الإسلامي. كما يطالب بتصحيح أوجه القصور في برنامج الحماية الاجتماعية، حيث استُبعد 3.5 مليون مواطن من نظام “راميد” (تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي 2024).

هذه المواقف تتماشى مع هموم الطبقات الشعبية، التي تعاني من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 12% منذ 2022 (المندوبية السامية للتخطيط).

نقاط الضعف في البيان الختامي

1- غياب رؤية اقتصادية مبتكرة:

رغم نقده لسياسات الحكومة، يفتقر البيان إلى مقترحات اقتصادية ملموسة. دعوات مثل “تسقيف أسعار الوقود” و”مكافحة الاحتكار” تظل عامة دون خطط تنفيذية.

في سياق تضخم اقتصادي عالمي، كان يُفترض أن يقدم الحزب برامج لدعم القطاعات المنتجة، مثل الفلاحة (التي تشغل 38% من القوى العاملة) أو المقاولات الصغرى (التي تمثل 90% من الاقتصاد غير المهيكل). هذا الغياب يُضعف جاذبية الحزب للنخب الاقتصادية والشباب.

2- تركيز مفرط على القضايا الخارجية:
تخصيص جزء كبير من البيان للقضية الفلسطينية، رغم أهميتها، قد يُقلل من التركيز على الهموم الداخلية.

استطلاعات رأي (مركز السياسات العامة، 2024) تُظهر أن 65% من المغاربة يرون أن التعليم، الصحة، والتشغيل هي الأولويات، مقابل 22% فقط يركزون على القضايا الخارجية. هذا التوجه قد يُفسر كمحاولة لتعبئة العواطف بدلاً من معالجة مشاكل ملحة.

3- خطاب استقطابي:
يعتمد البيان لغة حادة، متهماً الحكومة بالفساد، الخضوع للوبيات، والتفريط في الهوية.

هذا الخطاب قد يُعمق الانقسامات السياسية ويُقلل من فرص بناء تحالفات مع أحزاب معارضة أخرى، مثل الاتحاد الاشتراكي أو الحركة الشعبية.

في سياق استقطاب سياسي متزايد، يحتاج الحزب إلى خطاب أكثر شمولية لتوسيع قاعدته.

4- ضعف المقترحات الديمقراطية:
رغم دعوته إلى “تخليق الحياة السياسية”، لا يقدم البيان مقترحات واضحة لإصلاح النظام الانتخابي أو تعزيز استقلالية المؤسسات. على سبيل المثال، لم يتطرق إلى إصلاح قانون الأحزاب أو معالجة ظاهرة “الترحال السياسي”، التي أضعفت ثقة الناخبين.

هذا النقص يُقلل من تأثير الحزب على النقاش الديمقراطي.

5- تحديات القيادة طويلة الأمد:
إعادة انتخاب بنكيران تعزز الاستقرار الداخلي، لكن اعتماده الطويل (منذ 2008) قد يُعيق ظهور قيادات شابة. معطيات داخلية تشير إلى أن 60% من أعضاء المجلس الوطني للحزب تجاوزوا 50 عاماً (تقرير الحزب، 2024)، مما يُظهر تحدياً في تجديد النخب.

دلالات الوثيقة مع معطيات إضافية

البيان الختامي يعكس استراتيجية العدالة والتنمية لاستعادة زخمه السياسي بعد هزيمة 2021، التي عُزيت إلى إخفاقات حكومية (مثل أزمة كوفيد-19) وصراعات داخلية. اختيار بوزنيقة كمكان للمؤتمر، مع حضور دولي، يُظهر رغبة الحزب في استعراض قوته التنظيمية.

إعادة انتخاب بنكيران، الذي حظي بتأييد 82% من المندوبين (وفق مصادر الحزب)، تؤكد اعتماده على شعبيته، لكنها تُثير تساؤلات حول قدرة الحزب على التجديد.

التركيز على القضية الفلسطينية يستجيب للشارع المغربي، حيث شارك أكثر من مليون مواطن في مظاهرات داعمة لغزة منذ 2023 (تقرير الجمعية المغربية لدعم القضية الفلسطينية).

لكن هذا التركيز قد يُنفر النخب الحضرية، التي ترى أن الأولوية يجب أن تكون لمعالجة أزمات مثل توقف 25,000 طالب في كليات الطب (أزمة 2024-2025) أو انهيار القطاع الصحي العمومي.

اقتصادياً، يستند البيان إلى معطيات دقيقة، مثل ارتفاع الدين العام بـ200 مليار درهم في ثلاث سنوات، وإفلاس 15,000 مقاولة صغرى منذ 2022 (غرفة التجارة والصناعة). لكن غيابه عن تقديم بدائل، مثل تحفيز الاستثمار في الطاقة المتجددة (التي جذبت 5 مليارات دولار في 2024)، يُضعف مصداقيته كبديل حكومي.

كذلك، دعوته إلى التعاون المغاربي تظل طوباوية في ظل إغلاق الحدود مع الجزائر منذ 1994 وتفاقم التوترات الدبلوماسية (مثل قرار الجزائر قطع العلاقات في 2021).

وجهة نظر الجريدة حول الوثيقة

البيان الختامي يُظهر حزب العدالة والتنمية كقوة معارضة قوية، قادرة على استغلال إخفاقات الحكومة لاستعادة ثقة الناخبين. نقاط قوته تكمن في تماسكه الأيديولوجي، نقده الموثق، ودعمه للقضايا الشعبية.

لكن نقاط ضعفه، خاصة غياب رؤية اقتصادية واضحة والتركيز المفرط على القضايا الخارجية، قد تُحد من جاذبيته للشباب والطبقة الوسطى، حيث تُظهر استطلاعات أن 70% من المغاربة دون 35 عاماً يفضلون برامج اقتصادية على الخطابات الأيديولوجية.

لتحقيق طموحاته، يحتاج الحزب إلى:

  • برامج اقتصادية ملموسة: مثل دعم المقاولات الصغرى عبر إعفاءات ضريبية أو تمويل مشاريع الطاقة الخضراء.
  • تجديد النخب: لضخ دماء جديدة قادرة على منافسة الأحزاب الحاكمة.
  • خطاب جامع: يوازن بين الهوية والحلول العملية لتوسيع قاعدته الانتخابية.

في النهاية، نجاح الحزب يعتمد على تحويل شعاره إلى إنجازات ملموسة، خاصة في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية تُهدد استقرار المغرب. المؤتمر التاسع خطوة مهمة، لكن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة الخطاب إلى برامج تُعيد الثقة في الديمقراطية وتُلبي تطلعات المواطنين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى