الكفاءات التقنوقراطية ليست بديلا للكفاءات السياسية

عبد السلام المساوي

يعتقد البعض واهما ومخطئا ، ان الاصلاح لا يحتاج إلى نخبة سياسية / كفاءات سياسية، بدعوى أن للاصلاح طابعا تقنوقراطيا محضا ، وانجاحه يحتاج إلى تقنوقراط ، وإذا كان البديل التقنوقراطي قد جرب لازيد من أربعة عقود ، وراكم خلال هذه الحقبة الطويلة إخفاقات متتالية ، فإن البعض الان يروم تمديده تحت غطاء المجتمع المدني .هذه الوضعية تنعكس سلبا على العمل الحزبي ؛ عزوف عن الاحزاب وعداء للفاعلين السياسيين فبحث عن بدائل ( أجدى ) و ( انفع ) خارج البديل الحزبي ؛ بدائل غير ديموقراطية ، طبعا؛ الإدارة ، الجمعيات ، الصحافة …أطر اشتغلت في الإدارة ، أحرزت مكاسب وامتيازات ، سميت تكنوقراط فحصلت على حقائب وزارية ، اخرى ركبت الجمعيات وأخرى لجأت إلى الصحافة ( المستقلة ) …هؤلاء الذين قدحوا العمل الحزبي ، فانخرطوا في هذا الحقل او ذاك ، لأنهم اعتبروا ان الاحزاب عاجزة عن تحقيق طموحاتهم ، بل إنها مؤسسات بدون جدوى ، وقد ترسخ هذا الموقف من الاحزاب لما تم الابتعاد عن المنهجية الديموقراطية بعد استحقاقات شتنبر 2002 حيث تم تعيين وزير اول خارج الاحزاب…

مباشرة بعد تشكيل حكومة التناوب تكونت معارضة من طرف جهات دعت إلى ضرورة إخلاء المكان للمجتمع المدني والخبرة التقنوقراطية ، واعتبرت أن الفريق الحكومي دون خبرة وتجربة . ان دعوة مثل هذه هي في العمق دعوة إلى استمرار حالات الاستثناء التي عشناها في الماضي ، والتراجع عن تقدمات وفتوحات حصلت في الممارسة السياسية المغربية ، وهي تقدمات لم تحصل عبثا ، بل جاءت كحصيلة لصراعات وتوافقات عرفها الواقع السياسي المغربي فكرا وممارسة ، وأن هذه الدعوة ايضا دعما لذلك التحالف التقنوقراطي الذي أسندت إليه الأمور في السابق ، والذي يسعى إلى العودة من النافذة زاعما انه مدني …

ويجب أن نحذر مما يقال عن المجتمع المدني ، وبالخصوص يجب الا يتحول نشطاء المجتمع المدني الى صيغة جديدة ل ( الصاب ) اي اللامنتمين الذين كانوا أداة للتمييع ، وهناك الان تحامل على الاحزاب وبالذات الاحزاب الديموقراطية وفي طليعتها الاتحاد الاشتراكي …ولا يستبعد أن يكون الهدف هو خلق الفراغ ، والفراغ اقتل من القمع ، والقمع يمكن أن يكون مجرد فترة وتمر ، ويمكن أن يصيب الوهن مرتكبه ، أما الفراغ فهو يقتل القريحة ويستمر مفعوله عدة احقاب ، فلنحذر من من خلق الفراغ باقصاء الكفاءات السياسية والبحث عن كفاءات خارج الأحزاب ..

يقول صاحب الجلالة في خطاب العرش – 29 يوليوز 2019 – ” فالمرحلة الجديدة ستعرف ان شاء الله ، جيلا جديدا من المشاريع ولكنها ستتطلب ايضا نخبة جديدة من الكفاءات ، في مختلف المناصب والمسؤوليات ، وضخ دماء جديدة ، على مستوى المؤسسات والهيات السياسية والاقتصادية والادارية ، بما فيها الحكومة .

وفي هذا الاطار ، نكلف رئيس الحكومة بأن يرفع لنظرنا ، في أفق الدخول المقبل ، مقترحات لاغناء وتجديد مناصب المسؤولية ، الحكومية والادارية ، بكفاءات وطنية عالية المستوى ، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق .”

ويقول د عبد الرحيم منار اسليمي في قراءته للخطاب الملكي ، زنقة 20 يوم الأربعاء 14أغسطس 2019 , ” نوجد اليوم أمام تكليف لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني بتقديم مقترحات تعديل حكومي يتضمن وزراء من نخب ذات كفاءة أو ما نسميه بحكومة كفاءات (….) 

العثماني يجب أن يتحرر من أسطورة أن الحكومة يجب تشكيلها من داخل مكونات الأغلبية (…)

فالأحزاب السياسية المغربية المكونة للأغلبية ومعها رئيس الحكومة قرأت صلاحياتها الدستورية بطريقة خاطئة فبدل ان تقوم باقتراح من داخل أحزابها كان من الممكن ان تجعل لحظة تشكيل الحكومة فرصة لاستقطاب الكفاءات ، اننا امام ممارسات سياسية خاطئة وأمام فهم خاطئ لمجالات رئيس الحكومة في الاقتراح وخلل في فهم الأحزاب السياسية لاقتراح الوزراء ، وسيكون العثماني مطالبا بايقاف هذه الممارسة الخاطئة (….) 

فقاعدة التمثيل السياسي تفرض على العثماني الاشتراط على أحزاب الأغلبية البحث عن الكفاءات وسط المغاربة وليس وسط الفروع والمكاتب السياسية الحزبية ….”

وأريد ان انبه هنا ذ منار اسليمي ، ان مثل هذا ” التحليل ” يساهم في تبخيس العمل الحزبي وعزوف الكفاءات عن الممارسة الساسية ، فما معنى ان تنتمي الى حزب يبحث عن الكفاءات خارجه عندما يتعلق الأمر بالمسؤوليات الحكومية والادارية ؟!

لقد كان حزب الاتحاد الاشتراكي في السبعينيات والثمانينيات و…خزانا للكفاءات العليا والمقتدرة ، العالية والمتميزة ، في مختلف المجالات والتخصصات ، لكن ولأسباب سباسية تمت محاصرتها والتضييق عليها ، تم تهميشها واقصاؤها ، واسندت المسؤوليات الى من لا يستحقها …وبتهميش كفاءات اليسار ضيع المغرب فرصة الاستفادة من قوة تلك الاطر ، على اعتبار ان حصيلة ما تحقق اليوم ، هي دون ما كانت تعده به امكانات وقدرات تلك النخبة المناضلة …

ان القاطرة هي الكفاءات السياسية …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى