الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني تندد بتدهور أوضاع الصحافة الوطنية في اليوم العالمي لحرية الصحافة

الدار البيضاء، 5 ماي 2025
يخلد العالم في الثالث من ماي كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة، مناسبة تجتمع فيها الأقلام الحرة لتقييم واقع المهنة وتجديد التزامها بحماية حرية التعبير. لكن الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني تحتفل بهذا اليوم لعام 2025 وسط حالة من الإحباط والاستياء، إزاء ما آلت إليه الصحافة الوطنية من تفكك بنيوي، تسيب مهني، وتراجع أخلاقي، في ظل تناقضات قانونية وغياب رؤية سياسية شاملة تحمي مكتسبات المغرب في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان.
مدونة الصحافة: إصلاحات ناقصة وتناقضات قانونية
منذ صدور مدونة الصحافة والنشر (القانون رقم 90.13) في أغسطس 2016، حذرت الكونفدرالية من أن هذا القانون، الذي روج له كإصلاح تاريخي لتنظيم المهنة، يحمل في طياته بذور أزمة مهنية وأخلاقية. فقد نصت المادة 29 من القانون على منح البطاقة المهنية للصحافيين وفق شروط محددة، مثل العمل المنتظم في مؤسسة إعلامية معترف بها، لكن آليات تطبيق هذه المادة شابتها الغموض والانتقائية، مما أدى إلى إقصاء العديد من الصحافيين المؤهلين. كما أن المادة 49، التي تمنع سلب حرية الصحافيين في قضايا النشر، لم تُحترم في العديد من الحالات، حيث لجأت السلطات إلى القانون الجنائي لمتابعة صحافيين، في خرق صريح لروح القانون.
وقد رفعت الكونفدرالية آنذاك شعار “الجحيم هو ما بعد الملاءمة”، محذرة من أن التسرع في تطبيق هذا القانون دون إطار تنظيمي ديمقراطي سيؤدي إلى أزمة شاملة. وتؤكد التطورات الراهنة صحة هذه التوقعات، حيث تواجه الصحافة الوطنية تحديات غير مسبوقة، من متابعات قضائية تعسفية إلى غياب دعم عمومي عادل، في ظل إخفاقات اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر.
اللجنة المؤقتة: سلطة مطلقة وغياب الشرعية
تتركز انتقادات الكونفدرالية على أداء اللجنة المؤقتة، التي شكلت بموجب القانون رقم 23.15 لتسيير القطاع بعد انتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة. فقد منحت المادة 7 من هذا القانون اللجنة صلاحيات واسعة، تشمل منح البطاقات المهنية، التحكيم في قضايا الأخلاقيات، وفرض رسوم على المقاولات الإعلامية بنسبة 1% كواجب انخراط. لكن هذا التراكم غير المسبوق للسلطات، دون رقابة ديمقراطية، حول اللجنة إلى ما وصفته الكونفدرالية بـ”مؤسسة جزرية”، تجمع بين دور الحكم والخصم، في تناقض واضح مع مبادئ التنظيم الذاتي.
وتثير قرارات اللجنة في قضايا الأخلاقيات، المستندة إلى المادة 12 من القانون 90.13، استياءً واسعًا بسبب “الانتقائية” و”ضعف التأطير القانوني”. فالعديد من الأحكام الصادرة عن لجنة التحكيم تفتقر إلى أسس تشريعية واضحة، نتيجة نقص الخبرة القانونية لبعض أعضائها، مما يجعل هذه القرارات “غير شرعية” ومثيرة للجدل. وفي هذا السياق، تعلن الكونفدرالية تضامنها الكامل مع الصحافيين المتضررين من هذه الإجراءات، داعية إلى إصلاحات عاجلة.
أزمة الدعم العمومي وتهميش المقاولات الصغرى
يواجه القطاع الإعلامي أزمة مالية خانقة، تفاقمت بسبب غياب توزيع عادل للدعم العمومي. فبموجب المادة 40 من القانون 90.13، يُفترض أن يُخصص الدعم لتعزيز القدرات التنافسية للمقاولات الإعلامية، لكن الواقع يكشف عن هيمنة المؤسسات الكبرى على هذا الدعم لعقود، في حين تُهمش المقاولات الصغرى والمتوسطة، خاصة تلك العاملة في الإعلام الرقمي. هذا الوضع يعيق قدرة هذه المقاولات على الاستثمار في الاقتصاد المعرفي، مما يهدد تنوع المنظومة الإعلامية.
توصيات نقابية لإنقاذ المهنة
للخروج من هذا المأزق، تقدمت الكونفدرالية بتوصيات حاسمة تهدف إلى إعادة بناء القطاع على أسس ديمقراطية وعادلة:
- حل اللجنة المؤقتة وتشكيل هيئة محايدة: يجب حل اللجنة المؤقتة فورًا، وتشكيل لجنة مستقلة مهمتها التحضير لانتخابات المجلس الوطني للصحافة، مع شرط عدم ترشح أعضائها لضمان الحياد. كما دعت إلى رفض أي تعيين حكومي لأعضاء المجلس، والتمسك بالانتخابات كآلية ديمقراطية، وفق المادة 4 من القانون 90.13 التي تنص على انتخاب أعضاء المجلس.
- شفافية مالية ورقابة: طالبت بإعداد تقرير مالي مفصل عن اللجنة المؤقتة والمجلس السابق، وإحالته إلى المجلس الأعلى للحسابات، لضمان الشفافية في إدارة الأموال العامة.
- معايير صارمة للترشح: اقترحت إلزامية الإدلاء بشهادات عليا للترشح لعضوية المجلس، مع اشتراط شهادة الدكتوراه لرئاسته، لضمان تمثيلية مهنية وعلمية عالية المستوى، بعيدة عن الصراعات المهنية الضيقة.
- نشر لوائح البطاقات المهنية: دعت إلى النشر الفوري للوائح الحاصلين على البطاقة المهنية، وفق المادة 29 من القانون 90.13، لتبديد الشكوك حول نزاهة العملية، مع الاعتماد على بطاقات 2023 في الانتخابات المقبلة لتجنب التدخلات السياسية.
- دعم عادل للمقاولات: شددت على ضرورة إعادة هيكلة الدعم العمومي عبر دفتر تحملات يراعي الفوارق بين المقاولات الكبرى والصغرى، لتمكين الأخيرة من المنافسة في سوق الإعلام الرقمي.
نضال مستمر ووقفة احتجاجية
تؤكد الكونفدرالية التزامها بالنضال النقابي دفاعًا عن حقوق الصحافيين والمقاولات الإعلامية، معلنة تنظيم وقفة احتجاجية أمام المجلس الوطني للصحافة بالتعاون مع النقابة الوطنية للصحافة والإعلام التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل. وسيتم الإعلان عن موعد هذه الوقفة قريبًا، كجزء من استراتيجية نقابية للضغط من أجل إصلاحات جذرية.
خاتمة
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، تجدد الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني دعوتها إلى حماية المهنة من التراجعات التي تهدد وجودها. وتظل ملتزمة بالدفاع عن حرية الصحافة كركيزة للديمقراطية، مطالبة بتطبيق القوانين بما يحقق العدالة والشفافية، ويحمي حقوق الصحافيين والمقاولات الإعلامية في مواجهة التحديات الراهنة.